تبدو المستجدات في شمال العراق، من الزاوية التي ينظر اليها الأتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني مدعاة لأكثر من القلق. ففي وقت وصلت المصالحة مع الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الى طريق مسدود، جاءت أنباء الحشود العراقية المدرعة، والتي اكدها البنتاغون، واعترفت بها القيادة العراقية مشيرة الى ان مبررها التحسب للتهديدات الاميركية. وثمة ما يزيد قلق الإدارة الكردية في السليمانية، لا سيما ان التقارب بين الديموقراطي الكردستاني وطهران وصل الى ذروته الاسبوع الماضي، في ختام زيارة رئيس وزراء حكومة اقليم كردستان في أربيل للعاصمة الايرانية رداً على زيارة غير معلنة لوفد ايراني اكد خلالها وقوف بلاده على مسافة متساوية من الادارتين الكرديتين، بعد سنوات من التحالف الوثيق مع ادارة السليمانية، واتهامات من بارزاني لإيران بالانحياز الى طالباني. وعبرت قيادة الاتحاد عن مخاوفها من "طبخة اقليمية" تستفرد عبرها بهجوم عسكري وشيك، وعبرت مصادر كردية عن خيبة أمل من الموقف الاميركي بعد وصول الجولة 55 من مفاوضات لجنة التنسيق العليا المنبثقة عن "اتفاق واشنطن" للمصالحة بين الحزبين، الى طريق مسدود وتعليق الاجتماعات الى أجل غير مسمى "ريثما يغير احد الطرفين، أو كلاهما موقفه". وللمرة الأولى شهدت الاجتماعات سقوط الاقتراحات، واحداً بعد الآخر، أمام تصلب الطرفين. وكانت ايران اجرت مراجعة لمواقفها وسياساتها تجاه اكراد العراق بعد مرحلة من التوتر الشديد وصلت الى ذروتها عام 1996. ومعروف ان تلك العلاقات تتولاها عادة "قيادة قوات نصر" في "الحرس الثوري"، أو ما يعرف ب"قراركاه نصر". وتسلم مسؤوليتها السردار جعفري الذي اتهمه الحزب الديموقراطي الكردستاني بالتحيز ضده والعمل بالتنسيق مع "المجلس الاسلامي الأعلى للثورة الاسلامية" والاتحاد الوطني الكردستاني، الغريم التاريخي للديموقراطي. وانتهت تلك المرحلة بتصاعد حدة الاقتتال الداخلي عامي 1995 و1996، وحسمها تدخل الجيش العراقي في 31 آب اغسطس 1996. على أثر ذلك بدأت ايران مراجعة سياستها لتتناسب مع المرحلة الخاتمية، فغيرت طاقم سردار جعفري ونصبت السردار سيف الله قائداً لقوات نصر، بدلاً منه. ومنذ تعيينه في هذا المنصب أمسك سيف الله العصا الكردية من الوسط واتجه الى تخفيف حدة التوتر مع الديموقراطي الكردستاني وصولاً الى تطبيع العلاقة والانتقال الى بناء الجسور مجدداً مع قيادة بارزاني. وكان سيف الله مهد الطريق لذلك بعد زيارة غير معلنة لأربيل التقى خلالها بارزاني وقيادته، وأبلغهم "ان الماضي لن يتكرر، وان المستقبل سيثبت وقوف ايران على الحياد في ما يتعلق بالخلافات الداخلية للاكراد". وأضاف هذا الموقف نقطة ايجابية الى مصلحة الديموقراطي الكردستاني، فضلاً عن النقاط الأخرى التي تكفلت بإضافتها الموارد المالية المتزايدة والاستقرار النسبي في منطقتي أربيل ودهوك منذ تلاشي خطر حزب العمال الكردستاني قبل سنتين. وانعكست هذه العلاقة الجديدة بين ايران وبازراني سلباً على العلاقات الكردية - الكردية وجعلت الديموقراطي أكثر تشدداً في مواقفه ضد طالباني، الذي تمهد ادارته في السليمانية لتسيير عجلة الاقتصاد والحياة اليومية في أجواء تنذر بمخاطر كبيرة ويفاقمها انقطاع حصة السليمانية من الواردات الجمركية. وعلى رغم ان ادارة السليمانية تستوفي بدورها جمارك على التجارة عبر ايران وغيرها، الا ان مواردها لا تزيد عن 25 في المئة مما لدى ادارة أربيل. وتقدر المصادر هذه الموارد بحوالى 1.5 مليون دولار يومياً، تضاف اليها حصة الاقليم من برنامج "النفط للغذاء" والمشاريع التي تنفذها الاممالمتحدة في الادارتين. يذكر ان ايران وافقت على فتح طريق ترانزيت يصل الإدارة الكردية في السليمانية بموانئ الخليج لتخفيف الأعباء عنها. ولكن الاعباء المالية المرتفعة التي تضاف الى اسعار البضائع والسلع الواردة عبر هذا الخط لا تجعل منه مصدراً أساسياً لتمويل خزينة طالباني.