رفعت المشاهد التي بثها تلفزيون بلغراد لطائرة الشبح الاميركية - الأطلسية التي "أسقطتها المضادات الجوية اليوغوسلافية"، معنويات السكان في صربيا الى درجة كبيرة، بعدما كان الخوف من الهزيمة استشرى في صفوفهم. وجاء ذلك ليؤكد لهم صحة ما أعلنته حكومتهم سابقاً عن اسقاط تسع طائرات "معادية" لكن "من دون ان تتكحل عيونهم برؤية حطام احداها". وزار مراسل "الحياة" مع مجموعة صحافيين موقع سقوط الطائرة قرب مدينة شاباتس القريبة من حدود البوسنة، ما ادى الى الاعتقاد ان الطيار "كان يحاول الوصول الى البوسنة وفق التعليمات المقدّمة للطيارين الأطلسيين". وعر ض موظف في وزارة الاعلام على الصحافيين قطع قماش عليها دماء، ذكر انها للطيّار الاميركي "ما حدا الى الاعتقاد بأنه اصيب بجروح خطيرة". وذكر مرافقو الوفد الصحافي ان تعليمات أُعطيت الى اجهزة الدفاع المدني في غرب صربيا لمتابعة الطائرة بعدما اصيبت بصاروخ "سام - 6" عندما حاولت قصف مواقع شمال غربي بلغراد وشوهدت النيرات فيها وهي تتجه نحو الغرب. وافاد مواطنون في الدفاع المدني في المنطقة انهم لم يستطيعوا العثور على الطيار "لأن الوقت كان ليلاً اضافة الى الادغال في المنطقة وقربها من البوسنة ما وفّر السرعة لانقاذه من قبل وحدة لحلف الاطلسي موجودة في الاراضي البوسنية". وعندما سأل الصحافيون سكان المنطقة ماذا كانوا سيفعلون لو قبضوا عليه حيّاً، أجابوا: "كنا نعطيه الطعام والشراب ونُظهر له طيبتنا وكرامتنا ونؤكد له اننا نعلم جيداً انه مأمور ويؤدي واجبه وليس مذنباً والمجرمون بحقنا وحقه، هم الذين أرسلوه". واحتفاء بهذا النصر تبرعت الفرق الغنائية والموسيقية الصربية وأقامت امس الاحد حفلاً جماهيراً في ساحة الجمهورية ريبوليكا في وسط بلغراد تحت شعار "صربيا ليست مونيكا". وحضر الحفل ما لا يقل عن 300 ألف مواطن رقصوا وغنّوا وأنشدوا مع الفرق الأغاني الوطنية والعاطفية ورفعوا شعارات تندد ب "العدوان الاميركي" على يوغوسلافيا من بينها "كلينتون: نحن بانتظار طائرة فانتوم 117 اخرى". واستمر مهرجان الفرح بصورة اعتيادية على الرغم من دوي صفارات الانذار بين وقت وآخر. وكان الحاضرون يصيحون كلما سمعوا اصوات الصفارات "نتحدى... نتحدى". وفي الوقت ذاته، قام حوالى الفي شخص من الاقليات الألبانية والتركية والغجرية والمصريين قومية محلية ذات جذور مصرية جاؤوا من كوسوفو بتظاهرات امام مباني السفارات الاميركية والالمانية والفرنسية والبريطانية في بلغراد ورفعوا شعارات تقول "نحن سكان كوسوفو نريد الحقوق والسلام… من دون انفصال". وبدا واضحاً ان العمليات الجوية الأطلسية غيّرت الكثير من المواقف السياسية في صربيا وهو ما اوضحته المحامية رادميلا بوغدانوفيتش التي تحدثت الى "الحياة" خلال الحفل الغنائي الجماهيري امس وقالت: "انا من حزب جينجيتش زوران - الديموقراطي المعارض وكنت مناوئة للعنف في كوسوفو من اي جهة جاء، لكنني تحوّلت الآن الى حاقدة على قطاع واسع من الألبان لأنهم لم يكتفوا بجعل انفسهم ذريعة للحلف الاطلسي لمهاجمة يوغوسلافيا وقتل اناس ابرياء فيها وانما عبّروا ايضاً وجهاراً عن ابتهاجهم بهذه الضربات". واضافت "اذا لم يغيّر جينجيتش وحزبه مواقفه المعارضة لعمليات القوات الصربية الساعية الى القضاء على الانفصاليين الألبان وجيشهم التحرير فإني سأنسحب من هذا الحزب وانتقل الى الحزب الديموقراطي المعارض لميلوشيفيتش كنظام والمؤيد لحقوق الصرب الكاملة في كوسوفو". ومن جهة اخرى ، دوّت صفارات الانذار معظم ساعات امس وكان القصف قليلاً "على رغم بدء المرحلة الاطلسية الثانية الاكثر شدة". وتركز القصف على المنطقة القريبة من المطار المدني. ولكن السلطات دحضت ادعاءات الأطلسي ان في المنطقة قاعدة عسكرية، وقالت ان "كل ما فيها بنايات وساحات لأمور التدريب ومراكز رياضية وغابات للنزهة". وعلّق المواطنون الصرب آمالاً كبيرة بانهاء العمليات الاطلسية على الوساطة التي يقوم بها رئيس الوزراء الروسي السابق ايغور غيدار. ويسود الاعتقاد ان الوساطة ذات خطة دولية تشارك فيها فرنسا وايطاليا الى جانب روسيا وانها عرضت على الادارة الاميركية، "وتعطي مجالاً لانتشار قوات دولية في كوسوفو غير اطلسية".