تبدو المحددات الحقيقية لوجهة نظر المشاهد العربي، في ما يعرض عليه في الفضائيات العربية، غائبة وضبابية في ظل غياب هيئات بحث واستطلاع رأي متخصصة ترصد تطلعاته وتقييمه لما يعرض عليه، علماً ان الفضائيات تدفع مئات الملايين من الدولارات من اجل ايصال رسالتها الاعلامية اليه. ومن خلال استطلاع لآراء اكثر من مئة مشاهد سوري، هم مجموع العينة العشوائية موضوع الدراسة التالية، نكتشف عدداً من النتائج تبدو غريبة بعض الشيء عن توجهات الفضائيات العربية وسياساتها. والمعطيات الأساسية لهذه العينة هي انها من دمشق، ومنتقاة بعشوائية بحيث نلاحظ فيها نماذج مختلفة من الناس: عامل - صحافي - تاجر - طالب - لحام - بائع - موظف - مذيع - اعمال حرة… وغير ذلك. وقد بلغ مجموع الاستمارات الموزّعة مئة وعشرين استمارة شملت اكثر من عشرين سؤالاً حول الفضائيات العربية انتقينا منها الموضوع المتعلق بالبرامج الثقافية والمنوعة. ولا بد من الاشارة الى عدد من الملاحظات قبل عرض جوهر الأجوبة التي رصدها هذا الاستطلاع. وأولى هذه الملاحظات ان سبعة عشر مشاركاً اجابوا بأنهم لا يملكون أطباق التقاط دش، وقد اسقطت اجاباتهم فوراً. لكن هذه النسبة لا تدل أبداً على النسبة الحقيقية لتوزع اطباق الالتقاط في دمشق. والملاحظة الثانية، ان المشاهد السوري يركز على قمر عربسات، ولا يهتم كثيراً بالأقمار الاخرى حتى لو كانت فيها قنوات عربية. لكن على العموم، جاءت اجابات الاستمارات لتؤكد ان الرغبة عند اصحاب العينة هي عكس التوجه العام للفضائيات العربية تقريباً، وخاصة في جدلية البرامج الثقافية والترفيهية. فاذا كانت نسبة 48 في المئة من المشاركين في العينة تؤكد الاهتمام بالبرامج الثقافية ونسبة 56 في المئة تؤكد عدم الاهتمام بالبرامج الترفيهية المسابقات والأغاني، ونسبة 40 في المئة تدعو الى الاعتماد على جدلية الفائدة/ الترفيه، فان هذا يؤكد ان المعادلة ناقصة وتحتاج الى اعادة توازن بين الرغبة والواقع. وحتى لو كانت نسبة المشاركة على الهواء عالية في برامج الترفيه فان ذلك قد يبدو حالة خداع بصر! ان البحث الجدي في هذه النسب يجعلنا نؤشر باهتمام الى محطات جوهرية يمكن الاستقطاب حولها وهي: الديني - الوطني - الديموقراطي. فلدى المشاهد جوع حقيقي للبحث عن أزمة الحاضر ورهان المستقبل ولو من خلال المسابقات! ويتبدى البحث، وكأنه وضع امامنا جملة نتائج مهمة وهي: ضرورة التركيز على البرامج الهادفة. لم تعد برامج المسابقات هاجس المشاهد العربي. تطور اللغة البصرية عند المشاهد الذي اخذ يمتلك ادوات نقدية مقبولة على هذا الصعيد. لم تعد اسرار المشهورين والفنانين تستقطب هواجس المشاهد العربي. فنسبة المشاهدين لبرنامج "حوار مفتوح ساخن" اكبر بكثير من اي نسبة مشاهدين للقاء فنان او خفايا جاسوس عالمي. المشاهد يستخفّ كثيراً بالبرامج التي تستخف به. انه يريد الثقافة والفكر والفن والصحة والحياة… ولا يريد ابداً استذكار الوقت الضائع! هل هذه حقيقة؟!