سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لا مفر أمام تاجر التوابل الشرقية من اللجوء الى الفضاء التخيلي . "بوابات انترنت" تتنافس على احتلال المواقع القيادية في خدمات التجارة الالكترونية عبر الشبكة الدولية
هل يمكن تصور انترنت سوقاً للحوم والبيض والآيس كريم؟! قد يصعب ذلك على الذين يرون في هذه التقنية المكلفة وسيلة لما هو أكثر أهمية، لكن تفجر إمكانات التجارة الإلكترونية في العام الفائت فتح الباب على كل الاحتمالات بما فيها مبادرة مشتركة جاءت من مؤسس "نيتسكيب انك" وشركة "آمازون كوم" وتمثلت في تبني مشروع حديث لبيع مواد البقالة على شاشة الكومبيوتر الشخصي. وتعود قصة مشروع البقالة الى اعلان "هوم غروسر كوم" في بيان صحافي أواخر الشهر الفائت أن آمازون كوم تملكت 35 في المئة من أسهمها بمبلغ 5.24 مليون دولار. وجاء الاعلان عقب خطوة مماثلة من مجموعة استثمارية يقودها "جيمس براكسديل" مؤسس شركة نيتسكيب وبوابتها الالكترونية "نيتسنتر كوم" اللتان تملكتهما مجموعة "أميركا اون لاين" في وقت سابق من العام الجاري. وتتخصص "هوم غروسر" في بيع اللحوم والبيض والآيس كريم و11 ألف مادة من منتجات البقالة وتتلقى طلبات زبائنا عبر موقعها وتعد بايصالها الى المنازل في منطقة صغيرة حول مقرها في ولاية واشنطن. وعلى رغم خروجها عن المألوف في بيئة مثل انترنت الا أنها أصبحت موضع اهتمام منذ كشفت مؤسسات الأبحاث عن تقديرات مغرية لمبيعات البقالة الالكترونية: نحو 150 مليون دولار في العام الفائت ترتفع، طبقاً لمؤسسة فوريستر للأبحاث، الى 8.10 بليون دولار في العام 2003. ورأت هوم غروسر نفسها، حسبما قال رئيسها تيري درايتون "محظوظة" لأن الاستثمارات الجديدة ستمكنها من توسيع دائرة أعمالها ولأن تحالفها مع آمازون كوم، وهو المثير في مجمل قصتها، سيمنحها الفرصة للاستفادة من تجربة أحد عمالقة التجارة الالكترونية، لا سيما أن آمازون هي الشركة التي باعت في موسم أعياد نهاية السنة الفائتة كميات من الكتب والهدايا بلغت من الضخامة بحيث لو وضعت على نسق لبلغ طولها 160 كيلومتراً. خبرات لكن آمازون كوم لا تمنح خبرتها وشهرتها مجاناً، ومن المستبعد أن يكون التحالف معها ومع أمثالها خياراً متاحاً، أو مفضلاً، لكل الشركات الراغبة في اختبار حظوظها في مجال التجارة الالكترونية من دون أن يكون مصيرها الاهمال والكساد في بضع صفحات من 400 مليون صفحة تختزنها عشرات الملايين من الخوادم التي تشكل البنية التحتية لشبكة انترنت، وليس هناك من أدرك هذه الحقيقة وحشد طاقاته للاستفادة من عوائدها الضخمة أكثر من البوابات الالكترونية. ويطلق مصطلح البوابات محاولة جديدة من انترنت لتأكيد الجانب الواقعي من بيئتها التخيلية! على مئات المواقع التي تمنح المتصفح حقيبة خدمات ارشادية لتمكينه من القيام بجولة مفيدة، الا أن حفنة قليلة فقط من هذه البوابات تملك المقومات التي تؤهلها للعب دور قيادي في مستقبل خدمات التجارة الالكترونية، حسبما قاله أخيراً تيم كووغل رئيس شركة "ياهوو! كوم". بوابة رئيسية وتعتبر ياهوو احدى أهم البوابات الرئيسية التي وضعت التجارة الالكترونية في صميم استراتيجياتها، وتضم هذه المجموعة كذلك "أميركا اون لاين،" أكبر الشركات العالمية الناشطة في خدمات انترنت و"شبكة مايكروسوفت كوم" فضلاً عن "اكسايت كوم" و"ليكوس كوم" و"سناب كوم" و"التافيستا كوم" و"انفوسيك كوم". وتتلخص طموحات الدور القيادي بالنسبة لشركة ياهوو! وحفنة البوابات الرئيسية، في امتلاك العناصر الضرورية للعب دور الوسيط بين المتصفح والتاجر الالكترونيين، أقله في حدها الأدنى، إذ تشمل أيضاً دوراً مباشراً في التجارة الالكترونية يتخذ شكل تسويق الخدمات، وفي بعض الحالات، المنتجات لكل من المستهلكين والشركات مثل توفير خدمة انترنت للمتصفحين في المنازل وأماكن العمل وخدمات البرمجة للشركات. وتقف هذه الطموحات خلف ظاهرة "الفقاعات" التي أعطت أسهم بعض شركات البوابات، لا سيما أميركا اون لاين وياهوو، أسعاراً فلكية، على رغم قسمتها في الغالب ثلاث مرات متتالية في أقل من عامين، وقدرة عجيبة على التذبذب في تقلبات حادة بكل المقاييس، ولكن تحقيقها تطلب استراتيجيات وقدرات فنية واستثمارات مغامرة علاوة على سوق بلغت مبيعاتها المرصودة لصالح الشركات الأميركية في العام الفائت زهاء 300 بليون دولار، حسبما أكدته أحدث دراسة تصدر في هذا المجال. طموحات وتشكل طموحات البوابات الرئيسية قفزة كبيرة من بدايات أخذت طابع المشاريع الخيرية في الغالب، وتعتبر ياهوو أفضل مثال في هذا المجال اذ أنشاها مؤسساها "ديفيد فيلو" و"جيري يانغ" كهواية تسهل لهما عملية تصفح مواقع انترنت اثناء تحضير رسالة الدكتوراة في جامعة "ستانفورد" سنة 1994 ثم تطورت، بفضل تسهيلات حصلت عليها من نيتسكيب، الى محرك بحث قدم خدماته لجمهور المتصفحين مجاناً وحقق من النجاح ما جعله نموذجاً للعديد من المشاريع المماثلة. إلا أن الانتقال من مرحلة محركات البحث ذات الخدمات المجانية الى مرحلة المشاريع التجارية القادرة على اقتحام أسواق المال من أوسع بواباتها لا يعكس فقط، في اعتقاد مراقبين ومحللين تحدثوا الى "الحياة"، تحمس بيوتات الوساطة والمستثمرين للحلم الأميركي، بل تطلب تبني استراتيجية بعيدة النظر تلهب حماسة الممولين وتستفيد من التقديرات المذهلة التي دأبت مؤسسات الأبحاث على اصدارها حول فرص جني الأرباح في مجال التجارة الالكترونية فضلاً عن تطور تقنيات المعاملات المالية في بيئة انترنت. وقامت استراتيجية البوابات على سلسلة من الخطوات التي يراها بعض المراقبين تجريبية أكثر منها مدروسة مسبقاً، تماماً مثل انترنت نفسها وبدأت الخطوة الاولى في استغلال الخدمات المجانية لبناء قواعد عريضة من المتصفحين ثم استخدام هذه القواعد لاجتذاب المعلنين، والمؤكد أن حاجة محركات البحث لرسوم الاعلانات كأول مصدر للدخل كانت كبيرة لدرجة أنه صار من المستحيل على المتصفح البحث عن عنوان الكيتروني الا واقترح محرك البحث كتاباً أو نوعاً من أنواع العطور. امتداد وجاءت الخطوة الثانية امتداداً لسابقتها فبعد نجاح الاعلان الكتروني في ترسيخ تجربة المتاجر الالكترونية الضخمة من أمثال آمازون كوم في مجال بيع الكتب والهدايا و"اي توي كوم" في مجال بيع الألعاب و"اي بيه" في المزادات، أثبتت محركات البحث جدارتها لعقد اتفاقات التسويق وتحالفاته ما يعني اجتذاب المتاجر الالكترونية لعرض بضائعها وخدماتها في زوايا معينة من مواقعها التي أصبحت منذئذ تعرف باسم البوابات. وتمثلت الخطوة الثالثة والأهم في خروج البوابات هذه المرة لتسوق جملة الشركات والتقنيات والخدمات التي ستمكنها من دعم مواقعها في مجالي الاعلان والتسويق والتوسع في مجالات تقديم الخدمات المباشرة للمستهلك والشركات الراغبة في اختبار حظوظها في التجارة الالكترونية واتخذت هذه الخطوة المسار الوحيد الذي يضمن للمشاريع الطموحة تحقيق أسرع نمو بأقل قدر من المخاطرة وهو اللجوء الى اتقافات التملك والدمج مع مشاريع مكملة أثبتت فاعليتها. استراتيجية ولتحقيق استراتيجياتها كان لا بد للبوابات من التغلب على محدودية القدرات الفنية للخوادم على صعيد تحمل التوسع الهائل في الخدمات ويبدو أن الحل الذي اختارته بعض البوابات، وياهوو على وجه الخصوص، اقتضى اللجوء على مايسمى ب"خوادم المواقع العملاقة" BFWs وهي تقنية حديثة تستعيض عن الخادم التقليدي بمزرعة تتألف من مئات الخوادم المصممة خصيصاً للتخاطب مع بعضها البعض بما يمكن الموقع من توزيع أحماله وتوفير السرعة المطلوبة للاحتفاظ بالمتصفحين والمتسوقين. لكن استراتيجيات البوابات ما زالت في بداياتها وعلى سبيل المثال لم تعلن ياهوو عن تحقيق أرباح تذكر الا في الفصلين الأخيرين، إذ بلغت أرباحها الصافية في الفصل الأول من العام الجاري 5.16 مليون دولار من مبيعات بنحو 86 مليون دولار في حين استمر الأداء السلبي عند ليكوس بتسجيل خسائر بمبلغ مليون دولار من مبيعات بنحو 35 مليون دولار، وحتى مجموعة أميركا اون لاين فقد بلغت أرباحها الصافية في سنة 1998 نحو 90 مليون دولار من مبيعات بمبلغ 6.2 بليون دولار في مقابل خسائر بمبلغ 429 مليون دولار عام 1997. وتعكس البوابات في أدائها نفقات التوسع وربما أحد أسباب التذبذب الحاد الذي تشهده أسهمها منذ بداية الصيف، لكن هذا الأداء يغفل تطورات مهمة حدثت في الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري من بينها اعلان ليكوس التوقيع على اتفاقات للتسويق الالكتروني بمبلغ 200 مليون دولار وتحقيق عوائد مؤجلة بمبلغ 148 مليون دولار، وتملك ياهوو شركة "جيوسيتيز" التي تعتبر أكبر قاعدة من المتصفحين فضلا عن اضافة 1100 متجر الكتروني الى شبكتها، واعلان أميركا اون لاين عملية اعادة تنظيم لدمج تقنيات نيتسكيب و"الانتقال بالتسويق الالكتروني الى مرحلة جديدة من النجاح". ويشار أن عوائد الشركة الأخيرة من التسويق الالكتروني ورسوم الاعلانات بلغ في العام الفائت نحو 450 مليون دولار. حملات والواضح أن الحملات التي تقوم بها البوابات لتسوق التقنيات والشركات كجزء من استراتيجياتها تهدف الى تمكينها من تقديم أكبر قدر ممكن من الخدمات للتجارة الالكترونية، ولا شك أن المغريات متوافرة بكثرة وأهمها رسوم التراخيص وعوائد اتفاقات التسويق وعمولات المبيعات ومداخيل الاعلانات، ولكن التوسع في الخدمات ليس ضماناً أكيداً في حد ذاته ما لم يترافق مع توسع مماثل في قاعدة المتصفحين التي تعتبر المقياس الأساسي لنجاح البوابات، لا سيما في ما يتعلق بعوائد الاعلانات. وأفاد تقرير لمؤسسة "جوبيتر" أن البوابات الرئيسية حصلت على حصة بنسبة 60 في المئة من نحو بليوني دولار أنفقتها الشركات الأميركية على الاعلان في انترنت في العام الفائت، إلا أنه توقع انخفاض هذه الحصة بمقدار النصف في السنة 2003 حين سيبلغ اجمالي الانفاق الاعلاني في انترنت نحو ثمانية بلايين دولار. وعزا السبب الى المنافسة التي ستواجهها البوابات من المتاجر الالكترونية مثل آمازون كوم. منافسة وتضيف المتاجر الالكترونية عاملاً جديداً إلى منافسة حادة تخوضها البوابات في ما بينها على صعيد اجتذاب المتصفحين. وأشار أحدث التقارير الشهرية التي تصدرها مؤسسة "ميديا ميتريكس" الى اشتداد حدة المنافسة البينية في شهر نيسان ابريل حين ربحت بعض البوابات ملايين الزوار على حساب البوابات الأخرى. وتتخصص المؤسسة المذكورة في قياس نشاط حركة الزوار عن طريق الاستطلاعات وتنعكس نتائج تقاريرها على عوائد البوابات من الاعلانات والتسويق الالكترونية. ويرى المراقبون والمحللون في المنافسة المزدوجة مؤشراً على تصفيات تخوضها البوابات الرئيسية على المواقع القيادية ويرشحون أربع بوابات هي أميركا اون لاين وشبكة مايكروسوفت وياهوو وليكوس. ويختلف الترتيب لدى بعض المحللين، ولكن مهما كانت النتائج النهائية يبدو أن تاجر التوابل الشرقية الذي لا يستطيع نيل شهرة آمازون كوم لن يجد مفراً من اللجوء الى احدى البوابات لتسويق منتجاته، أقله في السوق الأميركية.