"ذاهبون الى واشنطن بروح ايجابية جداً تعكس وضع الشعب الاسرائيلي". العبارة لوزير الخارجية شلومو بن عامي الذي لا يشارك في لقاءات العاصمة الأميركية إلا لهدف واحد: وقف الانتفاضة الفلسطينية أو قتلها ب"صفقة" أو اتفاق - اطار. ورغم تجاوب رئيس الوزراء المستقيل ايهود باراك مع أمنية الرئيس بيل كلينتون رعاية اتفاق في اللحظة الأخيرة، فيما الأخير يحزم حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، واضح ان الأول فاته الوقت ليبيع الاسرائيليين والفلسطينيين وعوداً معسولة... فلا لجم الانتفاضة احتمال سهل، بقرار من باراك أو حتى القيادة الفلسطينية ذاتها، ولا صفقة ما سمي "وثيقة كلينتون" احتمال أسهل، اذا لم يستثن استبعاد جنوح الرئيس ياسر عرفات الى قبول ما رفضه في قمة "كامب ديفيد 2"، لا لشيء سوى لانقاذ حظوظ باراك النادرة في العودة الى رئاسة الوزراء، بعد انتخابات شباط فبراير 2001. ولا يداني فشل الجنرال المستقيل في اقناع شعبه بأنه "صقر" حرب مثل نتانياهو، أو "حمامة سلام"، بعد كل الشعارات والبرامج التي أطلقها، سوى فشل بن عامي في التعبير عن تلك "الروح الايجابية". انها "تعكس وضع الاسرائيليين" في ذروة انقسامهم وغلبة تطرفهم على روح عملية السلام الأميركية. هؤلاء لا يزعجهم سقوط مزيد من الشهداء في الضفة الغربية وقطاع غزة، واستمرار مواكب الجنازات. والأكيد ان ترك زعامة ليكود لارييل شارون من دون منازع، بعد الضربة التي وجهتها الكنيست لنتانياهو فأخرجته من السباق على سحق الانتفاضة، اقتراع لخيار الحرب المفتوحة على الفلسطينيين. وبافتراض تحققت "معجزة" لقاءات واشنطن بصفقة اللحظة الأخيرة، التي تبدو حظوظها أقرب الى فرص حزب العمل في العودة الى الحكم، فحاخامات ليكود قادرون على تبديدها، من خلال ابتزاز الأحزاب الصغيرة في الكنيست... فترحل "الصفقة" مع الجنرال البائس الذي فشل على طاولة المفاوضات ودمر عملية السلام باتقان، لكنه لم ينجح أيضاً في قمع الفلسطينيين، رغم تقتيل المدنيين وتصفية قياديين للانتفاضة. والسؤال - العقدة الذي يتجدد مع استئناف الاتصالات في واشنطن، هل يمكن عرفات في ظل ملحمة الغضب المستمرة منذ شهرين ونصف شهر، القبول بتلك الصفقة التي ساهم الاعلام الاسرائيلي في ترويجها، وبعضها على لسان مستشارين للرئيس الفلسطيني؟ وبافتراض "هضم" مطلب باراك مرحلياً تأجيل قضية اللاجئين لتبديدها، هل يقوى عرفات على الرضوخ للضغوط الأميركية والرغبات الاسرائيلية في تجزئة قضية القدس، أو بالأحرى تحجيمها لحصرها في مسألة السيادة على الحرم القدسي، والتنازل عن الجزء الشرقي من المدينة في مقابل عشرة في المئة من الضفة الغربية؟ ما وصف بتحديد الرئيس حسني مبارك "خطوطاً حمراً" للسلطة الفلسطينية، "منتزعاً" منها حق "التفريط أو التنازل" عن الأماكن المقدسة، يقوي المفاوض الفلسطيني في واشنطن، ولكن، مرة أخرى، ماذا عن القدسالشرقية، ومن دونها لن تكتمل سيادة للدولة الفلسطينية؟... وماذا عن قضية اللاجئين وهي ليست شأناً يعني هذا المفاوض وحده، فيما يدرك رغبة اسرائيل في تجيير المشكلة الى دول الشتات العربية، أو في أحسن الأحوال تهجيرهم مجدداً الى دول شتات غربية. ان أخطر التسريبات الاسرائيلية ما نسب الى مستشار لعرفات عن مفاعيل الانتفاضة وانعكاساتها: "عندما اندلع العنف من العرب في اسرائيل انهارت قضية حق العودة، ولم تعد هناك امكانية لقبول عودة اللاجئين" في الدولة العبرية. ... مجرد تسريبات؟