بدأ المجلس الدستوري الجزائري أمس درس ملفات المترشحين ال 12 للانتخابات الرئاسية في 15 نيسان ابريل المقبل الذين قدموها أول من أمس وفق الشروط المطلوبة 15 شرطاً ومنها جمع 75 ألف توقيع من 25 ولاية على الأقل من بين ولايات الجزائر ال 48، أو الاكتفاء بجمع 600 توقيع من الأعضاء المنتخبين في مجالس البلديات والولايات. وقدم جميع المترشحين توقيعات المواطنين باستثناء الشيخ محفوظ نحناح، رئيس حركة مجتمع السلم، الذي فضل أن تكون التوقيعات لانصاره من أعضاء المجالس المنتخبة على مستوى البلديات والولايات. ويشترط القانون ان يثبت المرشحون من مواليد ما قبل تموز يوليو 1942، انهم شاركوا في ثورة التحرير. وهذا شرط لا يتوافر في السيد محفوظ نحناح، على رغم ان السلطات الجزائرية تغاضت عنه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1995. ويعود الى انتخابات اليوم متنافسان من انتخابات 1995، هما الشيخ محفوظ نحناح الذي حصل وقتها على 25.58 في المئة من أصوات الناخبين والسيد نورالدين بوكروح الذي حصل على 3.81 في المئة، ويقاطعها المرشح الثالث السيد سعيد سعدي الذي حصل على 9.60 في المئة من الأصوات. ويقاطع سعدي انتخابات هذه السنة بحجة غياب المراقبين ورفض طلبه تعديل قانون الانتخابات. لكن بعض المحللين يعللون غيابه بكون منافسه في منطقة القبائل السيد حسين آيت أحمد سيشارك في هذه الانتخابات. وسيدرس المجلس الدستوري برامج المترشحين قبل الموافقة عليها ويرى مدى مطابقتها للتعهد الكتابي الذي يوقعه المترشح والمتضمن عدم استعمال المكونات الأساسية للهوية العروبة، الاسلام، والأمازيغية لأغراض حزبية، ونبذ العنف واحترام الحريات الفردية والجماعية وتبني التعددية والتمسك بالديموقراطية واحترام مبادئ الجمهورية والتداول على السلطة. ويصرّ القانون على أن يقوم المترشح نفسه بتقديم ملفه في مقابل وصل، وهو ما فعله المترشحون ال 12 أول من أمس من مجموع الذين سحبوا استمارات التوقيع من وزارة الداخلية وبلغ عددهم 48 شخصاً. ولوحظ عدم قدرة رئيسي حكومتين سابقتين هما السيدان بلعيد عبدالسلام 8 تموز/ يوليو 1992 - 20 آب/ اغسطس 1993، ورضا مالك 21 آب 1993 - 10 نيسان/ ابريل 1994، على جمع التوقيعات المطلوبة. وإذا كان الأول أصدر بياناً أعلن فيه انسحابه من المنافسة لعدم حصوله على ال 75 ألف توقيع المطلوبة، فإن الثاني لم يعلن أي موقف أو يعلق، على رغم تأكيداته للصحافة بأن جمع التوقيعات لا يشكل مشكلة. لكن، مثلما هو معروف، فإن مالك فشل في الانتخابات الرئاسية في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1995، في جمع هذه التوقيعات. وإذا كانت انتخابات 1995 شهدت مقاطعة من ستة أحزاب فاعلة وهي المجموعة الموقعة "عقد روما"، فإن هذه الانتخابات يقاطعها حزبان فقط هما التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية وحركة المجتمع الديموقراطي للسيد الهاشمي الشريف. وأفادت مصادر قريبة من المجلس الدستوري أمس انه تلقى إيداع 12 ملفاً: 8 مترشحين أحرار مستقلين، و4 باسم أحزاب. ومن بين هؤلاء ثلاثة رؤساء حكومات ووزيرا خارجية. وشكل عدم حصول مالك وبلعيد عبدالسلام على ال 75 ألف توقيع، مفاجأة لدى بعض الأوساط، خصوصاً ان طبيباً غير معروف في الوسط السياسي هو السيد الصديق مناسل تمكن من جمع 75 ألف توقيع. وعلى رغم ان السادة مقداد سيفي وسيد أحمد غزالي وعبدالله جاب الله تأخروا في بدء جمع التوقيعات، إلا أنهم أحدثوا مفاجأة لبعض المراقبين. كذلك سُجل اختفاء السيد الشريف بلقاسم من السباق الرئاسي. ولوحظ ان الحاملين لشعار "العداء لمرشح الاجماع" عبدالعزيز بوتفليقة لم يتمكنوا من جمع التوقيعات المطلوبة، بينما تمكن من التزموا الصمت ازاء هذا المرشح من تحقيق ذلك، وهناك من يقول ان حصة "تداول" التلفزيونية التي تبث يومي الجمعة والثلثاء مباشرة من فندق الجزائر، وتنقل مباشرة عبر الاذاعة الجزائرية، ساهمت في حصول السيدين مقداد سيفي وسيد أحمد غزالي على التوقيعات المطلوبة. وفي هذا السياق، أعلنت "مداومة" مقداد سيفي مساء أول من أمس انها تمكنت من جمع 30 ألف توقيع بعد الحصة التلفزيونية. أوجه الالتقاء والاختلاف بين المترشحين ويمكن اعتبار كل من المترشحين أحمد طالب الابراهيمي، عبدالله جاب الله، لويزة حنون، من أنصار التيار الاصلاحي الذي يعتبر ان المشكلة في أساسها سياسية، ويطرح المصالحة حلا للأزمة. ويُلمس في خطابات هؤلاء المترشحين التوجه نحو تحميل السلطة مسؤولية الأزمة التي نجمت عن وقف المسار الانتخابي عام 1992. وعلى رغم أن الشيخ محفوظ نحناح من الشخصيات الاسلامية، إلا أنه لا يطرح المصالحة حلاً. وانما يعتمد على سياسة دعم المؤسسات الموجودة، على عكس الآخرين الذين يطالبون بتعديل في القوانين، وحتى في الدستور. ويلتحق المرشح حسين آيت أحمد جبهة القوى الاشتراكية بمجموعة "المصالحة الوطنية". لكنه أكثر منهم واقعية في معالجة القضايا الاقتصادية التي تكاد لا تكون موجودة في برامج مؤيدي التيار الاسلامي. وترى أوساط سياسية ان هناك خمسة مترشحين يراهنون على أصوات التيار الاسلامي، وهم محفوظ نحناح، عبدالله جاب الله، أحمد طالب الابراهيمي، لويزة حنون، وحسين آيت أحمد، الى جانب مؤيديهم الحزبيين. ويقابل هذا التيار، مجموعة من المترشحين الأحرار أو الحزبيين، وهم: مقداد سيفي، سيد احمد غزالي، نورالدين بوكروح. وهؤلاء يتنافسون على أصوات القطب الديموقراطي، ويولون العداء للتيار الاسلامي. وفي مقابل ذلك، يبقى كل من المترشحين الأحرار عبدالعزيز بوتفليقة ومولود حمروش ويوسف الخطيب، من ضمن الأسرة الثورية التي تتنافس حول أصوات المجاهدين وأبنائهم وأبناء الشهداء. ويبقى "المرشح اللغز" وهو الدكتور الصديق مناسل الذي لا يكاد يعرفه أحد من الطبقة السياسية والاعلامية في الجزائر، وهو مجاهد، طبيب تلقى تعليمه في يوغوسلافيا بلغراد، وتمكن من جمع 85 ألف توقيع. وله نخبة مساندة في تونس. وهو من مواليد قسنطينة شرق ومسقط رأسه تبسّة حيث جمع أكبر عدد من التوقيعات، الى جانب العاصمة الجزائر والمدية. وهو معروف باسم "سي الرشيد" منذ أيام مشاركته في الثورة. ويقول ان اعلانه دخول هذه المعركة "يؤكد اصراره على التغيير ومحاولة انقاذ الشعب الجزائري من تسلط رجال المصالح الضيقة". وهو اعلن ترشحه الاسبوع الماضي في فندق الأوراسي، ولم توليه الصحافة أهمية. ويقول انه انعزل عن السياسة مدة 20 سنة حيث كان يتعلم في معهد العلوم السياسية. وترى أوساط سياسية ان المترشحين الأوفر حظاً في الفوز هم أربعة: عبدالعزيز بوتفليقة، أحمد طالب الابراهيمي، مولود حمروش، وحسين آيت أحمد. وتذهب الأوساط نفسها الى أن بقية المترشحين هم مجرد أرقام تضاف في الدورة الثانية الى أحد المترشحين الأساسيين ليفوز بالانتخابات الرئاسية. فالسيد عبدالعزيز بوتفليقة يتقاسم معه الأصوات في غرب الجزائر السيد سيد أحمد غزالي، وفي وسط الجزائر السيد يوسف الخطيب، وفي الشرق الجزائري السيد مقداد سيفي باعتباره انشق عن التجمع الوطني الديموقراطي الذي ساند بوتفليقة. أما السيد أحمد طالب الابراهيمي فينافسه على أصوات الاسلاميين الشيخ محفوظ نحناح وعبدالله جاب الله، ولويزة حنون. أما السيد مولود حمروش فإن منافسه الأساسي هو السيد نورالدين بوكروح رئيس حزب التجديد، وهو ينافس في الوقت نفسه حسين آيت أحمد. ويبقى السيد آيت أحمد من دون منافس على مستوى الأصوات البربرية. لكنه يتنافس مع مولود حمروش على الأصوات "الديموقراطية". والملاحظ ان "المرشح المفاجأة"، السيد الصديق مناسل، لا يطرح في برنامجه ما يميزه عن برنامج السيد يوسف الخطيب. وقد أصدر أمس بياناً يقول فيه انه أثناء تقديمه ملفه أمام المجلس الدستوري، فوجئ بالسيد حسين ايت أحمد - الذي جاء بعده - يأخذ مكانه. ولا يوجد كذلك فرق كبير بين برامج المترشحين على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. فجميعهم مع الاصلاحات الاقتصادية التي بدأت بها الجزائر، وجميعهم مع تكريس التضامن الاجتماعي. اما على الصعيد السياسي فإن مجموعة منهم مع الابقاء على المؤسسات المنتخبة والنصوص القانونية وتطويرها سواء بالرقابة أو دعمها بنصوص جديدة، وهناك من يطالب بإعادة النظر في المؤسسات لأنها نتجت عن "عمليات تزوير" في الانتخابات ويطالب بتعديلات حتى في الدستور. أما على الصعيد الأمني فإن هناك اتجاهين: - اتجاه يدعو الى الحوار والمصالحة في اطار القانون. ويتبناه كل من أحمد طالب الابراهيمي ولويزة حنون وحسين آت أحمد وعبدالله جاب الله. وتقاطع معهم عبدالعزيز بوتفليقة ومحفوظ نحناح اللذان يدعوان الى حوار من دون اقصاء مع التنديد بالارهاب واستئصاله نهائياً. أما الاتجاه الثاني، وتتبناه بقية المترشحين فهو مواصلة محاربة الارهاب، وغلق ملف "الانقاذ"، وتقليص الأصولية ومحاربتها. وان كان مولود حمروش غير واضح في هذه النقطة