على رغم أن برامج المنوعات في الفضائيات المصرية كانت مصدر الجذب الأول للإعلانات، وكان حجم إنتاجها مميزاً، فإن الفترة الماضية شهدت تراجعاً نسبياً لها في ظل حرص الفضائيات على تغليب البرامج السياسية والحوارية وما يسمى «التوك شو» اليومي على المنوعات. والغريب أن الإعلانات انجذبت بسرعة الى هذه النوعية من البرامج على حساب المنوعات. وهنا نفتح ملف تدهور الإنتاج البرامجي الترفيهي والذي غالباً ما كان يوجه الى الشباب. المذيعة المصرية هبة الأباصيري، التي عملت في الفضائيات المصرية والخليجية، ترى أن ضعف الموازنات التي ترصد لبرامج المنوعات هو السبب الرئيس في عدم إقبال المشاهد المصري عليها لأنه يجد برامج أقوى في الفضائيات العربية التي ترصد موازنات ضخمة لبرامج المنوعات مثل تاراتاتا وليالي السمر والدنيا غنوة وغيرها. وتشير إلى أن برامج المنوعات ليست وسيلة للترفيه فقط، بل من الممكن أن تطرح من خلالها مجموعة من القضايا الفنية بشكل مبسط حتى لا تضيع بهجة البرنامج، كما «أن مصر تملك الكوادر البشرية الكبيرة التي تستطيع تقديم برامج تتمتع بالإبهار البصري مثلما نشاهد في الفضائيات الخليجية واللبنانية». المخرج محمد سعيد الذي اشتهر بتقديم برامج المنوعات في التلفزيونات المصرية يؤكد كلام هبة الأباصيري، ويقول: «الحكاية غير مرتبطة بضعف الكوادر البشرية المصرية، فنحن رائدون في برامج المنوعات، ولكنها مرتبطة بالإمكانات المادية وعندما تتوافر هذه سنشاهد أعمالاً على مستوى عال». الأساس الجودة ويؤكد الإعلامي طارق علام أن جودة المادة البرامجية هي أساس نجاحها بغض النظر عن كونها منوعة أو سياسية أو اجتماعية والاستسهال مرفوض في الإنتاج البرامجي لأن الفضاء مفتوح للجميع والمشاهد يمتلك الريموت كنترول وله الحرية الكاملة في اختيار البرنامج الذي يحترم عقليته. ويضيف: «بالنسبة الى برامج المنوعات كانت بدايتها الحقيقية من خلال مصر وهناك قصور حالياً في إنتاجها، لأن النجوم الذين يظهرون فيها يبالغون في الأرقام المالية التي يطلبونها للظهور. وفي ظل الأزمات المادية التي نعيشها ترفض الفضائيات المخاطرة وإنتاج برامج قد لا تتحقق العائد المرجو منها». الفنانة سمية الخشاب ترد على هذا الكلام، قائلة: «من حق النجوم أن يتقاضوا أموالاً من الفضائيات لأنها تستثمر أسماءهم في برامج المنوعات وتجذب إعلانات ضخمة تحقق عائداً ماديا كبيراً. إذاً المسألة عرض وطلب ولا نبالغ مع الفضائيات المصرية فالأرقام التي نتقاضاها منها لا تقارن بما نحصل عليه من الفضائيات العربية التي ترصد مبالغ مادية كبيرة لبرامج المنوعات». وتعترف بأن برامج «التوك شو» في مصر أصبحت الشغل الشاغل للجمهور، «لأنها ترصد كل تفاصيل الحياة المصرية بما فيها الفن، لكن هذا لا يعني أن نهمل برامج المنوعات وعلينا أولاً التدقيق في اختيار أفكارها لأن غالبيتها يقع في فخ التكرار والملل». في المقابل ترى الفنانة ميس حمدان التي تقدم الدورة الثانية من برنامج «ليالي السمر» الذي يعرض على شاشة تلفزيون أبو ظبي، أن الفقر الإنتاجي أثر بشدة في برامج المنوعات المصرية، «ففي الوقت الذي يقبل النجوم العرب على الظهور في برامج «mbc» و «الراي» و «دبي» و «أبو ظبي» و «Ibc» وغيرها، لم يعد هناك برنامج مصري قوي يستطيع منافسة هذه البرامج». وتضيف: «هناك من يرى أن برامج المنوعات ما هي إلا وسيلة للتسلية فقط ولا تستحق المبالغ التي ترصد لها ولا بد اليوم من تصحيح هذا المفهوم لأن المشاهد من حقه أن يتواصل مع نجومه المفضلين في برامج المنوعات للخروج من حالة الضيق التي تنتابه بسبب الكوارث التي يتابعها في الفضائيات الإخبارية وبرامج التوك شو اليومية». سياسة التواصل المطربة أروى التي تألقت أخيراً في تجربتها الأولى مع تقديم البرامج التلفزيونية عبر برنامج «آخر من يعلم»، ترى أن التنافس القوي بين الفضائيات العربية يجعلها تبحث عن إنتاج كبرى البرامج التلفزيونية «لأن جانب المنوعات مهم في إطار سياسة التواصل مع المشاهد لذلك ترصد له موازنات ضخمة وهذه البرامج تعوض نفقاتها لأنها مصدر جذب إعلاني وكل دولة لها طبيعتها الخاصة. فمثلاً التوك شو قد يكون رقم واحد في مصر ولكنه أحياناً لا يلفت إنتباه الجنسيات العربية الأخرى لأنه مرتبط بقضايا محلية شديدة الخصوصية». ويرى الخبير الإعلاني طارق نور أن برامج المنوعات ما زالت مصدر جذب رئيسي للإعلانات لأن الشريحة الكبري التي تشاهدها هي من الشباب والأطفال لذلك تعرض خلالها الإعلانات المرتبطة بحياتهم، ولكن تطور النفقات الرهيب جعل المنافسة صعبة ولا بد للفضائيات المصرية أن تستقطب كبار النجوم وتجدد من أفكارها حتى تستطيع جذب أنظار المشاهد المصري والعربي. ويوضح أن برامج التوك شو اليومية أصبحت الآن متفوقة على برامج المنوعات لأنها تخاطب الحياة اليومية للمشاهد وتهتم بالقضايا التي تشغل باله «ولكن برامج المنوعات هي الأخرى مطلوبة لأنها تخرج بالجمهور من حال الاكتئاب التي يصاب بها أحياناً من فرط الحزن والآلام التي يتابعها يوميا في التوك شو».