الوطن: ألو.. الشاعر عبدالرحمن الأبنودي؟. الأبنودي: نعم. أول قصيدة شعر في حياتك؟ أول قصيدة قلتها هي عن مقاومة قريتي ضد حملة ديفي الفرنسية. في أي عام؟ في عام 1954. وماذا قلت في تلك القصيدة؟ قلت: عارفين بلدي أبنود دية مره مات فيها فرنسيين أجدادي هناك دفنوهم تحت الطين كانوا جايين غازيين زرعوا فسكتهم ياما عيون زرقا وشعور ناعمين جميل. هذه أول أبيات خرجت مني للدنيا. بعد كل هذه السنين كيف تنظر خلفك؟ هذا سؤال محير لكنني لا أنظر خلفي كثيراً لأنني كل يوم أولد من جديد. أنت الآن أين؟ تقصد مكان إقامتي؟ نعم.. من أين تكلمني الآن؟ أنا أكلمك الآن من قرية اسمها الضبعية. هذه القرية التي نشأت بها؟ قريتي التي نشأت بها في أعماق الجنوب في صعيد مصر. هل تشعر بغربة؟ أشعر بغربة كيف؟ باعتبار أن أغلب رفاقك وأصدقائك قد رحلوا عن الدنيا؟. مازالت روحهم معي لأنني حملتهم على كتفي حتى النهاية وعلى رأسهم صديقي الشاعر الكبير أمل دنقل. أين دفن أمل دنقل؟ في قريته القلعة وهي بجوار قريتي أبنود. هل تحس بخيبة أمل؟ كمواطن عربي يغمرني الألم مثلي مثل الآخرين أمام أحوال الأمة وتحللها. لماذا برأيك؟ رأيي في إيه؟ في تحلل وتراجع الأمة؟. دوام الحال من المحال لكن الشعر والفن الصادق يعطي قوة غير محدودة. في الخمسينات سافرت من قريتك إلى القاهرة؟ نعم سافرت أنا والراحل أمل دنقل. كيف سافرتم؟ بعد أن أنهينا أنا وأمل دنقل الثانوية العامة سافرنا للقاهرة. بماذا سافرتم ؟بالسيارة مثلا؟ سافرنا بالقطار إلى القاهرة. كم كان سعر التذكرة؟ لم ندفع ثمن التذاكر؟ لماذا؟ لأننا من الجنوب.. أي أننا من المناطق النائية.. لأن الجنوب كان يبعد حوالي 750 كلم عن القاهرة. كم كنت تحمل من النقود وأنت ذاهب للقاهرة؟ ثلاثة جنيهات فقط. وأمل دنقل؟ مماثل للمبلغ الذي معي. أين نزلتم في القاهرة؟ أمل دنقل نزل في لوكاندة اسمها ريش في حي العتبة. وأنت؟ أنا سكنت في شارع الجمهورية في لوكانده اسمها نيويورك. كم دفعت للوكاندة؟ لا أذكر لكن عندما شحت النقود عندي قررت أن أترك لهم حقيبتي. تتركها لمن؟ لأصحاب اللوكانده لأن النقود كما قلت شحت. يعني فلست بالمعنى البلدي؟ بالضبط، وهكذا قررت أن أترك لهم حقيبتي. ماذا كان بداخل حقيبتك؟ بنطلون وقميص وأسمال بالية. وقبلت اللوكاندة بهذه المقايضة؟ نعم قبلت وطلعت من اللوكاندة. أين توجهت؟ توجهت لصديق وأقمت عنده. من هذا الصديق؟ سيد خميس. من سيد خميس؟ صديق وهو ناقد أدبي وتاجر طماطم وخضار. بمن التقيت بالقاهرة في تلك المرحلة؟ قابلت جمال الغيطاني وصلاح عيسى وسيد حجاب ومحيي اللباد وعز الدين نجيب وخيري شلبي وآخرين. ومكثت طويلا في القاهرة؟ لا.. عدت أنا وأمل دنقل واشتغلنا في محكمة واحدة. ما طبيعة العمل؟ كنت أجلس إلى جوار القاضي. كاتب ضبط؟ نعم.. كنت أدون الأحكام والقرارات. وأمل دنقل.. ما هي وظيفته بالمحكمة؟ أمل دنقل كان المُحضَر الذي يحجز على بيوت الفلاحين. ماذا يحجز؟ يحجز على أملاك الفلاحين مقابل أملاك الدولة. ما هي أملاك الفلاحين؟ سرير قديم أو دجاجات أو بهيمة. كم استغرق عملك أنت وأمل دنقل؟ حوالي خمس سنوات. ما الذي تذكره عن أمل دنقل في تلك المرحلة؟ عملنا أمسية شعرية كل خميس نجمع فيها الشعراء، وسميناها الثقافة الشعبية. كان لها حضور؟ طبعاً.. كانت الكراسي تضيق بالحضور من الجماهير. كان والدك شاعرا؟ والدي شاعر وأستاذ للغة العربية، له ديوانان وجدتي (ست أبوها) وهو اسمها، كانت تحفظ مخزون هائل من الحكايات والأرقيات الشعبية والأدعية والأغنيات. تأثرت بوالدك وجدتك ست أبوها؟ نعم بالإضافة إلى أنني عملت بالحقول ورعيت الغنم وأنا صغير.. كل هذه الأشياء فجرت داخلي الشعر. من قابلت من الشعراء؟ قابلت البياتي وصلاح عبدالصبور ونزار قباني. أين قابلت نزار قباني؟ في القاهرة وأقمنا أمسية مشتركة في السودان. أنت ونزار قباني؟ نعم.. حتى أن السودانيين قالوا عني إني شاعر سوداني ضل طريقه إلى القاهرة. أكبر الشخصيات التي حضرت أمسياتك؟ أذكر أمير قطر حضر هو وزوجته الكريمة. أين حضروا؟ كنت أقيم أمسية هلالية في حي الحسين وحضر أمير قطر وزوجته وكنت سعيداً بحضورهما. وكتبت أشعاراً لبعض المطربين الكبار في تلك المرحلة؟ كتبت "الهوى هوايا". لمن كتبت؟ كتبت لعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية. كيف كنت تقدم الكلمات لنجاة الصغيرة؟ مش فاهم. أين كنت تلتقي بها؟ كنت أسكن بجوارها. لماذا برأيك ابتعدت نجاة الصغيرة عن الغناء؟ يمكن حست أن زمن غنائها في أفول.. في غروب. هل تعرضت للسجن؟ نعم.. سجنت لمدة ستة أشهر. ما سبب سجنك؟ كنت صوتا للفقراء والمعدمين والمسحوقين. وسجنت؟ نعم.. وأعتبر السجن من أهم المحطات المشرقة بحياتي. هل تعتقد أن أدب السجون في العالم العربي فقط؟ لا.. فناظم حكمت الشاعر التركي مكث في السجن ستة عشر عاماً. من هم أصدقاؤك؟ أصدقائي كثيرون لكنني أذكر منهم الأمير طلال بن عبدالعزيز والأمير مساعد بن عبدالرحمن وهما أصحاب فضل بعلاجي لأنني أعاني من مرض في الرئة. هل كرمت؟ نعم كرمت من قبل مصر وبعض البلاد العربية. شكرا لك. عفوا.