اذا استعرنا مصطلحات السياسة نجد أن "فلسفة" البيئة حلت، الى درجة كبيرة، محل الفكر السياسي والاجتماعي التغييري العالمي، وتميزت عنه بشمولها كل طبقات الناس، وبتوحيدهم على رغم خصوصياتهم الوطنية والعرقية والاجتماعية. كما نجد أن دعاة الوعي البيئي، ومنهم اليساريون واليمينيون وما بين هؤلاء وأولئك، هم كما قال عنهم الدكتور ديفيد سوزوكي "المحافظون الحقيقيون، يريدون انقاذ الحياة والحفاظ عليها وكبح وتيرة تدهورها". ومع ذلك فالمعركة ما زالت في البداية، وأمامها مصاعب ومصالح كبرى. لكن ليس هناك من خيار آخر... هذا او الغرق. فنحن جميعاً في مركب واحد وما من سبل اخرى للنجاة. الموضوعات البيئية كثيرة، منها ما يشكل نقاطاً مبدئية وما يعتبر فروعاً تفصيلية، ومع ذلك فيمكن اعتبارها كلها أساسية من حيث أثرها الكبير. ومما يعتبر أمراً مبدئياً شاملاً ما عرف بتعبير"التنمية المستدامة"، ومن تحديداتها المختلفة المتقاربة ما قالته عنها وزارة البيئة السويسرية من أنها تعني "التزاماً قوياً جديداً للجيل الحاضر أن يلبي حاجاته بطرق لا تحرم الاجيال القادمة من حقها في تلبية حاجاتها". والتنمية المستدامة عند "لجنة الوزراء الخضر" في بريطانيا تعني تحقيق أربعة أهداف رئيسية في بريطانيا والعالم هي: تقدم اجتماعي يعترف بحاجات كل انسان، وحماية فعالة للبيئة، واستعمال حكيم للموارد الطبيعية، والحفاظ على مستوى عال من النمو الاقتصادي وفرص العمل. أما في سويسرا، فالتنمية المستدامة هي الحجر الاساسي الذي تقوم عليه السياسة البيئية السويسرية المستقبلية، وأساسها أخذ المتطلبات والكلفة البيئية بعين الاعتبار عند تقرير السياسات في مجالات اخرى، مثل النقل والطاقة والزراعة، والتكامل بين الاقتصاد وحماية البيئة. بين الجماعات التي وضعت ضمن أهدافها تحقيق التنمية المستدامة تآلف حزب الخضر والحزب الديموقراطي الاجتماعي تحالف 90 في ألمانيا، والديموقراطيون الاحرار في هولندا، وحزبا المحافظين والعمال البريطانيان، والجبهة الوطنية الفرنسية، وحزب الشعب الاوروبي في البرلمان الاوروبي، وتجمع أحزاب الخضر في اوروبا، وحزب الخضر في ولاية كاليفورنيا الاميركية، وحزب الخضر في كولومبيا البريطانية في كندا. وتبنى هؤلاء أيضاً شعار "المسؤولية عن كوكبنا احترام والحياة الطبيعية وحمايتهما". ويختصر حزب الخضر البريطاني هذه المسؤولية المعنوية بقوله: "نؤمن بأن الجنس البشري يتحمل مسؤولية خاصة عن العناية بهذا الكوكب، فهو وديعة لديه نيابة عن كل الكائنات الحية وللاجيال القادمة. يجب عدم القيام بأي عمل يسبب أضراراً لا تعوض لبيئتنا وكوكبنا. والمجتمع الذي يعتمد على موارد طبيعية متناهية هو مجتمع غير قابل للاستمرار". وتعهدت الأحزاب حماية السواحل والبحر، وادارة الغابات بصداقة مع البيئة، وحماية المواقع الطبيعية والعمرانية والثقافية. ومن ضمن برامج عملها استصلاح المناطق الريفية وتنميتها والحفاظ على الزراعة والمراعي وادارة الغابات بطريقة صديقة للبيئة. منع الصيد المائي والبري بهدف التسلية شعار رفعه الحزب الديموقراطي المسيحي وحزب الخضر وحزب العمال في هولندا. وشدد حزب العمال البريطاني على حماية الحياة البرية والبحرية. ودعا حزب الشعب الاوروبي الى مزيد من حماية المياه. وفي حملة رالف نادر للرئاسة الاميركية دعوة الى مكافحة تدهور التربة وانجرافها. العدالة ونوعية الحياة ضمان العدل الاقتصادي والاجتماعي مبدأ انضوت تحت لوائه جماعات وأحزاب في بلدان كثيرة، اعتبرت أن هذا العدل يجب أن يتحقق بين الافراد وبين الشعوب، فلا يثري البعض على حساب الآخرين. وفي هذا الموضوع قال بيان لحزب الخضر البريطاني: "يجب تلبية الحاجات الانسانية الاساسية قبل غيرها، المأكل والمسكن والثياب والصحة والتربية، لجميع شعوب العالم ... يجب حماية مساواة كل الناس في الحقوق بصرف النظر عن وطنهم ولونهم وعرقهم وجنسهم وعمرهم وقدراتهم الجسدية أو العقلية. النشاط الاقتصادي والعمل يجب أن يكونا وافيين بحاجات الشخص ومكيّفين لتلبية حاجات شعوب العالم لا لرغبة عدد قليل من الناس". وجاء في بيان لتجمع أحزاب الخضر في اوروبا أنه "لا يمكن تحقيق الاستدامة ما دام الفقر قائماً أو ما دام الناس يعيشون في عدم أمان مادي. سنضمن حداً ادنى من الدخل لكل مواطن". وينادي التجمع بوجوب الغاء ديون البلدان الفقيرة، واحترام حقوق السكان الأصليين، وتعزيز دولة الانعاش التي تتولى ضمان أمور أساسية في حياة الناس، والمساواة بين الرجل والمرأة. ويشدد على إلزام المجالس والمؤسسات والحكومات بتقديم "تدقيق حساب بيئي" بصورة منتظمة. حمل الخضر السويسريون لواء سياسة صحية، بينما شدد الخضر الألمان وحزب العمال البريطاني على تحديث الدولة وإقامة ادارة تتميز بالشفافية والحد من البيروقراطية. ورأى حزب الاحرار البريطاني ان كل الاراضي هي للمجتمع لا للأفراد، بمعنى أنه لا يحق لأحد باسم الملكية الخاصة أن يسيء الى البيئة وسائر الناس. ودعا ائتلاف الخضر والحزب الديموقراطي الاجتماعي في ألمانيا الى اجراء تحديث بيئي لايجاد فرص عمل. وقد تبين أن المحافظة على البيئة تدعو الى قيام كثير من فرص العمل الجديدة، بعدما شاع خطأ أنها تحد من النمو الاقتصادي وتقلص مجالات العمل. وتنضوي أحزاب كثيرة تحت لواء مبدأ آخر، هو تحسين نوعية الحياة من خلال "تخضير" الاقتصاد واعتماد مؤشر جديد للنمو يحل مكان الناتج المحلي الاجمالي. ورأت أحزاب الخضر الاوروبية أن "الناتج القومي الاجمالي المعتمد حالياً هو مؤشر تنمية مضلل، وسنحل محله مؤشرات تقيس بصورة أكثر دقة التقدم نحو الاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية، بما في ذلك الاعتراف بقيمة الأعمال غير المدفوعة الاجر مثل العناية بالاطفال التي تسد حاجات مجتمعية أساسية. يجب تطوير مؤشرات وطنية خضراء ونشرها سنوياً. على الاسعار أن تروي الحقيقة البيئية، ويجب ادخال التكاليف الاجتماعية والبيئية في الاعتبار". وجاء في بيان سياسي لحزب الديموقراطيين الاحرار الهولندي: "على الدول الاوروبية اعتماد ناتج قومي اجمالي جديد يتضمن العوامل البيئية واستهلاك الطاقة ويؤخذ به جنباً الى جنب مع الناتج القومي الاجمالي التقليدي لقياس ثراء اوروبا". وفي رؤية اقتصادية سياسية جديدة، رأى تجمع الخضر في اوروبا أن "الغايات البيئية والاجتماعية لسياسة الخضر لا تنسجم مع الاقتصاد الذي توجهه الدولة ولا مع اقتصاد السوق الحرة، فالاثنان يقومان على النمو والتوسع غير المحدودين. يجب تطوير نماذج جديدة وتطبيقها، نماذج ترتكز على قيام اقتصاد سوق محكوم بيئياً واجتماعيا". ودعا الى تطبيق السياسة البيئية في جميع النواحي السياسية. ورأى حزب الخضر البريطاني أنه "ينبغي قياس التقدم بمقياس نوعية الحياة بالنسبة الى جميع شعوب العالم: الحرية الشخصية والانجاز الانساني وتحقيق الذات والنمو الروحي، عوضاً عن القوة المركزة والتماثل والثراء المادي". وطالبت الجبهة الوطنية الفرنسية وحزب الديموقراطيين الاحرار في هولندا وحزب العمال البريطاني بالحماية من الاخطار النووية والجرثومية والكيميائية والتلوث الصناعي والزراعي. وحث حزب الخضر الهولندي على ضرورة التخلص من المحطات النووية لتوليد الطاقة، بسرعة وان بشكل تدريجي. وطالب تجمع أحزاب الخضر في اوروبا بتقليص النمو السكاني، ورأى أن الطريقة الأكثر فعالية لخفض نسبة الولادات هي تحقيق حد أدنى من البحبوحة الاقتصادية وزيادة تحكم النساء بحياتهن وانجابهن. ورفع التجمع أيضاً شعار "لا للتنافس. نعم للتعاون". التلوث والتكنولوجيا في باب رئيسي آخر هو حماية المناخ، نجد دعوات الى معالجة ارتفاع حرارة جو الارض وخفض الانبعاثات الصناعية تصدر عن الديموقراطيين الاحرار الاوروبيين وائتلاف الخضر والديموقراطيين الاجتماعيين في ألمانيا وحزب العمال البريطاني وحزب الشعب الاوروبي وحملة رالف نادر للرئاسة الاميركية وغيرها. ودعا تجمع أحزاب الخضر في اوروبا الى فرض ضرائب بيئية، وتشجيع الانشطة الصديقة للبيئة، والحفاظ على الطاقة برفع كلفتها. واعتماد "أفضل الطرق التكنولوجية للتخلص من النفايات واعادة التدوير". أما الحزبان الهولنديان الخضر والديموقراطي المسيحي فقالا بجعل استعمال السيارات أكثر كلفة، وفرض رسوم على سالكي الطرق الشديدة الازدحام، وقيام نقل بيئي، وتعزيز النقل المائي والسكك الحديدية، وفرض ضريبة على وقود الطائرات للرحلات التي تقل عن 1000 كيلومتر. ورفع حزب الخضر الهولندي شعار"لا اوتوسترادات". وطالب تجمع احزاب الخضر في اوروبا بالتوقف تدريجياً عن استعمال الوقود الاحفوري ودعم الطاقة المتجددة. ودعا الحزب الديموقراطي المسيحي الهولندي الى تعزيز انتاج واستخدام سيارات تعمل بالكهرباء. ورأى حزب الاحرار البريطاني وجوب دمج أماكن الصناعة والتجارة والتسوق من أجل خفض التنقل. ونادى تجمع أحزاب الخضر في اوروبا بخفض الانفاق على التكنولوجيا الهجومية وتكنولوجيا الفضاء لصالح البيئة. وشددت حملة رالف نادر للرئاسة في الأميركية على وجوب مكافحة التكنولوجيا غير المنضبطة. ودعا الحزب الديموقراطي المسيحي في ألمانيا الى سياسة متقدمة لتطوير تكنولوجيا مقبولة بيئياً. وتدعو الأحزاب الخضراء الى تعزيز التنمية عالمياً، واعتماد سياسة خارجية تعاونية سلمية مع الجيران، والتضامن مع الجنوب أي مع البلدان النامية والفقيرة، وتقوية السلطة المحلية والاكتفاء الذاتي. وفي مجال الحمايات البيئية، شدد حزب المحافظين البريطاني على وجوب عدم ازاحة التلوث من مكان الى آخر. ونادى مواطنه حزب الاحرار باعادة تأهيل المباني القديمة لتستعمل للسكن والتجارة. وشدد تجمع أحزاب الخضر في اوروبا على ضرورة حماية الموارد البيئية والملكيات العالمية المشتركة، كالغلاف الجوي والمحيطات والغابات، والتعريف بالسلع وتصنيفها بالتعاون مع المنظمات البيئية كي يكون الناس على بينة من محتوياتها والأخطار الكامنة فيها. ودعا تحالف90 الى وضع دستور بيئي وفتح باب الوصول الى المعلومات للجميع واصدار تشريعات للوقاية من الضوضاء. وفي الاقتصاد العائلي والمجتمعات المحلية والشركات، رأى حزب الخضر في كاليفورنيا أن الاقتصاد يقوم على أساس الجماعة أو "المجتمع الصغير". ودعا رالف نادر في حملته الى احياء الزراعة العائلية المتجددة ومواجهة الفقر في الريف والتصدي للعقلية التجارية المستهترة بيئياً ومكافحة جرائم الشركات. ونادى حزب الخضر وحزب العمال الهولنديان وغيرهما بتشجيع الزراعة العضوية. وشدد حزب الخضر البريطاني على تأمين الملكية لأكبر عدد من السكان، وشاركه في ذلك حزب الخضر في كاليفورنيا الذي قال ان الهدف من ذلك هو تعزيز الاقتصاد المحلي والحد من تسلط الشركات العالمية. ورفع حزب الخضر الهولندي شعار"لا للصناعة البيولوجية". ودعا تجمع أحزاب الخضر الاوروبية الى منع انتاج وتسويق الاعضاء المعدلة وراثياً. وطالب حزب المحافظين البريطاني باتخاذ تدابير احترازية تستبق وقوع الانتهاكات، ودعا مع حزب العمال الى أن يدفع من يتسبب بالتلوث ثمن ذلك. أما حزب الشعب في البرلمان الاوروبي فطالب بتحميل المنتج والبائع معظم مسؤولية النفايات "من المهد الى اللحد". ودعا الخضر والديموقراطيون الاجتماعيون الألمان الى تشجيع التنافس والابتكار العلمي لخدمة البيئة. * ينشر التحقيق في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية"، العدد 27، حزيران يونيو 2000