جدّد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك في باريس أمس تمسّك حكومته بالإنسحاب من لبنان محذّرا من أي هجوم على اسرائيل عبر الحدود الدولية، مؤكداً أن استئناف المفاوضات مع سورية يقترب يوما بعد يوم. وقال في تصريح أدلى به عقب المحادثات التي أجراها حول إفطار عمل مع رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان، انهما أجريا تبادلا مثمراً لوجهات النظر حول العلاقات الاسرائيلية - الفرنسية ومسيرة السلام. وأضاف أنه عرض لجوسبان الذي وصفه بالصديق الكبير لاسرائيل وبالصديق الشخصي، الوضع في المنطقة وتصوّره للحل مع الدول المجاورة. وعبّر عن ثقته بأن "بعض الناس في العالم سيبذلون ما في وسعهم لنتوصّل الى السلام والأمن في منطقة تألمت كثيراً". وعن زيارته الى باريس التي سبقه اليها وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، ناقلا رسالة من الرئيس السوري حافظ الأسد الى نظيره الفرنسي جاك شيراك، قال باراك "إن كل يوم يمر يقرّبنا من المفاوضات مع سورية" وأن زيارته الى العاصمة الفرنسية اتاحت له الاستماع الى أمور كثيرة مثيرة للإهتمام. وبالنسبة الى الإنسحاب من لبنان قال باراك انه سبق أن صرّح بأنه عازم على الإنسحاب منه، الى الحدود الدولية بحلول تموز يوليو سنة 2000، وأن حكومته ستأخذ في الاعتبار "جيش لبنانالجنوبي" وكل من تعاون معها في جنوبلبنان. وحذّر قائلا: "لا أنصح أحدا بأن يحاول الاعتداء علينا عبر الحدود الدولية" مؤكدا عزم اسرائيل على حماية أمنها عبر هذه الحدود. وكرّر موقفه من مدينة القدس بالقول: "إن موقفنا معروف، فالقدس مدينة موحدة غير قابلة للتقسيم وعاصمة أبدية لإسرائيل، ولست في وارد الخوض في مسائل الوضع النهائي أمام الصحافة". أما جوسبان فقال في تصريح مقتضب إن اسرائيل قريبة جداً من اوروبا وأن العلاقات الاقتصادية معها ينبغي ان تتجسّد بصورة أفضل وان اتفاق الشراكة الاوروبي - الاسرائيلي سيعرض قريبا على البرلمان الفرنسي لإقراره. يذكر أن البرلمان الفرنسي كان ماطل في إقرار الإتفاق بسبب جمود عملية السلام في ظل حكومة بنيامين نتانياهو السابقة، وأنه يعتزم عقد اجتماع لاقرار الاتفاق في أواخر كانون الثاني يناير المقبل. ووصف جوسبان نظيره الاسرائيلي بأنه يتّسم "بصلابة الجندي وذكاء الديبلوماسي"، وقال انه "في العمق رجل سلام" يحرص على أمن بلاده ولديه في الوقت ذاته ارادة قاطعة في التسوية مع الدول المجاورة. وعبّر عن ثقته بالحركة المستجدة على صعيد مسيرة السلام "التي ينبغي على الاطراف أن تحدّد شروطها، والتي سنواكبها ونساعد على دفعها". وحضر المحادثات بين باراك وجوسبان وزير المال والاقتصاد الفرنسي دومينيك شتروس - كان والوزير المفوّض للشؤون الاوروبية بيار موسكوفيسي، إضافة الى كبار المسؤولين في رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية الفرنسية. وكان باراك ، الذي غادر باريس عائدا الى اسرائيل التقى اول من أمس الرئيس الفرنسي جاك شيراك على انفراد لمدة ساعتين متواصلتين، تخللهما بحث مفصّل للعلاقات الثنائية ولعملية السلام بمختلف مساراتها مع الفلسطينيين وسورية ولبنان، الذي قال باراك انه "غال جداً على قلب الفرنسيين تاريخياً وتقليدياً". ونفى شيراك خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع ضيفه أن يكون نقل لباراك رسالة من الأسد، مثلما نفى رئيس الحكومة الاسرائيلية ذلك، مضيفا انه لم يسلّم الرئيس الفرنسي أي رسالة الى نظيره السوري. وقال باراك انه ليست هناك اتصالات سرية مع سورية وإنما محاولات لاستئناف الحوار وإطلاق مسيرة السلام. وعبّر عن إعتقاده بأن الإمكانية متوافرة للتوصّل الى اتفاق مع السوريين في غضون 12 أو 15 شهرا، و"علينا التريّث لمعرفة كيفية التوصّل الى صيغة للتفاوض، علما أن الصيغة وحدها لا تكفي اذا لم تتوافر لدى الجانبين رغبة جدية في تحقيق السلام". ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية الصادرة بالانكليزية عن باراك قوله في تصريح لها نشرته امس ان "الارهاب في جنوبلبنان قد يعرقل العملية السلمية مع سورية. ولهذا اعتقد بأن لالرئيس السوري حافظ الاسد ولي شخصياً، مصلحة مشتركة في وقف ارهاب حزب الله". واكد باراك في حديثه الى الصيفة ذاتها ان الاخطار التي يمثلها العراق وايران على اسرائيل ستتقلص بعد ابرام السلام بين الدولة العبرية وكل من سورية ولبنان والسلطة الفلسطينية. واضاف "لا ارى كيف يمكن لايران والعراق الابقاء على حال العداء هذه اذا توصلنا الى السلام مع السوريين واللبنانيين والفلسطينيين". وأشار باراك الى أن محادثاته مع شيراك الذي قال انه يعرف المنطقة جيدا ولبلده فيها وجود وروابط تاريخية، كانت غنية ومثمرة، وأن الأمور لن تكون سهلة على رغم ان السلام أصبح حاجة استراتيجية بالنسبة الى اسرائيل والى سورية ايضا وأنها حافز على العمل من أجل الحل. وأكّد باراك ثقته "بأننا اليوم امام فرصة تاريخية لتحقيق سلام الشجعان وانهاء النزاع بين اسرائيل وجيرانها، عبر مفاوضات تتلازم فيها المسارات الثلاثة". وعن الدور الذي يمكن لفرنسا ان تلعبه على صعيد العملية السلمية، قال باراك انه مقتنع بأن "فرنسا قادرة على لعب دور عبر تأثير نياتها الحسنة في مسيرة السلام". غير ان باراك قال مستبعدا اي دور كبير للاوروبيين في مفاوضات السلام: "نحن نفضل المفاوضات المباشرة مع شركائنا... مع الفلسطينيين ومع السوريين ومع اللبنانيين". وعبّر شيراك من جهته عن تفاؤل واضح، لم يكن لديه قبل نحو ستة أشهر، وقال "ان ثمة فرصة تاريخية اليوم يجب استغلالها وتسمح بالقول ان السلام يلوح في أفق الشرق الأوسط، خصوصا إذا ما توافر لدى الجميع التعقّل والرغبة في بذل الجهد الضروري لذلك". وقال ان فرنسا لا تطالب بأي شيء خاص وإنما تؤكد استعدادها لتلبية طلبات أصدقائها في كل ما له صلة بالسلام، وأنها تتمنّى من كل قلبها سلاماً شاملاً وعادلاً، وهي تثق بقدرة باراك على تحقيق هذا السلام مع شركائه الثلاثة. وتندرج زيارة باراك الى باريس في اطار سلسلة مكثّفة من الاتصالات بين المسؤولين الفرنسيين والاطراف في المنطقة بهدف تفعيل دور فرنسا على صعيد عملية السلام. وقد نجحت الديبلوماسية الفرنسية في تجنيب الزيارة أي انعكاسات سلبية، نتيجة الأجواء التي أشاعها مسؤولون في اسرائيل حول عدم رغبة السلطات الاسرائيلية في أي دور فرنسي متّصل بالمسيرة السلمية.