لا تزال الفضائيات العربية تحترز من قضية أساسية في أشكال البث التلفزيوني ومضامينه، هي قضية الاعتبارات التربوية التي تنظم عمل البرامج الترفيهية الموجهة الى الجمهور الأوسع في الوطن العربي، والتي دفعت احدى الفضائيات الى اطلاق عبارة: "تلفزيون العائلة العربية" على شارة محطتها، والمقصود هنا: قناة البحرين الفضائية. وهذه الاحتياطات التي تعمل بها معظم الفضائيات، تعبر في واقع الأمر عن تعامل واقعي وجدّي مع البيئة الأخلاقية العربية، في ظروف تشكلها ووفقاً لمعطياتها العامة. ولكن هذا لا يعني أن بعض الفضائيات تعاملت في شكل مختلف مع هذه الظروف وهذه المعطيات، فأسست لأساليب جديدة في الخطاب الترفيهي، قوامها: - الابهار البصري الذي يعتمد سرعة في تقطيع الكاميرات والتنقل بين الجمهور والفنان والمذيع بإيقاعات تواكب أحياناً اللحن المرافق الذي تصدح به أغنية أو فرقة ضمن البرنامج الترفيهي نفسه. - حشد فني يقوم أساساً على استضافة نجوم الغناء والطرب والتمثيل وفتح حوارات جريئة معهم عن حياتهم الفنية والشخصية وكثيراً ما يولِّد هذا الحشد نوعاً من التميز للبرنامج الذي يدفع المشاهد الى تقصي الأوقات التي يعرض فيها. - مؤثرات فنية تدخل ضمن آليات الإبهار البصري وتخرج أحياناً عن طورها، كما نلاحظ في الرقص المجنون الذي يرافق الأغنيات وهو يتألف من نوعين: رقص محترف ورقص انفعالي من الجمهور. - بذخ في تكاليف الانتاج من دون حساب للريعية الانتاجية، وهي هنا ضرورية في العمل الفني الذي يحاول الدفاع عن وجوده من خلال ارتفاع نسبة الطلب عليه في سوق الانتاج البرنامجي. - عرض في الأوقات المناسبة للمشاهد العربي أي: مساء وخلال يومي الخميس والجمعة، وهما اليومان المناسبان اللذان يتمكن المشاهد العربي من التفرغ لمتابعة مادة ترفيهية طويلة نسبياً خلالهما. هذه الآليات التي تعتمدها الأساليب الجديدة في البرامج الترفيهية هي في الواقع من المرتكزات المهمة في عملية الايصال. ولكن لماذا نتعامل معها هنا كأنها مبتكرة وتخص نمطاً محدداً من الاتجاهات الفنية؟؟ الجواب هنا مرهون بالمكان الذي أخذت تظهر فيه، بمعنى آخر تبدو الابهار والجذب والوقت المناسب والمؤثرات الفنية والبذخ أساليب لمدرسة أخذت تفرض نفسها في الانتاج البرنامجي الترفيهي العربي. ومن الضروري هنا تسجيل نقطتين ايجابيتين لمصلحة هذه البرامج: الأولى، هي التمكن من تحقيق نسبة عالية من التواصل مع المشاهد، واختطاف اذا صحت العبارة هواة النوع وغير الهواة الى متابعة دؤوبة لوقائع البرنامج الترفيهي موضوع البحث... وتفاصيله. والثانية، الاستجابة الفعلية لضرورات التنافس الفضائي بين الفضائيات التي تتكاثر يوماً بعد يوم. واذا سجلنا موضوعياً هاتين النقطتين الايجابيتين، فهل نحجب مثل هذه الايجابيات عن البرامج الترفيهية التي تبدو أكثر رزانة وتوافقاً مع البيئة العربية؟! لكل عمل فني ظروفه، وبمجرد استمرار التعاطي في هذين النمطين من الأساليب يعني ان ثمة شيئاً جديداً يولد من التنافس الابداعي على مشاهد يعرف صراحة كيف ينتقي مادته البصرية في عصر الخيارات. ويبدو هذا الكلام مهماً وخطيراً للوهلة الأولى، لكنه على رغم أهميته هو نتيجة للتطور الاعلامي العربي الذي يتعاطى مع العصر. وهنا تبرز الدعوة الى مزيد من الابتكار، الى مزيد من التنافس، ولكن أيضاً الى مزيد من تفهم الخصوصية العربية. الدعوة التي تفهم الخصوصية العربية تعني ضمناً الانحياز الى فكرة تلفزيون العائلة العربية، وهذا الانحياز الفني ليس تعصباً، وإنما هو اقتناع مفاده أن من الضروري أن يكون الفن ابناً لبيئته، حتى لو جُذب عدد كبير الى شيء ما من غير هذه البيئة، فهذا يعني انه انحياز الى حال جمالية لا تلغي الحال الخاصة!