صدرت عن وزارة الثقافة في دمشق ترجمة لكتاب الباحث الآثاري الشهير جاك كوفان الألوهية والزراعة ثورة الرموز في العصر النيوليتي وترجمه الى العربية موسى ديب الخوري، وقام بمراجعته سلطان محيسن. يطرح الكتاب قضية بالغة الأهمية والتعقيد أصبحت تعرف باسم "الثورة الزراعية" إذ أجمع الباحثون على أن هذه الثورة حصلت في المنطقة الواقعة بين حوض الفرات شمالاً مروراً بغوطة دمشق وحتى وادي الأردن جنوباً، ومنذ حوالى الألف العاشر ق.م أي قبل أي مكان آخر في العالم. إلا ان الاتفاق ما زال بعيداً حول الأسباب والدوافع التي قادت الى هذا التحول، فهناك من تحدث عن دوافع مناخية وبيئية وجغرافية، بينما يرجعه آخرون الى أسباب سكانية ديموغرافية أو تكوينية، في حين يرى فريق ثالث دوافع فكرية واجتماعية، ولا يزال النقاش محتدماً من دون الوصول الى جواب حاسم عن الموضوع. جاك كوفان قدم نظريته منطلقاً من نتائج تنقيباته بخاصة في موقع المريبط في حوض الفرات السوري الأوسط وطرح فرضيته النفسانية - الثقافية حول ظاهرة "الثورة الزراعية" متناولاً زمان ومكان وآلية حدوثها وتتابع عناصرها ليخلص الى الخوض عميقاً في أسبابها ودوافعها استناداً الى كم ضخم من المكتشفات الأثرية التي أتت من المشرق القديم ومن سورية، خصوصاً، كالأواني الفخارية والأدوات والأسلحة الحجرية والفنون، ومعطيات البيئة بما فيها الدلائل النباتية والحيوانية التي تنتسب الى العصر المشار اليه. وتبنى كوفان في فرضيته الأسباب والعوامل الاجتماعية والفكرية والنفسية واعتبرها مقدمة قادت الى التحولات الاقتصادية التي شكلت عملية "الثورة الزراعية". ويبدو واضحاً لدى قراءة الكتاب طغيان الجانب الفلسفي على الجانب التاريخي مما يشكل اضافة حقيقية وأساسية الى الموضوع فضلاً عن أنه يسلط فيه الأضواء على المكتشفات السورية في نشوء الحضارة الزراعية وتطورها.