إذا كان عالم الفنادق ذات الخمس نجوم يتميز بالاثارة نظراً للاحداث التي يشهدها، أو طبيعة الاشخاص البارزين الذين يختارون الاقامة فيه، فإن عالم الفنادق التي لا تحمل أي نجوم او تلك التي يطلق عليها "اللوكاندات الشعبية"، يعد أكثر إثارة، ويعج بالقصص الغريبة والحكايات المثيرة.! فعلى رغم ان معظم زبائن هذه الفنادق من ذوي المستويات البسيطة الا ان كل واحد منهم وراءه قصة او حكاية تستحق ان تروى بدءاً من الشاب الهارب من الصعيد إثر قضية ثأر، او ذلك الشخص الذي باع كل ما يمتلكه في قريته وجاء إلى القاهرة ليجرب حظه في التجارة، فضاعت "تحويشة" العمر في عملية نصب، فلم يجرؤ على العودة إلى أهله مرة اخرى، أو ذلك الاب المسكين الذي جاء يبحث بين 16 مليون نسمة عن ابنته التي هربت بحثاً عن اضواء العاصمة. انه عالم شديد الإثارة، بدءاً من تاريخ هذه الفنادق الذي يعود بعضه الى القرن الماضي، وتحديداً في عهد الخديوي اسماعيل، ومروراً بمسحة الجمال التي مازالت تميز عمارة عدد منها، وذلك على رغم القدم والاهمال، وانتهاءً بنوعية زبائنها، ما بين زبون عابر بقيم ليلة او ليلتين وزبون دائم يعتبرها مأوى رخيصاً، او منفى اختيارياً. ويتركز معظم هذه الفنادق في ميدان رمسيس على مقربة من شبكة قطارات المحافظات وشارع كلوت بك المتفرع من الميدان. كذلك في المناطق الشعبية مثل الحسين والسيدة زينب. يقول صاحب لوكاندة الحرم الحسيني، احمد فرغلي ان معظم الزبائن يأتون لحضور الموالد والتقرب إلى اولياء الله الصالحين، كما يأتون في مواسم بيع القطن لشراء مستلزماتهم وايضا لشراء شبكة العروس. ويقول فرغلإن معظم زبائنه من الفلاحين البسطاء الذين يأتون الى القاهرة إما لمصالح محددة، مثل العلاج في المستشفيات او لإنجاز مصلحة معينة في دواوين الحكومة. كما يأتي صغار التجار من الكفور والنجوح لشراء بضائعهم من الاسواق المتنوعة التي تجاور منطقة الحسين، مثل سوق الصاغة لبيع المشغولات الذهبية، اوسوق الاقمشة في الحمزاوي، او سوق السجاد او العطور او الاحذية الشعبية، بالاضافة طبعاً الى الزبائن الموسميين في الموالد والمناسبات الدينية. ويضيف فرغلي أن اسعار الفندق رخيصة للغاية كما هو الحال في كل الفنادق الشعبية وزبائنها من البسطاء والفقراء. فالسرير في الغرفة المزدوجة بخمسة جنيهات، وفي الغرفة الثلاثية بأربعة جنيهات، وبثلاثة جنيها فقط في الغرفة التي تتسع اربعة أسرة. ويقول صاحب ومدير "لوكاندة باب الفتوح" في الحسين علي السكري إن معظم نزلاء فندقه من السياح الاجانب، وان كانوا سياحاً من الدرجة الثالثة. ومعظمهم ينتمي إلى بلدان فقيرة في افريقيا وآسيا واوروبا الشرقية مثل بولندا وهنغاريا ورومانيا، والذين يفضلون النزول في هذه اللوكاندات من أجل أن يكونوا قريبين من الاماكن الاثرية في القاهرة الفاطمية، ومنطقة خان الخليلي. وهم يفضلون الاقامة في هذه الفنادق بدلاً من النوم في الشوارع!. ويقول هناك نوع آخر من الاجانب يفضلون فندقه وهم الطلاب الآسيويون والافارقة الذين يدرسون اللغة العربية والشريعة الاسلامية في جامعة الازهر الشريف، ولم يجدوا فرصة للالتحاق بالمدن الجامعية الخاصة بكلياتهم. ويضيف السكري ان الفنادق الشعبية لا تقدم أية وجبات لنزلائها الذين يعتمدون على انفسهم في هذا الامر. وذلك يرجع إلى طبيعة اولئك النزلاء الذين يبحثون عن مكان يبيتون فيه ليلتهم، ويدفعون في مقابل ذلك مبلغاً زهيداً لا يتعدى الخمسة جنيهات. يصف صاحب ومدير لوكاندة "الكلوب العصري" فيصل الحلبي فندقه بأنه يتمتع بموقع متميز الى جوار المشهد الحسيني وإن كان من النوع الشعبي الذي يتميز برخص الاسعار، إلا أنه يختار زبائنه من بين كبار التجار والموظفين المحترمين، ولا يسمح بسكنى الاجانب ولا سيما ان الاجانب الذين يسكنون هذه الفنادق هم من نوعية رديئة للغاية لا ترحب بهم الفنادق النظيفة والمحترمة!. حلبي بدا سعيداً بتاريخ فندقه الذي ينتمي الى بداية القرن العشرين، حين وفد اجداده من مدينة حلب السورية لتؤسس هذا الفندق، وألحق بها قاعة سينما ومسرح مازالت بقاياها موجودة في مكانها. ويقول أنه على خشبة هذا المسرح وقف كبار مطربي الثلاثينات والاربعينات مثل فتحية احمد، ومنيرة المهدية، ومحمد عبد المطلب يقدمون وصلاتهم الغنائية ويحييون ليالي بهيجة من الطرب الاصيل لكبار الاعيان، وتجار القطن وأثرياء الحرب من المصريين الذين كانوا يعملون مع الجيش البريطاني. ويضيف الحلبي أن الفندق بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية - لم - يحتفظ بمستواه فتحول الى فندق شعبي، بعد ما كان نزلاؤه من كبار الاعيان والتجار، وتحول المسرح والسينما الى اطلال وذكريات ولم تتبق إلا مكتبة يديرها بنفسه. القصص التي يرويها زبائن هذه الفنادق غريبة ومثيرة، وبعضها يميل الى المبالغة، مثل هذا النزيل الذي يتصنع لهجة بدوية، ويقول ان رأسه مطلوب من إحدى الدول العربية لأنه يعارض سياساتها. وهذا شاب يؤكد أنه هارب من قضية ثأر، فعائلته في صعيد مصر متهمة بقتل شاب من عائلة اخرى بينهما نزاع على أرض وهذه العائلة الاخيرة تتربص له للأخذ بالثأر. شاب ثالث اقنعه صديقه ببيع نصيبه من إرث عائلته ونزح من قريته الى القاهرة ليجرب حظه في التجارة، وعرّفه صديقه على عدد من الافراد ليساعدوه في مشروعه لكنهم نصبوا عليه، وسرقوا أمواله، واختفوا، فلم يجرؤ على العودة إلى أهله. وهذا أب مسكين ترك عمله وجاء الى القاهرة يبحث عن ابنته التي هربت من عائلتها بعد ما بهرتها اضواء القاهرة، قبل ثلاث سنوات، ومن يومها وهو يقيم في الفندق فخرج في الصباح يبحث عنها، عله يجدها، لكنه يعود الى غرفته الرثة وحده.