بات من الواضح ان دمشق ليست طرفاً في التجاذب السياسي الذي شهده لبنان خلال الايام الاخيرة وبلغ الذروة في المواقف التي اطلقها رئىس المجلس النيابي نبيه بري وحمل فيها على رئيس الحكومة رفيق الحريري ثم رد الحريري عليه. هذا ما يقوله الكثر من الوزراء والنواب الذين التقوا اخيراً المسؤولين السوريين للوقوف على رأيهم من السجال الذي جاء بعد ايام على لقاء بري الرئىس السوري الدكتور بشار الاسد. ونقل الوزراء والنواب عن لسان المسؤولين السوريين ان دمشق ليست طرفاً في الخلاف الذي عاشته بيروت على خلفية ما اورده بري من مواقف في مؤتمره الصحافي رداً على ما اعلنه الحريري من امام بكركي بعد اجتماعه بالبطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير. وأكد الوزراء والنواب ل"الحياة" ان السياسة السورية بالنسبة الى العلاقة بين اركان الدولة في لبنان واضحة وان دمشق ليست طرفاً في اي مشكلة تطرأ وانها تنصح على الدوام بضرورة الحوار والتفاهم، خصوصاً في هذه الظروف الدقيقة التي تتطلب رص الصفوف والحفاظ على الاستقرار السياسي وتوفير المناخ الذي يساعد على مواجهة التحديات. ولفتوا الى ان السياسة السورية لا تحبذ ما يقال من حين لآخر من انها تناصر مسؤولاً كبيراً في مواجهة مسؤول كبير آخر لترجيح كفته. وأضافوا ان دمشق لم تتدخل في التعيينات واحتفظت لنفسها بمسافة واحدة من الجميع، وان قرارها على هذا الصعيد معروف لدى اهل الحكم، ولو انها تدخلت بالفعل لما صدرت شكاوى وانتقادات من بعض الوزراء المقربين منها. وتابعوا: "ان النظرة السورية الى التعيينات تكمن في ان اصدارها من شأنه أن يسهم في تنفيس أجواء الاحتقان ويمنع البعض من استخدام استمرار تجميدها مادة سياسية لتأليب الرؤساء على بعضهم بعضاً، او لتحريض فريق ضد الثاني". مشيرين الى "ان لسورية سياسة ثابتة تقوم على عدم التدخل في التفاصيل. وهي عندما تقرر التدخل فإن تدخلها يأتي لشعورها بأن الامور مرشحة للتفاقم والتأزم في حال اغمضت عينيها. وهذا ما قامت به في محطات سابقة من اجل حث كبار المسؤولين على التلاقي والتفاهم لا سيما بالنسبة الى الملف الاقتصادي الذي يعتبر ملفاً وطنياً يحتاج الى تكاتف الجميع". وكشف الوزراء والنواب النقاب عن ان دمشق استمعت الى وجهة نظر بري من ضمن مجموعة من الهواجس والمخاوف التي ابداها في ضوء الدفعة الاولى من التعيينات وشجعت على ان تعرض في اطار الاحتكام الى المؤسسات من جهة والى الحوار الذي يجب ألا يتوقف بين الرؤساء. ورداً على سؤال اوضح عدد من الوزراء ل"الحياة" ان دمشق التي تتعامل بارتياح مع التعاطي اللبناني في الملف الاقليمي والدولي لا تؤيد في المقابل اتباع اسلوب الاستقواء في التصدي للمشكلات، ولا ترتاح للأسلوب الذي اتبعه بري في التعبير عن مخاوفه مؤكدين ان طرح بري تأجيل القمة العربية المقررة في آخر آذار مارس المقبل في بيروت لم يكن مستمداً من خلفية اجتماعه مع الرئىس السوري، بمقدار ما انه طالب به، من وحي قراءته للتطورات في المنطقة وللمناخات العربية المرتقبة. وشددوا ايضاً على ان تأجيل موضوع القمة لم يطرح بين الرئىس الاسد وبري الذي كان صريحاً عندما اكد ان الموقف ينم عن قراءة شخصية ولا علاقة له بالمحادثات التي اجراها في دمشق. مشيرين الى ان القيادة السورية حريصة على اتباع الهرمية في تعاطيها مع موضوع القمة وليست في وارد تخطي رئىس الجمهورية اميل لحود الذي هو على تشاور دائم معها. ودعوا الى عدم تحميل دمشق تبعات المواقف التي اعلنها بري على رغم انها كانت استمعت الى حججه ومخاوفه ونصحت بأن تعالج من الجانب اللبناني في اطار الحفاظ على دور المؤسسات. ورداً على سؤال استبعد مصدر مقرب من رئىس الجمهورية امكان اعادة النظر في الدفعة الاولى من التعيينات. معتبراً ان العودة عنها تضر بصدقية الحكم وبمؤسسة مجلس الوزراء مشيراً الى ان المراسيم الخاصة بالتعيينات ستصدر فور الانتهاء من اعدادها وستنشر لاحقاً في الجريدة الرسمية. في ضوء كل ذلك يمكن القول ان الدعوة الى التهدئة لم تكن معزولة عن المناخ السوري بضرورة اعطاء فرصة لتحضير الاجواء التي تسهم في تبديد ما احدثته مواقف بري من فجوة سياسية وشخصية في علاقته برئىس الحكومة الذي تؤكد اوساطه ان ما حصل اخيراً لم يكن سببه العودة الى السجال ما دام انه لم يكن بين طرفين وانما جاء من طرف واحد. وختاماً لا بد من ترقب طبيعة المبادرة التي سيقوم بها لحود فور انتهاء عطلة الاعياد من اجل رأب الصدع بين بري والحريري.