في يناير من العام 1994م قام طالبا الدراسات العليا بجامعة ستانفورد (جيري يانج) الصيني الأصل و(دافيد فيلو) الأمريكي، بإنشاء موقع الكتروني حمل العنوان "دليل جيري إلى عالم الشبكة الدولية العنكبوتية"، وكان ذلك الموقع عبارة عن فهرس تنظيمي يحتوي على عناوين ومعلومات عن أكثر مواقع الإنترنت شهرة ونفعاً للمستخدم العادي في ذلك الوقت، وكانت الميزة الأساسية التي يوفرها الموقع لزائريه هي أنه كان يتيح لهم إمكانية البحث عن المواقع والمعلومات في قاعدة بيانات منظمة ومفهرسة على أسس أبجدية ونوعية وهي الخدمة التي لم يكن أي موقع آخر يقدمها في ذلك الوقت بنفس الشكل والدرجة (ربما باستثناء موقعي لايكوس والتا فيستا اللذين ما عادا مشهورين اليوم بنفس الدرجة). في ابريل من العام نفسه قام الشريكان والصديقان (يانج) و(فيلو) بتغيير اسم الموقع الخاص بهما إلى "ياهوو" ويقول الشريكان انهما اختارا تسمية موقعهما بالاسم التجاري Yahoo لأنه أولاً اسم مميز وخاطف للانتباه، ولأنه ثانياً يرمز إلى الأحرف الأولى من تعبير باللغة الإنجليزية اتفقا عليها واعجبا به ومعناه: "وها هو دليل هرمي غير رسمي جديد"، وهو التعبير الذي كان يصف موقعهما وصفاً دقيقاً منذ اللحظة الأولى لإنشائه بوصفه موقعاً يهدف بالمقام الأول إلى مساعدة متصفحفي الإنترنت على العثور على المعلومات والمواقع التي يبحثون عنها بسهولة وبدون الحاجة لتجربة العديد والعديد من الأسماء والعناوين قبل التمكن من الوصول إلى الوجهة المرادة. وبنهاية العام 1994م كان موقعهما قد تلقى أكثر من مليون زيارة من زوار مختلفين، الأمر الذي جعل (يانج و(فيلو) يوقنان بأن ثمة حالة من الإقبال الشديد والمتنامي على مواقع الإنترنت الفهرسية التي تحاول تنظيم محتوى الشبكة وتسهيل وصول متصفحيها إلى المواقع والمعلومات التي يبحثون عنها، وخاصة في ظل التوسع الهائل الذي تشهده الشبكة بلا توقف منذ منتصف التسعينيات سواء من حيث كم المعلومات المتاح على الشبكة أو من حيث نوعيتها وسعياً منهما لتعظيم قدرتهما على جني الأرباح من وراء موقعهما الجديد هذا الذي بدأ يجذب الأنظار بوضوح، فقد قررا في ابريل 1995م تحويل شراكتهما الشخصية إلى شركة مساهمة وكان رأس المال الابتدائي الذي انطلقت شركتهما به يقدر بنحو 33.8مليون دولار تم جمعها عبر بيع 2.6مليون سهم بسعر 13دولاراً للسهم الواحد. أما عن السبب الذي جعلهما يضيفان علامة التعجب إلى الاسم التجاري لشركتهما ليصبح Yahoo! بدلاً من Yahoo فهو انهما اكتشفا عند محاولتهما تسجيل الاسم التجاري للشركة ان الاسم Yahoo محجوز بالفعل لنوع من العصائر لذا فقد أضافا علامة التعجب على سبيل تمييز اسمهما التجاري عن ذلك الاسم الآخر. ومن المؤكد ان علامة التعجب في اسم شركتهما التجاري كان لها دور واضح في لفت المزيد والمزيد من الأنظار إلى ذلك الموقع الذي تحول بمرور السنين إلى اسطورة الإنترنت التي يكاد لا يقوى أحد على تصفح الشبكة بدون المرور عليها. لقد بدأ ياهوو كهواية طلابية أراد بها (يانج) و(فيلو) تمضية الوقت بشكل نافع أثناء إقامتهما بالسكن الجامعي الملحق بجامعة ستانفورد حيث كانا يدرسان للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية ولكن لا شك ان عدة عوامل قد تداخلت وتفاعلت على نحو مثالي فجعلت من تجربتهما تلك علامة فارقة في تاريخ الإنترنت حيث يحلو للبعض التاريخ للإنترنت عبر مرحلتين: الأولى هي ما قبل ياهوو والثانية هي ما بعد ياهوو ويقول (جيري) ان دافعه الأساسي لإنشاء موقع الكتروني للبحث المفهرس عن المعلومات والعناوين على الإنترنت هو ان رسالة الدكتوراه التي كان يكتبها في العام 1994م قد تضخمت قائمة مصادرها ومراجعها الالكترونية بشدة على نحو كان يصعب معه الوصول إلى أي منها بدون اضاعة بعض الوقت في البحث والتخمين والتجربة والخطأ ومن ثم فقد فكر في إنشاء بوابة الكترونية تساعده هو وصديقه (يانج) في الوصول إلى المعلومات والعناوين التي يطلبانها بدون عناء. وعلى ما يبدو فإن تلك الحاجة للتنظيم الالكتروني لم تكن خاصة بهما وحدهما وإنما كانت بمثابة حاجة عالمية شائعة في ذلك الوقت، فالإنترنت في بدايات انتشارها التجاري والاجتماعي الواسع لم تكن مرتبة ولا منظمة على الاطلاق كما نعرفها اليوم وإنما كانت شديدة العشوائية والارتجال. ومما يؤكد الحاجة العالمية الواسعة إلى تنظيم محتوى الشبكة في ذلك الوقت علاوة على معدلات الزيارة الهائلة للموقع ان طرحهما اسهم شركتهما للاكتتاب العام في بورصة نيويورك حقق نجاحاً كبيراً وشهد تدافعاً من عشرات من المستثمرين ورجال الأعمال والمغامرين والمضاربين الذين ما ان عرفوا طبيعة عمل تلك الشركة الجديدة حديثة التأسيس وقيمة الخدمة التي ستؤديها حتى اقبلوا على شراء أسهمها إقبالاً شديداً جعل الاكتتاب يحقق تغطية بمعدل ثلاثة أمثال عدد الأسهم المطروحة للبيع. وقد انشأ (جيري) و(يانج) مقراً صغيراً لشركتهما في ولاية كاليفورنيا حيث منطقة وادي السيليكون التي تتمركز فيها الغالبية العظمى من شركات تقنية المعلومات والاتصالات الكبرى مثل ميكروسوفت وإنتل وإتش بي، الأمر الذي منح الشركة مزيداً من الشهرة والحضور إلى جوار الكبار وفي العام 1995م قرر الشريكان تعيين رئيس تنفيذي للشركة يتولى التخطيط الاستراتيجي لها والإشراف على تنفيذ المخططات طويلة المدى وقد وقع اختيارهما على (تيم كوجل) وهو أحد المديرين السابقين بشركة موتورولا للاتصالات وقد كان مثلهما من خريجي قسم الهندسة الكهربائية بجامعة ستانفورد العريقة كما وقع اختيارهما على (جيفري ماليت) كمدير عام للشركة وهو كان من قبل المشرف العام على العمليات الخاصة بمعالج الكلمات الشهير "وورد بيرفكت" الذي كانت تنتجه شركة نوفيل للنظم. ويبدو ان معدل النجاح الذي حققته الشركة في عامها الأول تحت امرة القيادات الجديدة كان كبيراً على نحو لافت، حيث قررت الشركة في ابريل 1996م إصدار طرح جديد من الأسهم لتمويل أنشطة التوسع والنمو التي لم تتوقف الشركة عنها منذ نشأتها تقريباً. وفي العام 1997م قررت الشركة اقتحام عالم البريد الالكتروني وبرامج المحادثة الفورية فقامت بشراء شركة Four11 وحصلت على بوابة البريد الالكتروني وبرنامج المحادثة الخاصين بها وأعادت الشركة تسميتهما واطلقت بالتالي الاسمين التجاريين الكبيرين: ياهوو ميل (بريد ياهو الالكتروني) وياهو ميسنجر (برنامج ياهو للمحادثة الفورية). ويمكننا القول ان إضافة خدمات البريد الالكتروني والمحادثة إلى خدمة البحث والتنظيم الالكتروني جعلت ياهو تحقق نمواً وانتشاراً استثنائيين في غضون سنوات قليلة، حيث تضاعف حجم أرباحها خمس مرات بين العامين 1997م و1999م وبداية من العام 2000م بدأت الولاياتالمتحدة تعرف ما سمي بفقاعة الدوت كوم، وهو الكناية عن تعاظم أرباح وأسعار أسهم الشركات الالكترونية مثل إي باي وامازون دوت كوم وغيرهما، ولا شك ان ياهوو كانت على رأس المستفيدين من تلك الفقاعة أو الطفرة سواء من حيث الأرباح أو من حيث أسعار أسهمها أو من حيث الانتشار الإجمالي. وحتى بعد ان تراجعت معدلات نمو شركات الدوت كوم بداية من العام 2002م (وهو ما سمي بانحسار الدوت كوم) فإن ياهوو ظلت قوية كما هي ولم تتأثر سلبياً كما تأثر البعض الآخر ويبدو ان دخول ياهوو المبكر إلى عالم محركات البحث والخدمات الالكترونية المتكاملة جعلها تتمتع بقوة ونفوذ تفتقر إليهما العديد من الشركات الأخرى الشهيرة. وتعتبر ياهوو اليوم عملاقاً الكترونياً بكل معاني الكلمة. فهي تملك مبنى إدارياً عملاقاً في سانيفال بكاليفورنيا وتملك مكاتب في العديد من المدن في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية واستراليا وكندا وفي العديد من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن ناحية الخدمات التي تقدمها الشركة فإننا نجدها خدمات شديدة التنوع والنفع لكل مستخدم للإنترنت حول العالم إذ تشتمل قائمة خدمات الشركة على البريد الالكتروني والمحادثة الفورية والخدمات الاخبارية والترفيهية والتجارية وخدمات استضافة المواقع والنطق علاوة بالطبع على خدمة البحث عن المعلومات والصور والمواقع وهي الخدمة التي بدأت الشركة بها ولأجلها بالتحديد. ورغم ان ياهوو منذ العام 2005م تواجه بعض المشاكل المالية وتواجه منافسة حادة من شركتي جووجل وميكروسوفت العملاقتين إلاّ أنها تحاول النهوض من جديد والعودة لتبوء مركز الريادة كما ظلت دائماً منذ نشأتها وهو الأمر الذي يمكننا التأكد من حقيقته في ضوء مراجعة مؤشرات أداء الشركة المالية والتقنية للعام 2007م ومقارنتها بمؤشرات العامين السابقين عليه حيث سنجد ان الأداء في العام 2007م كان أفضل بوضوح منه في العامين السابقين وان كان لا يرقى بالطبع إلى أدائها في فترة طفرة الدوت كوم. ومازال هدف ياهوو الأعلى، كما يقول (يانج) هو تحقيق المزيد والمزيد من الانتشار في كل يوم، ومازالت الشركة تهدف إلى ان يصبح موقعها هو الوجهة الأولى لأكثر من نصف مستخدمي الإنترنت حول العالم بمجرد ان يشغلوا أجهزتهم ويدخلوا إلى الشبكة وهو هدف عسير بالطبع في ضوء تنامي شعبية مواقع مثل جووجل وإم إس إن، ولكن التجربة العملية أثبتت ان لا شيء في العالم صعب على (يانج) و(فيلو).