في الوقت الذي تستقبل (اسرائيل) والأسرة الدولية الوثائق كدليل قاطع على المواقف المعتدلة للقيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، فان قيادة حماس، وكذا في أوساط خصومهم في قيادة فتح، سيكون هذا دليلا آخر على ما يُسمونه «الانهزامية العميقة» للسلطة الفلسطينية. يجهد عباس دائماً للسير على الحبل الدقيق بين الرغبة في كسب عطف الرأي العام الاسرائيلي والعالمي، والحاجة لحماية ظهره من سكاكين الخصوم الداخليين. الشائعات عن نيته الاعتزال في السنة القريبة المقبلة أعطت الاشارة لصراع الخلافة. منذ وقت غير بعيد أعلن عباس الحرب على محمد دحلان بدعوى انه مل الانتظار وبدأ يخطط لانقلاب أبيض. دحلان ليس الوحيد في فتح ممن سجل واحتفظ بالبث الخاص ل «الجزيرة». على أي حال ليست هذه صدفة ان تحظى الشبكة العربية الشعبية بالغنيمة الصحافية السمينة. المحاضر التي انكشفت في قناة «الجزيرة»، أهم من الوثائق التي انكشفت مؤخرا في موقع «ويكيليكس». توثيق المحادثات التي جرت في العام 2008 بين رؤساء الفريق الفلسطيني المفاوض ووزيرة الخارجية آنذاك، تسيبي لفني، والمسؤولين الأميركيين، ليست فقط فصلا في التاريخ. اقتراحات الحل الوسط التي عرضها الفلسطينيون للحدود الدائمة في الضفة وفي شرقي القدس، سارية المفعول حالياً. الخريطة الفلسطينية التي عُرضت على ايهود اولمرت وممثلي ادارة بوش وضعت قبل بضعة أشهر أمام مبعوث الرئيس أوباما، السناتور جورج ميتشيل، وبعد ذلك رُفعت الى المحامي مولخو، ممثل رئيس الوزراء نتنياهو، غير أن مولخو رفض استلام الوثيقة. الوثائق المسربة تدحض ادعاء زعيم حزب «الاستقلال» الجديد ايهود باراك ورئيسه نتنياهو بأنه لا يوجد «شريك». وهي تكشف استعداد الفلسطينيين للذهاب بعيداً من أجل الدولة المستقلة. كالتنازل عن كتلة الأحياء اليهودية في القدس ومحيطها، غوش عتصيون والمستعمرات الملاصقة للخط الأخضر. كل هذا مقابل أراضٍ من الجانب الغربي لهذا الخط، بما في ذلك ارض في منطقة «الجلبوع» وسفوح جبل الخليل. وبحسب الخريطة التي كُشفت قبل أسبوعين، فان الخلافات الجغرافية كانت ولا تزال متركزة في مناطق «اريئيل» ، «غوش الكنا»، «غوش معاليه ادوميم» وحي «هار حوما» (جبل أبوغنيم) في القدسالشرقية (الذي أُقيم بعد اتفاق اوسلو). وتؤكد وثائق «الجزيرة» أن القيادة الفلسطينية كانت مستعدة لأن تتنازل عن سيادة حصرية في البلدة القديمة وتستبدلها بنظام خاص. توقيت نشر الوثائق المسربة يثير الاشتباه بأن خطة الدولة الفلسطينية في حدود مؤقتة، لوزير الخارجية افيغدور ليبرمان، جاءت لتكون ضربة وقائية للصيغة الفلسطينية. ولكن التمعن في المضمون يوضح الفجوة بين التوقعات الفلسطينية والفتات الذي يرغب ليبرمان في القائه لهم. فبعد قراءة الوثائق، فان تسمية كلمات ليبرمان بأنها «خطة سياسية»، مثلها مثل تسمية لجنة التحقيق البرلمانية للتحقيق مع منظمات اليسار مبادرة لتشديد الشفافية للجمعيات في اسرائيل. إن الخريطة التي «يقترحها» ليبرمان على الفلسطينيين كتسوية انتقالية بعيدة المدى (45 – 50 في المائة من الضفة مع تبادل للاراضي) تلغي الخريطة التي اقترحها عليهم ايهود باراك والرئيس كلينتون (94 – 96 في المائة) قبل أكثر من عشر سنوات. وهي تتجاهل الخريطة التي عرضها ايهود اولمرت على عباس (93.5 في المائة زائد ممر من غزة الى الضفة). أمس نشرت في «نيويورك تايمز» خريطة رسمها ديفيد ماكوفسكي من المعهد الواشنطني للسياسات في الشرق الأوسط، والتي تتضمن أراضي في الخط الاخضر ستنقلها (اسرائيل) الى الفلسطينيين مقابل الكتل الاستيطانية. غرفة ماكوفسكي مجاورة لمكتب دنيس روس، الذي يعمل كمستشار كبير لادارة أوباما في المسيرة السلمية. وثائق «الجزيرة» و»خطة ليبرمان» ستكونان أمام ناظر أعضاء الرباعية حين يبحثون بعد أسبوعين في ميونيخ في السبل لانقاذ المفاوضات من جمودها. ليس صعبا أن نُخمن من منها سيؤثر فيهم أكثر. عكيفا الدار صحيفة «هآرتس»