سجلت اسهم شركة "اوبن تكست كورب" الكندية في يوم واحد يوم الجمعة الماضي زيادة بنسبة 7 في المئة دفعة واحدة، تعتبر هذه النسبة عالية في الظروف العادية لكنها كانت شديدة التواضع بالمقارنة مع التطورات المثيرة التي شهدتها اسهم نظيراتها الناشطة في مجال خدمات انترنت، سيما شركات محركات البحث والتصفح الاميركية. وساهمت الزيادة الاخيرة في رفع حجم المكاسب المحققة لأسهم الشركة الكندية طوال عام كامل الى نحو دولارين اميركيين للسهم الواحد، وفي المقابل بلغ مقدار الزيادة التي حققتها اسهم محرك البحث "ياهو" في اليوم المذكور زهاء 26 دولاراً للسهم، ما نسبته 15 في المئة، وبلغ حجم مكاسبها السنوية نحو 130 دولاراً للسهم، بنسبة زيادة تناهز 800 في المئة. وفي المحصلة النهائية لجلسة تداول واحدة بلغ سعر اسهم "ياهو" قرابة 200 دولار للسهم لترتفع بذلك القيمة السوقية لهذه الشركة الناشئة التي لا يزيد عمرها على اربع سنين الى نحو تسعة بلايين دولار ما جعلها، اقله في عرف اسواق المال، اشد ثقلاً من مئات من الشركات الاميركية والكندية بما فيها بعض الاسماء اللامعة والعريقة. ولم تكن "ياهو" حالة استثنائية اذ سجلت اسهم محرك البحث "اكسايت" زيادة بمقدار ثمانية دولارات ليصل سعر السهم الواحد الى 107 دولارات وحققت نظيرتها "ليكوس" مكاسب اكبر بلغ مقدارها نحو 20 دولاراً ونصف الدولار للسهم الذي قفز سعره بالنتيجة الى نحو مئة دولار، اما النتائج المحققة لأسهم "انفوسيك" فساهمت في رفع مكاسبها السنوية بمقدار تسعة اضعاف. تسويق الكتروني وخارج اطار محركات البحث سجلت اسهم بعض الشركات الناشطة في مجال خدمات التسويق الالكتروني والتصفح ارقاماً قياسية مماثلة. فعلى سبيل المثال ارتفع سعر اسهم شركة "آمازون كوم" الى 140 دولاراً للسهم اي ما يعادل ثلاثة أضعاف سعره المسجل مطلع الشهر الماضي، وتلتها شركة "نتسكيب" التي قفز سعر اسهمها بمقدار ستة دولارات دفعة واحدة. وعلى رغم ان هذه التطورات المثيرة كانت واسعة بما يجعلها قريبة الى شكل الظاهرة الا ان بعض المراقبين اعتبرها مفتعلة وواحدة من النتائج الخطيرة لعملية "المضاربات المجنونة" بل وصفها بأنها خروج عن المألوف بسبب تناقضها مع النظرة المحافظة التي تربط بين القيمة السوقية لشركة ما وعوامل تقليدية مثل الأصول والدخل والربحية. وفعلياً تعتبر المؤشرات الأساسية للكثير من شركات انترنت محيرة وتتحدى المنطق التقليدي اذ لا تزال غالبية هذه الشركات عاجزة عن تحقيق الأرباح، وحتى "ياهو" التي بلغ اجمالي دخلها في الفصل الأول من العام الجاري نحو 30 مليون دولار تحولت ارباحها البالغة نحو 4.3 مليون دولار الى خسارة بعد اقتطاع مبالغ انفقتها لتمويل شراء شركة "فوور 11". وهناك شركات انترنت اصبحت مضرباً للأمثال باعتبار ان أداء اسهمها في اسواق المال هو ضرب من ضروب السحر بسبب تناقضه الكلي مع الحقائق الاقتصادية، ومنها احدى الشركات الاميركية التي تقدر قيمتها السوقية في الوقت الراهن بزهاء 150 مليون دولار على رغم ان اجمالي دخلها طوال العام الماضي لم يتجاوز ربع مليون دولار. وأشد ما يحير بعض المراقبين الثروات الهائلة التي يصيبها قلة من اصحاب الشركات "دون مبررات تجارية سليمة"، مثل مؤسس احدى شركات محركات البحث الذي تحول الى بليونير بفعل سلسلة متلاحقة من التطورات "السحرية" المفاجئة في مسار اسهم شركته وبلغت مكاسبه الصافية في جلسة تداول واحدة نهاية الاسبوع الماضي نحو 145 مليون دولار. تشنّج وليست هذه مجرد مواقف متشنجة اذ فقدت غالبية شركات انترنت لاحقاً كل مكاسبها او جزءاً منها ومع بدء جلسة التداول الصباحية ليوم الاربعاء كان سعر اسهم "آمازون" خسر 17 دولاراً وبلغت خسائر "ليكوس" نحو 15 دولاراً فيما تراجعت اسهم "اكسايت" بمعدل 11 دولاراً وأسهم "ياهو" بمعدل ثمانية دولارات وانخفض سعر اسهم "نيتسكيب" بنحو خمسة دولارات ولم ينج من المجزرة سوى "اوبن تكست" الكندية ربما بسبب عدم مشاركتها في الوليمة اصلاً. لكن بعض المراقبين الآخرين يعتقد ان المكاسب التي حققتها او ستحققها شركات انترنت مستقبلا، اقله اللاعبين الأساسيين، لا ترجع كلها الى عوامل مفتعلة بل تقوم على قواعد متينة، وهذا ما تعتقده ايضاً مؤسسات الابحاث التقنية في كندا والولايات المتحدة اذ تؤكد ان بعض شركات انترنت سيستمر في الازدهار لأن انترنت اصبحت تحتل موقعاً مهما في حياة الناس. وعلى رغم استحالة التقليل من خطورة الدور الذي تلعبه المضاربات المجنونة في تحديد مسارات الأسهم يلاحظ ان الموجة الاخيرة من ارتفاع الاسعار تعود في درجة كبيرة الى التكهنات المتفائلة حول مستقبل شركات انترنت خصوصاً بعد قيام شركة "وولت ديزني" اواخر الشهر الماضي بتملك حصة بنسبة 43 في المئة من "انفوسيك" في صفقة بلغت قيمتها نحو 473 مليون دولار. ويعتقد المتحمسون لأسهم شركات انترنت بقوة انهم مقبلون على استحقاق طال انتظاره ويشاركهم الاعتقاد بداهة مسؤولو هذه الشركات إذ أيد ذلك أحد مسؤولي "اكسايت" ل "الحياة" في مقابلة من مونتريال مع انه اعتذر عن التعليق على التطورات الاخيرة في اسواق المال عشية اعلان النتائج المالية للفصل الثاني كما تقتضي الاجراءات الخاصة بالأسهم.