على رغم الانبهار والسحر اللذين تمتاز بهما الفنادق ذات الخمس نجوم تبعاً للاشخاص الذين يرتادونها والاحداث المثيرة التي تحتضنها، فان الفنادق التي تحمل نجوماً اقل او التي فقدت كل نجومها وتحولت الى "اوتيلات" شعبية لا تقل اثارة وطرافة. لذلك نجد ان مركز مدينة دمشق المعروف بالمرجة وسط العاصمة على مقربة من قلعة دمشق وسوقها الشهير "الحميدية" وجامعها المعروف "الاموي" من اكثر المناطق شهرة نظراً لاحتضانه عددا كبيراً من الفنادق الشعبية التي اختارت قديماً التمركز في اماكن الكثافة التجارية والحرفية قرب اشهر المواقع الاثرية في دمشق القديمة. وتفتقر سورية عملياً الى الفنادق ذات النجوم الاقل من خمس وتغض الطرف عن مطالبة الكثير من المكاتب السياحية باقامة مثل هذه الفنادق، الا انها في المقابل تحفل بعدد لا يستهان به من الاماكن التي تسمي نفسها "فندقاً" على رغم عدم التزامها المعايير الفندقية المتعارف عليها عالمياً والتي يعود تاريخها الى بدايات القرن الماضي. وعادة يكون نزلاء هذه الفنادق من سكان المدن والمحافظات البعيدة والفقيرة حيث لكل واحد منهم قصة مع الحياة تعد اكثر اثارة من كل عوالم الكبار بدءاً من الفلاح الذي خسر محصوله نتيجة احد العوامل المناخية، ففر هارباً الى المدينة باحثاً عن عمل يسد رمق اطفاله او ذاك الذي باع كل ثروته البسيطة في الضيعة كي يأتي الى العاصمة ليجرب حظه، لكنه يجد نفسه في النهاية مرمياً في غرفة مع اربعة او خمسة اشخاص وليس لديه الا قوت يومه، وتلك الهاربة من زوج كبير في السن او قاسٍ وتأتي فتنجرف في حياة المدينة وقسوتها. وما بين زبون عابر يقيم ليلة او ليلتين ليقضي حاجة له في احدى دوائر العاصمة، تشكل هذه الفنادق "مأوى رخيصاً" او "منفى اختيارياً" لعدد كبير من العمالة المياومة "خصوصاً اذا ما قورنت بالرصيف البديل الوحيد المتاح في ظل غلاء المعيشة والعقارات" كما يقول العامل محمد الخلف 37 سنة وهو من احدى قرى الحسكة شمال البلاد. ويشير صاحب احد الفنادق السيد عادل الجمل الى ان "معظم زبائنه من الفلاحين الذين هجروا ارضهم نتيجة تراجع المحاصيل ومواسم الجفاف المتكررة التي ضربتها مما ادى الى نزوحهم الى المدينة بحثاً عن مصدر رزق ومعظمهم يعملون في العتالة والبناء وعلى باب الله". وتسعيرة هذه الفنادق كما حددتها وزارة السياحة هي 165 ليرة. ولكن انطلاقا من مقولة "العرض والطلب" خفضت تسعيرتها بما يناسب مواسمها لتتفاوت بين 30 ليرة في اليوم و150 ليرة. وتستوعب الغرف بين اربعة وثمانية اشخاص ومعظمهم من العمال "المعترين". يقول صالح ابو حلى 23 سنة متزوج وله ولد واحد: "انام في الغرفة مع سبعة من رفاقي في العمل ومعظمهم من مدينتي نفسها. اننا نعمل بالبناء. وأتيت للعمل في العاصمة من اجل لقمة العيش وكنت اتصور اني سأوفر ثروة ارجع بها الى قريتي، لكن ما حصل اني اعمل يوماً وانتظر عشرة بلا عمل والحياة كلها كفاح". ولا تقدم هذه الفنادق وجبات غذائية لنزلائها الذين يعتمدون على هذا الامر بانفسهم، ويعود ذلك، كما يقول خليف "الى فقر حال هؤلاء النزلاء الذين يتخذون الفندق مكاناً للنوم فقط". ويكتفي معظم هذه الفنادق بموقد صغير يستعمله النزلاء اما ل"غلي الشاي" او ل"تسخين طبخة". بعض هذه الفنادق مثل "عمر الخيام" و"أهلاً وسهلاً" و"السمير" استفاد في السنوات الاخيرة من قدوم زبائن بكثرة من الايرانيين والعراقيين الذين يزورون البلاد في المناسبات الدينية او لزيارات موسمية للاماكن الدينية مثل "الست زينب" و"ضريح الحسين" في الجامع الاموي. ويأتي بعض التجار لشراء بعض العطور والكفور والبهارات والبذورات. اما السياح الاجانب الذين يلجأون الى هذه الفنادق فيكون معظمهم كما يقول حسن درويش صاحب احد الفنادق "من الدرجة العاشرة من السياح ومعظمهم ينتمي الى بلدان فقيرة وهم يفضلون عادة النزول في هذه الفنادق ليكونوا على مقربة من الاماكن الاثرية في دمشق القديمة. اضافة الى بعض الطلبة من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً الذين يتعلمون فقه الدين الاسلامي او اللغة العربية في الجامعات السورية وهم في معظمهم من الفقراء". يقول مدحت سليم من مصر الذي اختار النزول في فندق "الامين" وسط المرجة: "اخترت هذا المكان الذي انزل فيه من ثلاث سنوات باعتباره من الاماكن الشعبية ولقربه من الاسواق التي تهتم بالسياحة فيها".