البرامج المنوعة العربية التي تستقطب جمهور المشاهدين قليلة، الى درجة تعترف بها الفضائيات العربية ببساطة وتحاول تداركها يوماً بعد يوم. واللبنانيون، سواء في الفضائيات الخاصة التي تبث الآن، أو في القنوات الرسمية قبل البث الفضائي: القناتان 5 و11 والقناة 7، تميزوا في تقديم البرامج المنوعة وبرزت امكاناتهم على هذا الصعيد. وقدموا الى ذاكرة المشاهد أسماء مهمة. ويبدو الحديث اليوم عن هذا التميز مهماً، ولكن في اطاره الموضوعي ضمن القاعدة الذهب للنقد التي تقوم على احترام رأي المشاهد ورأي الناقد حتى لو تناقضا. محطة LBC تفرض نفسها نموذجاً أول ينبغي التعاطي معه بالكتابة، على رغم ان هناك محطات أخرى منافسة. فهي رشيقة الأداء صاخبة الصورة، تعمل على اجتذاب المشاهد في مختلف البلدان العربية. ومن برامجها المنوعة الترفيهية... "يا ليل يا عين" الذي على رغم سحره وجاذبيته، يستدعي وقفة جادة في هذا السياق. فالبرنامج موجود ليخطف أبصار المشاهدين من اللحظة الأولى، لأنه يعتمد الإثارة وسرعة الحركة والغنى الواضح في لفة الصورة ومادتها البصرية. ويتم ذلك من خلال آليات مكلفة بينها: عمود فقري للبرنامج يقوم على التنافس المرح بين فريقين من الاناث والذكور وسط جمهور يتحيز بحرارة للفريق الذي يتقدم للحصول على جائزة قيمتها خمسة ملايين ليرة "كاش" كما يقولون في البرنامج! وجود فنان نجم يرفع من سوية البرنامج أو يرفع البرنامج من سويته، ونذكر منهم: مصطفى قمر ولطيفة وملحم بركات ومليحة التونسية، اضافة الى وجود نجوم بين المتسابقين من ملكات الجمال أو المذيعين المعروفين أو حتى نجوم LBC نفسها. كلفة انتاج عالية في أدوات البرنامج. وجود راقصات وفرقة موسيقية متميزة. حضور عالي المستوى للمذيعين اللذين يقدمان البرنامج ومشاركتهما الجمهور في فرحه ورقصه وتفكيره وحتى مزاحه. حركة كاميرا ومونتاج توازي كل هذه المعطيات، رسمها المخرج طوني قهوجي في عناية للوصول الى درجة فنية شبه كاملة. الرعاية الاعلانية التي تواكب فقرات البرنامج. بمعنى آخر: اقامة مرتكزات فنية وبصرية وسرعة ايقاع تخدم الفكرة الأساسية للبرنامج. هل هذه هي أدوات البرنامج الترفيهي؟ والى أي حد يمكن اعتماد هذا النوع من البرامج نموذجاً لبرنامج ترفيهي في الفضائيات العربية؟ هذان السؤالان هما في صلب الأسئلة التي تطرح للبحث عن نموذج للبرنامج الترفيهي العربي. للوهلة الأولى يكتشف القارئ ان هذه الأدوات هي فعلاً أدوات البرنامج الترفيهي، لكن التأني والتدقيق في الاجابة يجعلنا نكتشف انها أدوات جذب وتشويق واثارة أكثر منها أدوات برنامج ترفيهي، ولتدقيق العبارة فإنها أدوات يمكن من خلالها انجاح برنامج ترفيهي عربي! وتنشأ هنا مباشرة قضية "الهدف" من البرنامج. والخلاف التاريخي على مسألة "المتعة والفائدة" ومسألة "مسؤولية الرسالة الثقافية وحتى الإعلانية". وفي هذه الحال نقع مباشرة في ظلم طاقم عمل هذا البرنامج وندفعه الى دوامة هو في غنى عنها. ما الذي نريده من هذا القول؟ البرنامج الترفيهي الذي ينحصر هدفه بالتسلية فقط ينقص من قيمته الإعلامية المفترض أن تحمل رسالة ما. وبرنامج "يا ليل يا عين" يتناهى في أدائه الى المستوى الذي نفتقد فيه مثل هذه الرسالة. انه برنامج تسلية ناجح يمكنه ان يستكمل نموذجيته باضافات ثقافية أو فنية تضيف الى المشاهد في وقته الضائع تراكماً ما. ثم لماذا لا نبحث دوماً عن نقطة ضعف المشاهد العربي المتعلقة بالإثارة البصرية؟! أليست هذه العملية محاولة ابتزاز كررها كثيرون بدءاً من الأفلام السينمائية التجارية وصولاً الى الفضائيات الرديئة السمعة؟ قال بعض المشاهدين الذين تتبعوا حلقات قليلة من البرنامج انه برنامج دمج بين معطيات الشاشة الصغيرة وبعض ملامح الكباريه!! وقد يكون هناك مبالغة واتهام. لكن عوامل الاثارة غير المدروسة هي التي أعطت هذا الانطباع. المدرسة الاعلامية لمحطة LBC يمكنها تجاوز هذه النقطة لأن الخبرة المتوافرة لديها تجعلها قادرة على ايجاد البدائل في سهولة، والإثارة في هذه الحال يمكن أن تتحول جاذبية هادئة تضاف الى آليات الترفيه الأخرى فتعطي برنامجاً يحقق النموذجية التي نتحدث عنها! وإذا كان هذا البرنامج حقق نسبة مشاهدة عالية، فإن وضع هذه البدائل التي نتحدث عنها تجعله على مستوى تتطلبه ضرورات التطوير في الفضائيات العربية، وقد تمت الاشارة الى محاولات جادة من الجميع للبحث عنها. وبرنامج "يا ليل يا عين" في آلياته الفنية تجاوز الأزمة المفترضة في الشاشة العربية والمتعلقة بالبرامج المنوعة. لكنه ترك الباب مفتوحاً للهواء البارد شتاء، ومنه يمكن أن يصيح البعض: لقد هرب الدفء من الغرفة! وفي هذه الحال هل من الضروري أن نغلق الباب؟؟ المنطق يقول نعم.