تكيف العراقيون مع وقائع الحصار على حساب ميلهم المعروف للبذخ في شهر رمضان. وابتكرت ربات البيوت أصنافاً من المأكولات والحلويات مما توافر في الأسواق من انواع، وهو ليس بكثير. وأعادت ايام الحصار عادات وألعاباً قديمة، وعادت المقاهي في مساءات رمضان الى احتلال موقع التسلية البريئة عبر ألعاب كانت تراجعت في سنوات ما قبل الحصار. صحيفة "الاتحاد" الأسبوعية الصادرة في بغداد نقلت في عددها الأسبوع الماضي عن ربات بيوت عراقيات انه "على رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعانيه الكثير من العوائل إلا ان ذلك لم يقف حائلاً دون ممارستها عادات متوارثة وطقوساً في الشهر الفضيل". وابتكرت ربات البيوت انواعاً من الأطعمة فرضتها ظروف الحصار، فالكبة تحولت حشوتها الى الحمص والبطاطا والبصل والخضروات وكمية قليلة من اللحم. والحلويات لم تعد "زلابية" و"بقلاوة" يكلف الكيلوغرام الواحد منها نحو عشرة آلاف دينار عراقي، وأصبحت اليوم تتكون من "الشعرية بالسكر" و"المعجنات المحشوة بالتمر". أشكال من التضامن الاجتماعي يذكيها رمضان في العراق هذه الأيام، فبعض الميسورين يقوم بإعداد وجبات افطار جماعية وينقلها الى الجوامع، ليجد المحتاجون ما يفطرون عليه. كما ان الأقارب غالباً ما يجتمعون في بيت احدهم على الإفطار فيكون الطعام متنوعاً إذ تحضر كل عائلة معها ما أعدته من طعام وأطايب. ولم تتغير عادة تبادل الجيران وجبات الطعام، بل زادت، فالصحن المملوء رزاً أو نوعاً من المقليات لا يعاد فارغاً بل مملوءاً بنوع آخر من الطعام وهو ما يراه احد المتسوقين في "سوق الشورجة" شكلاً من "صور التآلف الاجتماعي في المناطق الشعبية". وتقول سيدة من منطقة "الفضل" الشعبية وسط بغداد "في هذا الشهر تتصافى النفوس. وهو فرصة لترسيخ العلاقات الاجتماعية ومنها ما اعتدنا عليه من تبادل صحون الأكل وأقداح العصير ومساعدة المحتاجين وابن السبيل". المقاهي استعادت بعضاً من امجادها السابقة وصارت مراكز تجمع الرجال والشبان مساء، ومعها استعادت لعبة "المحيبس" حضورها وأصبح لها فرق "محترفة" متنافسة فهناك الخصمان اللدودان فريقا الأغطمية والكاظمية وفريقا الفضل والجعيفر والرحمانية والعطيفية. وإضافة الى هذه اللعبة، بدأت لعبة "صراع الديكة" تستقطب رواد احد المقاهي الشعبية، ويتوزع الحضور بين فريقين، كل فريق يشجع ديكاً من الديكين المتصارعين ومن يخسر يتولى جلب "صينية من الحلوى" يوزعها على الحضور من المتسابقين أو غيرهم. وفيما استعادت المقاهي امجادها الرمضانية، يبدو ان "المسحراتي" شبه منقرض حالياً في ليالي بغداد والمدن العراقية الأخرى في رمضان، إلا ان اقامة الصلوات ولساعة متأخرة من الليل في الجوامع والأضرحة حاضرة في مراقد الإمام الكاظم وأبو حنيفة وعبدالقادر الكيلاني. هذه الأمكنة تشهد في ايام الخميس توافد عوائل كثيرة تحمل معها طعام الإفطار، لتقوم بالصلاة بعد رفع الأذان في "جوء من الصفاء الروحي". وإذا كانت المدن العربية تسهر في ما بات يعرف ب"الخيام الرمضانية" فإن "امانة بغداد" بدأت تنظم في رمضان "أمسيات لغناء المقام العراقي" في "المتحف البغدادي" الذي يضم تماثيل تسجد جوانب من الحكايات والمأثورات الشعبية البغدادية. ويوفر "تلفزيون الشباب" فرصة للعائلة العراقية لمشاهدة اكثر ما تعرضه القنوات الفضائية العربية تسجل ثم تبث في اليوم التالي من مسلسلات درامية وبرامج مسابقات، ويعوض العراقيون بذلك فقدانهم متابعة ما تعرضه القنوات العربية مباشرة حيث يحظر عليهم اقتناء اجهزة التقاط البث الفضائي.