واجهت شركة ليكوس العام الماضي خيارين، فيما كانت تصارع لإثبات وجودها في عالم تصفّح انترنت، الأول امتلاك شركة، أو شركات، أخرى أو أن تصبح في ذمة تاريخ تقنية المعلومات. ويعود روبيرت ديفيس، كبير المسؤولين التنفيذيين في شركة ليكوس انك، بذاكرته إلى أيام عام مضى، ويقول: "وصلنا إلى 14 في المئة من مستخدمي انترنت"، فيما خدمت شركة "ياهو انك" وقتها 47 في المئة منهم. ويستطرد ديفيس فيقول: "لم نكن نتوقع قط أن ننمو حتى نصبح شركة قوية جداً، بل تعيّن علينا تملك شركات أخرى ودفع ثمنها لكي نصبح شركة قوية بالفعل". وهذا بالضبط ما فعلته شركة ليكوس، فقد اشترت خمس شركات لقاء أكثر من 300 مليون دولار، في خلال العام الماضي، ما زاد عدد مستخدمي خدماتها إلى 38 في المئة من مستخدمي انترنت، ما منحها فرصة أفضل لكي تصبح ذات أهمية ووزن. ويتفق كبار العاملين في مجال انترنت والمصرفيين الاستثماريين على أنه من المحتمل أن تزداد سرعة عقد الصفقات بين الشركات الناشطة في مجال النشر والتجزئة في عالم انترنت، فيما يدرك مزيد من الشركات، التي بدأت النشاط في خلال الأعوام القليلة الماضية، أن عليها أن تنمو لكي تبقى على قيد النشاط. ويقول مارك شافر، رئيس القسم الذي يهتم بعمليات الاندماج في القطاع التكنولوجي في شركة "ميريل لينش"، الناشط من سان فرنسيسكو: "يتعين على الناشط في مجال انترنت أن ينمو بسرعة، إذ أن هذا المجال سيصبح أرض العمالقة بسرعة". وبدأ الاتجاه نحو الاندماج يتبلور العام الماضي عندما كان محركُ عدد كبير من الصفقات رغبة الشركات الصغيرة في إنهاء الصراعات "الدامية" بينها للهيمنة على السوق. وكان أكثر ما لفت الأنظار وقتها ان شركتي "سي دي ناو" و"ان 2 كي"، الرئيسيتين في مجال المخازن الموسيقية الفورية، اتفقتا على الاندماج بغية مواجهة منافسة كانت منتظرة، أو بالأحرى على الافق، من شركة "أمازون. كوم"، وان شركة "ميديا متديكس" الخاصة التي تعطي أرقاماً دقيقة عن عدد الذين يزورون كل موقع من مواقع انترنت، اشترت منافستها الأكبر أي شركة "ريليفتت نولدج". ومن جهة أخرى، تحرك العمالقة في سبيل تعزيز هيمنتهم، إذ استخدمت شركة "أميركا اون لاين"، أكبر شركة ناشطة في ميدان انترنت، آلية التملك بغية بلوغ المزيد من فئات المشاهدين لتضيفهم إلى فئتها الأساسية وهي فئة الذين تراوح أعمارهم بين العاشرة والعشرين ويرغبون في التحدث إلى بعضهم البعض في شتى المواضيع، ووالديهم الذين تتحداهم التكنولوجيا. واشترت "أميركا اون لاين" "ميرابيليس" الإسرائيلية التي ابتدعت خدمة "حكي" تدعى "آي سي كيو" وتجذب مستمعين/ مشاهدين من أنحاء العالم. وتنوي "أميركا اون لاين" استملاك "نتسكيب كوميونيكيشتز كورب" بغية السيطرة على موقعها الدولي الذي يُسمى "وورلد وايد ويب" والذي يجذب رجال الأعمال، والسيطرة على برنامج الخادم الفوري الذي تملكه "نتسكيب". ومن جهة أخرى، اشترت "مايكروسوفت كورب" شركة "هوتميل"، وهي خدمة بريد الكتروني مجانية، بغية توجيه المستخدمين إلى خدمتها المجددة البابية بورتال Portal التي تدعى "ام اس ان". أما شركة "أمازون. كوم" فقد اشترت خدمة "جانغلي" التي تبحث عن المنتجات المعروضة للبيع على انترنت، وذلك بغية تحويل نفسها من مخزن للكتب والموسيقى إلى سوق الكترونية ضخمة. وسيساهم ارتفاع أسعار أسهم الشركات الناشطة في مجال انترنت في نشوء حفنة من العمالقة الجدد في هذا المجال، فيما تبذل الشركات "الراسخة" والشركات الأصغر الجديدة قصارى جهودها لمماشاة الآخرين. وإذا أخذ المراقب شركة "ياهو"، على سبيل المثال، التي تعتبر من أكبر الشركات الناشطة في ميدان التصفح أو ميدان "خدمات الباب"، كما تدعى حالياً، بسبب الدور الذي تحاول هذه الشركات ممارسة كباب أمامي أو رئيسي لدخول الناس إلى رحاب انترنت، فسيجد أن قيمة أسهم هذه الشركة صارت الآن 23 بليون دولار، أي بقيمة شركة "سي بي اس انك" تقريباً، ما يجعل "ياهو" باهظة الثمن كثيراً ويحول دون قيام أية شركة أخرى بشرائها ما عدا "مايكروسوفت" ربما. لكن من السهل على "ياهو" أن تستخدم أسهمها، المقيمة على نحو مرتفع، كعملة لشراء شركات أخرى. ويقول ديفيد برونشفيغ، أحد المديرين الإداريين في شركة "لازار فرير": "على شركة أية من الشركات أن تستفيد من أوراقها طالما أنها تملك هذه الأوراق، فازدياد الحجم لا يكلف شيئاً". ورغم ان "ياهو" و"أمازون" لم تتملكا إلا القليل نسبياً حتى الآن، من شأن قيمة كل منهما في السوق أن تمنحهما فرصة عقد صفقات أكبر في خلال العام الجاري، على حد ما يقول المصرفيون الاستثماريون. لكن ارتفاع قيم أسعار أسهم الشركات الناشطة في ميدان انترنت يسبب الصداع لبائعي التجزئة التقليديين الذين يدخلون حلبة المنافسة مع شركات مثل "أمازون"، ولشركات وسائل الاعلام الكبيرة التي تتنافس مع شركة "ياهو". فهذه الشركات لا تستطيع دفع الأثمان الباهظة لتستملك شركات أخرى، ولا تستطيع اعطاء العاملين فيها علاوات جيدة جداً تأخذ شكل أسهم. ويقول برونشفيغ: "إذا كانت الشركة كبيرة، فلن تتمكن من الاحتفاظ بمهندسيها فترة طويلة من الزمن إذا رأى هؤلاء المهندسون زملاءهم في شركات عامة مساهمة صغيرة يصبحون أغنياء ميسورين بفضل خيارات علاوات الأسهم". ويكمن الحل، بالنسبة إلى شركة تنشط حالياً، في شراء بعض من أشهم شركات مساهمة مدرجة في البورصة تعمل في ميدان انترنت. وتساهم صفقات من هذا القبيل، بالاضافة إلى مردودها من المنافع المالية، في تمكين الشركات الكبيرة من السير بسرعة شركات "سيليكون فالي" المذهلة. ويتكهن الخبراء في شؤون عمليات الاندماج بأن الشركات الاعلامية ستعقد تحالفات، في خلال العام الجاري، مع ما تبقى من شركات الباب المستقلة، بما فيها "ليكوس" و"أكسايت" و"التافيستا"، وربما حتى مع "ياهو"، وتكمن المفارقة في أن الاحصاءات تشير إلى أن الشركات التكنولوجية الصغيرة لا يُحتمل أن تصبح مساهمة رغم الجاذب والثروة اللذين تنعم بهما شركات انترنت الجديدة المساهمة، ورغم "الطبل والزمر" الذي رافق الطرح الأولي لأسهم هذه الشركات في السوق العام الفائت. ومما لا شك فيه ان العام الجاري سيشهد المزيد من عمليات طرح الأسهم الجديدة في السوق، كما شهد العام الفائت طرح أسهم شركتي "ايباي" و"برودكاست. كوم". ومع هذا كله، تشير الاحصاءات، التي جمعها مصرف "برودفيو" الاستثماري، إلى أن العام الماضي شهد، وللمرة الأولى، من عمليات طرح للأسهم من شركات تكنولوجية صغيرة أقل مما شهد من عمليات تناولت تملك شركات كبيرة لهذه الشركات الأصغر. وبالامكان بيع الأسهم على نحو أسهل وأقل ضجيجاً ولفتاً للانتباه في شركة كبيرة من بيع الأسهم إذا كان البائع هو مؤسس الشركة ويريد التخلص من أسهمها. لكن التجارب أثبتت أن تمسك أحدهم بأسهم شركته، بعد أن يكون أسسها وجعلها بعد ذلك مساهمة عامة، ليس عملاً حكيماً. ويقول اليك اليسون، أحد المديرين الإداريين في "برودفيو": "يباع السهم الواحد من أسهم نصف الشركات التي صارت مساهمة منذ 1991 بأقل من قيمته لدى طرحه الأولي في السوق". وبناء عليه، يشكل بالنسبة إلى تلك الشركات التي لا يستطيع أصحابها أن يجعلوها عملاقة، البيع السريع إلى شركة راسخة عملاً أسهل وأكثر دراً للربح من متابعة السير في طريق موحشة واحتمال ركوب خطر الاختفاء من ذاكرة الناس أو فقد اهتمامهم. ويقول اليسون: "قد لا يؤدي جعل شركة من الشركات مساهمة إلى الحصول على الموارد الاستراتيجية التي يوفرها بيع هذه الشركة إلى شركة أكبر".