تتعامل دمشق مع التعيينات الادارية على انها أسهمت في تنفيس الاحتقان السياسي بين الرؤساء في لبنان ولا تجد صعوبة في معالجة التداعيات التي أحدثتها على صعيد علاقة رئيس المجلس النيابي نبيه بري برئيس الحكومة رفيق الحريري، معتبرة ان تعيينات بهذا الحجم شملت أكثر من 200 موظف كبير يتوقع ان تترتب عليها ردود فعل ليس من المستحيل معالجتها. وفي معلومات "الحياة" ان دمشق أبدت رأيها أمام كبار المسؤولين اللبنانيين الذين لاحظوا ارتياحها الى وجود نية لبنانية لاقفال ملف التعيينات الذي بقي مفتوحاً أكثر من عام وكاد يتسبب أكثر من مرة بمشكلات بين الرؤساء. ونقل مسؤولون لبنانيون عن مسؤولين سوريين انهم لم يتدخلوا لا من قريب أو بعيد في التعيينات، لكنهم يحرصون على استيعاب ردود الفعل وتطويقها لمنع استغلالها من قبل البعض، لتهديد الاستقرار السياسي والعلاقة بين الرؤساء خصوصاً اذا كانت تنذر ببوادر سوء تفاهم بين بري والحريري. وأكد وزراء ونواب استطلعوا عن كثب موقف بري واطلعوا من المسؤولين السوريين على ملاحظاته التي أبداها خلال اجتماعهم به، ان لدى رئيس المجلس شعوراً بأن هناك من يريد محاصرته وأن المشكلة ليست في الشخص في اشارة الى اعتراضه على ترشيح غازي يوسف مديراً للضمان وحنين عبدالله للاقتصاد وانما في الطريقة التي اتبعت معه خلافاً للآخرين. واضافوا أن بري يأخذ على الآخرين بأنه ممنوع عليه التعاطي في التعيينات المتعلقة بالمديرين من الطوائف الأخرى، في وقت يحاولون تقليص نفوذه في الادارة، مشيرين الى ان اعتراضه على البعض لا علاقة له بكفايتهم وقدراتهم العملية بقدر ما ينطلق موقفه من مراعاة التوازن. وكشف نواب قريبون من بري ان الأخير بدا منزعجاً من استبدال عصام حب الله في المديرية العامة للاقتصاد، تمهيداً لإلحاقه بالسلك الديبلوماسي وتعيينه سفيراً خصوصاً ان هذا التعيين يواجه رغبة لدى رئيس الجمهورية اميل لحود بعدم تعيين سفراء من خارج ملاك وزارة الخارجية. وعلى رغم اللوم الذي يغلب على موقف بري من التعيينات الا انه لم يقلل من امكان التوصل الى تفاهم مع الحريري. وفي المقابل، نقل عن الحريري ان اجهزة الرقابة مجلس الخدمة المدنية لعبت دوراً اساسياً في غربلة اسماء المرشحين الى مناصب الفئة الأولى ولرؤساء وأعضاء مجالس الادارة، مؤكداً انه لم يتدخل في الأسماء، وان الشخص الوحيد الذي يعرفه إضافة الى يوسف هو الدكتور نور الدين الكوش الذي رشحه نواب بيروت لتولي مجلس ادارة مستشفى بيروت الحكومي أسوة بغيرهم من النواب في المناطق الأخرى ممن رشحوا اطباء لهذه المراكز نفسها. وأكد الحريري أمام النواب ان ليس لديه موقف شخصي حيال القاضي عوني رمضان الذي اقترحه بري لتولي المديرية العامة للضمان الاجتماعي، مشيراً الى أن تمسكه بالدكتور غازي يوسف لا يعود الى انه مستشاره للشؤون الاقتصادية وإنما لكونه واحداً من المؤهلين لاصلاح الوضع الراهن في كبرى المؤسسات اللبنانية التي لا يجوز أن تبقى على حالها الحاضرة لما يترتب عليها حيال المنتسبين اليها وهم يقدرون بعشرات الألوف، وبالتالي لا يجوز تركها سائبة للقضاء والقدر خصوصاً انها مؤسسة مملوءة حالياً ويجب تحسين أوضاعها وتطوير ادائها لتلبية حاجات الموظفين في القطاع الخاص وهذا يستدعي التصدي للهدر حماية لحقوقهم في نهاية الخدمة. وأبدى الحريري ارتياحه الى الأجواء التي سادت الجلسة، وقال ان وزيراً واحداً سجل اعتراضه وزير الدولة طلال ارسلان وغادر الجلسة قبل انفضاضها علماً أن اعتراضه جاء لعدم موافقة مجلس الوزراء على ابقاء مرشحه طلال القنطار لعضوية مجلس الانماء والاعمار في منصبه في وقت قرر استبدال الجميع من دون استثناء. واعتبر الحريري ان الدولة كمؤسسة حققت انتصاراً في التعيينات وأقر بحصول مراعاة ولكن من ضمن شرط توافر المؤهلات لدى المرشحين. ولفت الى أن المواقف الأولية التي صدرت، المؤيدة منها أو المعترضة، تعتبر طبيعية قياساً الى الحجم الكبير للتعيينات التي تحصل للمرة الأولى في تاريخ لبنان. وأكد أن أجهزة الرقابة ستواكب اعمال المعينين وسعيهم لاخراج الادارة من الروتين وتطويرها. وأكد الحريري نقلاً عن النواب ان خدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم تبقى فوق كل اعتبار. وقال: "كنت أفضل عدم التعليق على بعض المداولات التي دارت في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء والخاصة بمنصب الأمين العام لوزارة الخارجية لو لم يتم تسريبها عبر بعض وسائل الاعلام". وأوضح: "ان أحد الزملاء جورج افرام طرح هذه المسألة وكأنها من حقوق طائفة معينة وطالب باستردادها ما أوحى بأنها مأخوذة منها بالقوة، وهذا أمر غير صحيح، وكان حرياً به العودة الى التدقيق في سلة التعيينات ليكتشف بنفسه انها اعطيت للطائفة السنية بموجب التوزيع المعتمد حالياً لمناصب الفئة الأولى". وأكد عدم ممانعته اعادة النظر في توزيع المناصب بدل ان يحاول البعض استحضار مشكلة ليست موجودة أساساً وانه لا يتمسك بالامانة العامة للخارجية "شرط أن تأتي من ضمن التوافق على توزيع جديد"، مشيراً الى انه كان أول من اقترح على رئيس الجمهورية لدى التحضير لملف التعيينات بالتخلي عنها في مقابل التوافق على سلة جديدة. وشدد على ان النظام السياسي في لبنان قائم على التوازن الذي يصونه ويحمي حقوق الطوائف وبالتالي التخلي من ضمن التوازن عن هذا المنصب أو ذاك، لن يتسبب بمشكلة. وفي انتظار ان يتم "الافراج" عن الدفعة الثانية والأخيرة من التعيينات التي جمِّد البحث فيها بناء لرغبة لحود لتفادي حصول أي تأزم بين بري والحريري، تتواصل الاتصالات التحضيرية للتوافق على المخرج لمديريتي الضمان والاقتصاد من خلال طرح مرشحين جدد. وما يهم دمشق ان تبقى العلاقات الرئاسية بعيدة من المتاعب وان تتأمن الحلول للمشكلات العالقة، وهذا أمر غير بعيد المنال في حال توافرت النيات الطيبة.