فيما الانسحاب الاسرائيلي من مزيد من الأراضي الفلسطينية، بموجب اتفاقات موقعة، يتعطل، اقرأ في الجرائد ان الشهر القادم سيشهد انتقال السلطة سلمياً في منطقتين من العالم، هما أبعد ما تكون احداهما عن الأخرى. الولاياتالمتحدة ستسلم إدارة قناة بنما الى دولة بنما بعد وجود لها فيها استمر مئة عام تقريباً، كما ستعيد البرتغال مستعمرة ماكاو الى الصين بعد 400 سنة من حكمها. وكانت بريطانيا أعادت مستعمرة هونغ كونغ الى الصين سنة 1997، بعد انتهاء عقد استئجارها 99 عاماً. لم يبق في أي مكان من العالم احتلال أو استعمار سوى الاحتلال الاسرائيلي ومستعمراته. وفي حين يعقد فرقاء حول العالم اتفاقات وينفذونها، فاننا مع اسرائيل نعقد اتفاقاً، ثم نعقد اتفاقاً آخر لتفسيره، ثم لا ينفذ الاتفاق الأول أو الثاني. وما على القارئ سوى أن يتذكر أنه بعد اتفاقات أوسلو، كان هناك اتفاق طابا، واتفاق الخليل، وواي -1 وواي -2، ثم اتفاق شرم الشيخ الأخير في أيلول سبتمبر الماضي، وهذا لتفسير اتفاق واي الذي فسر بدوره اتفاق طابا الذي فسر اتفاقات أوسلو. والنتيجة ان الفلسطينيين اليوم استردوا أقل من 38 في المئة من أرض الضفة الغربية، ويمارسون سيادة مختلطة عليها، وهذه أقل من خمسة في المئة من أرض فلسطين التاريخية. ثم يأتي رئيس وزراء اسرائيل "المعتدل" ايهود باراك و"يغصّ" باثنين في المئة من أرض من الضفة يفترض أن تكون منطقة الف، أي تحت ادارة السلطة الوطنية الفلسطينية الكاملة. في مقابل هذا التعنت الاسرائيلي والعجز الفلسطيني والعربي تعيد البرتغال الى الصين مستعمرة تضم 430 ألف نسمة، من دون مشكلة أو جدل. وليس الأمر ان الصين أقوى، فالولاياتالمتحدة أقوى دولة في العالم، ومع ذلك أعادت الى بنما الصغيرة قناة تمثل شريان نقل حيوياً واستراتيجياً للولايات المتحدة، فهناك اتفاقات والدول تعقدها لتنفذها، الا عندما يكون الموضوع اسرائيل. بصراحة، تعبت من الموضوع العربي واحبطت. وبعد أن قارنت الوضع بين ماكاو وقناة بنما من جهة والانسحاب الاسرائيلي المحدود من جهة أخرى، توقفت وبدأت البحث عن خبر يرفع من معنوياتي. لم أجد مثل هذا الخبر طبعاً، غير أن أقرب شيء اليه وجدته في الجدل المستمر حول طرد ا.م. روزنتال من "نيويورك تايمز"، وهو حدث علّقت عليه قبل أيام. وكان يمكن أن يغلق الموضوع في حينه، غير أن روزنتال الذي عمل في "نيويورك تايمز" 56 سنة عض اليد التي أطعمته طوال هذه السنين، وحمل على خلفه ماكس فرانكل بعد أن كان هذا قال في كتاب سيرته الشخصية ان "روزنتال اسوأ مدير تحرير عرفته نيويورك تايمز، وهو لم يفعل شيئاً يليق بعظمة الجريدة". وأضاف انه بدا متردداً ومنهاراً خلال المواجهات الصحافية الكبرى، كما حدث في موضوع أوراق البنتاغون التي فضحت دقائق التورط الأميركي في حرب فيتنام. ورد روزنتال انه لم يقرأ كتاب فرانكل، الا أنه كان يكذب طبعاً، فقد علّق بدقة على مادته. وهو قال ان فرانكل جبان وكاذب، وقال ان قراءة كتابه تعادل الدوس على فضلات كلب. طبعاً، الاثنان مصيبان في حكم كل منهما على الآخر، الا أنني غير مهتم بفرانكل، وانما سرني طرد روزنتال من تلك الجريدة الأولى في العالم، ثم سرني نشر الغسيل الوسخ على سطوح نيويورك، وهي عالية. وبما أن روزنتال تحدث في عدد قادم من مجلة "فانتي فير" فلا بد أن يرد عليه فرانكل وغيره. وربما كان في الوحل المتبادل ما يستحق اطلاع القارئ العربي عليه. طبعاً مصير روزنتال لا يعوض عن شجرة نخرها السوس في الضفة الغربية، ناهيك عن اثنين في المئة، ولكن أحاول أن أسري عن نفس القارئ ونفسي، فأترك هذا القارئ الصامد مع دعوة تلقيتها لحضور مؤتمر في غزة. الدعوة كانت من الأخ حسام النونو، منسق لجنة تنظيم المؤتمر الرابع للصحة العقلية في غزة، وموضوعه هذه السنة "المرأة في فلسطين". ويا أخ حسام، أنا لا أتدبر أمري مع النساء العاقلات، فالرجاء ان تعفيني من النساء الأخريات، مع سؤال سريع هو: كيف تعرف الفرق؟