بدا أمس ان الأزمة السياسية في الجزائر تتجه الى مزيد من التعقيد. إذ شن نائب قريب من المؤسسة العسكرية هجوماً لاذعاً على الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، متهماً إياه بتوجيه تهديدات اليه عبر ضابط كبير متقاعد. إشتكى السيد عبدالقادر حجار، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان وأحد أبرز قيادات جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم سابقاً، من تهديدات بالقتل زعم انها وردت من محيط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بهدف حمله على الصمت، بعد سلسلة إنتقادات تناولت الرئيس الجزائري خلال الأسابيع الماضية تركزت اساساً على موقف الأخير من التعريب وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ووزّعت "وكالة الأنباء الجزائرية" أول من أمس رسالة حجّار، الشديدة اللهجة، إلى بوتفليقة، وتعرض فيها العضو القيادي في جبهة التحرير، الحزب الذي ينتمي إليه بوتفليقة، إلى سلسلة من "التجاوزات" التي قال ان الرئيس ومستشاريه في الرئاسة قاموا بها. وكشفت الرسالة التي أفادت الوكالة ان بوتفليقة التزم عدم قراءتها "إلا بعد نشرها" مثله مثل جميع المواطنين، تهديدات ضد حجّار وجهها عدد ممن ينشطون إلى جانب رئيس الجمهورية، مثل العقيد المتقاعد رشيد عيسات الذي قال انه بلغه انذاراً شديد اللهجة من جهة أمنية تدعوه الى الكف مستقبلاً عن أي حديث أو تصريح و"إلا ستتخذ ضدي الاجراءات المناسبة". وسجّل، في سياق رسالته، إنزعاجه "من حيث الجهة الآمرة بالانذار، جهة الصديق الكبير هو الذي يهددني ويتوعدني - اللهم فاشهد - ومن الطريقة التي تكون مقبولة لو دعاني من كُلّف بتبليغ الانذار على طريقته الهادئة - ولنا علاقة حميمة - وطلب مني بالاسلوب الواجب اتباعه في مثل هذه الحالات - وأنا شخصية معروفة وعضو قيادي في حزب ونائب في البرلمان محصن بحماية الدستور وقوانين الجمهورية - عما يصدر مني من أقوال أو مواقف. والآمر بالانذار هو حامي الدستور والساهر على تطبيق أحكامه بيمين مغلظة على المصحف الشريف". وبحسب حجار فإن العقيد المتقاعد رشيد عيسات، أحد مستشاري بوتفليقة، بلّغه تهديداً حاداً ودعاه إلى التوقف عن انتقاد الرئيس الأمر الذي دفع العضو القيادي في جبهة التحرير إلى القول ان "أسلوب التهديد وضغط الوعيد وعن طريق جهة أمنية فذاك عهد ولّى وأدبر وذاك أيضاً مخالف لتعهداتكم والتزاماتكم المعلنة في مجال حرية التعبير والتفكير". وكشف حجّار في رسالته المطولة عن تهديدات تلقاها في السابق من مسؤولي الإستخبارات. فذكر أن العقيد المتقاعد يزيد زرهوني، أحد مستشاري الرئيس بوتفليقة حالياً وهو الذي رأس لجنة تحضير القمة الإفريقية التي انعقدت في الجزائر قبل ثلاثة أشهر، سبق أن استدعاه الى مكتبه "عندما كان على رأس جهاز المخابرات، بتعليمات آنذاك من الرئيس، ووجّه اليّ انذاراً شديد اللهجة يطلب مني رفع الاضراب الذي عرفته كل جامعات الجزائر حول التعريب" سنة 1979. وقال ان الشيء ذاته قام به الهادي خديري، الذي شغل سابقاً منصب وزير الداخلية وكذلك منصب مدير الأمن الوطني "عندما وجّهتُ نقداً شديداً لبعض أعضاء مجلس الثورة - وأنتم واحد منهم - على إلقاء خطابكم بالفرنسية في الاممالمتحدة"، مشيراً في سياق حديثه الى أنه لن يصمت إلا إذا "أمرتم باغتيالي مع جنازة محترمة، فيا لها من خاتمة أرجوها لاختتم بها حياتي في ساحة النضال". وذكّر في هذا الصدد بأنه أعد "العدة اللازمة في حال الشروع في تنفيذه وهيأت له ما يتطلبه الموقف. وأنا جاهز لاسقاط المعبد علّي وعلى اعدائي من الوشاة المخادعين"، في إشارة إلى محيط بوتفليقة. واتهم حجار بوتفليقة بالإنسياق "تحت تأثير الوشاية، لاسلوب الانذار والخصام مع أصدقائكم والاقربين منهم اليكم على وجه الخصوص"، على رغم رفعه بوتفليقة "شعار الوئام مع القتلة والسفاحين". ومعلوم ان عبدالقادر حجار والجنرال المتقاعد العربي بلخير كانا من أبرز الذين عملوا من أجل ان يدعم الجيش بوتفليقة في الإنتخابات الأخيرة. لكن علاقة حجّار تدنّت أخيراً برئيس الجمهورية الأمر الذي أثار الرأي العام المحلي نظراً إلى الصلة الوثيقة التي كانت تجمع الرجلين. وكشف العضو القيادي في جبهة التحرير، في رسالته، ان الرئيس السابق اليمين زروال وجنرالين بارزين في الحكم حاولوا دعم ترشيح أحمد أويحيى رئيس الحكومة السابق، للرئاسة في الانتخابات التي جرت في 15 نيسان أبريل الماضي. وقال حجّار ان أويحيى "كان مرشح زروال وجزء من القيادة العسكرية للرئاسيات". وأضاف في نص الرسالة: "وتذكرون أنني نقلت لكم ما دار بيني وبين جنرالين مؤثرين حول احتمال ترشيحه أويحيى وكيف تمسكت مهدداً اياهم بتقديم تقرير التزوير الخاص بالمحليات الإنتخابات المحلية أمام المجلس الشعبي الوطني والتي كان فيها أويحيى مهندس ومفبرك الفضيحة الانتخابية". وكشف حجار ان بوتفليقة أبدى نيته في الترشح للرئاسة مباشرة بعد انسحاب الرئيس اليمين زروال، مما يعني أن التصريح الحاد الذي نشره اللواء المتقاعد خالد نزار في 14 ايلول سبتمبر 9819 عن بوتفليقة كان مبنياً على معلومات مؤكدة أن بوتفليقة ينوي الترشح. ويذكر حجار أنه التقى مع بوتفليقة "فى بيتكم وأطلعتموني على قراءتكم الذكية لتصريحي الصحفي حول تهجمات خالد نزار على شخصكم وأطلعتموني على نيتكم في الترشح للرئاسيات المسبقة". وكان نزار هاجم بوتفليقة بعنف واتهمه بأنه كان دمية في يد الرئيس الراحل هواري بومدين. وانتقد حجّار بوتفليقة لإيفاده رئيس الحكومة السابق بلعيد عبدالسلام الى عدد من رؤساء الدول الافريقية والعربية عشية إنعقاد القمة الإفريقية في الجزائر، مشيراً إلى ان بلعيد سبق له وأن "طالب من على شاشة التلفزيون بأن أفضل شيء يفعله بوتفليقة هو أن ينسحب، اضافة الى الاساءات التي ضمنها كتابه ضدكم". كذلك سجّل عدم رضاه على إيفاد بوتفليقة رئيس الحكومة السابق رضا مالك الى زعماء أجانب. ولفت الى ان مالك الذي "تهجم على شخصكم في حصة تلفزيونية، يحظى أيضاً بوفادتكم وبتنويهاتكم بعصرنيته في المهرجانات". التعريب والتطبيع ويبدو من خلال الرسالة المطولة أن ملف التعريب استأثر باهتمام التيار المحافظ في جبهة التحرير الذي لم يستسغ اختراق بوتفليقة قانون التعريب المجمد منذ تموز/ يوليو 1997 بطرح الموضوع في الشارع. وأشار، في هذا الصدد، إلى أن الادارة العمومية، بما في ذلك الرئاسة، "عادت إلى عادتها القديمة فأصبحت المراسلات والاجتماعات والتصريحات باللغة الفرنسية بما فيها مؤسسة الرئاسة رمز السيادة والاستقلال". وقال انه، في مقابل ذلك، عاد "بعض الطامعين في الاستوزار يتبارون أمام الرئيس أو في التلفزة علّهم يلفتون انتباهه لفرنستهم الديغولية حتى يميزهم أو يمايزهم على غيرهم من حماة الضاد البعثيين المنغلقين دون العصرنة والتحضر". وفي هذا الصدد، قال حجار الذي رأس لجنة التعريب في عهد بومدين، ان بوتفليقة لم يغير موقفه من هذا الملف منذ السبعينات "ذلك الموقف الذى أعلنه أمام الطلبة في ذلك التاريخ ويكاد يعيده بألفاظه ونبراته مع فارق بسيط: تحدث وقتها بالفرنسية لرواده وتحدث هذه المرة بالعربية لأتباعه، لكن محتوى الأفكار وقسوة الاحكام واختلال التعليلات والتبريرات وبنفس التهويمات حول تطور العلوم والمخترعات وعلاقتها باللغات الحية". وتساءل عن معنى دعمه للرئيس "صباحاً وتشتمونني ورفاقي في ساحة التعريب مساء وتعرضون بي وبهم وتتهمونني واياهم بالمتاجرة بقضية مقدسة كالتعريب. ثم رحتم تبالغون في الهجوم على كل من نبهكم او نصحكم ولو بطريقة اخوية وترددون بأنكم لا تقبلون النصيحة من أحد". وفي سياق ذلك، دعا حجار رئيس الجمهورية إلى عدم فتح "موضوع التعريب وقد فصل فيه الزمان والقانون والدستور وحلت مشاكله اجيال المدارس المعربة بملايين الشباب. فلا تفتحوا جبهة انتم في غنى عنها. ولا تفتعلوا خصومات مع الناس عامة ومع الاصدقاء على وجه الخصوص". وعن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الشعبي الوطني إلى أنه تفاجأ "برئيسنا يتلو على مسامعنا سفر اليهود بقسنطينة وينوه بدورهم في الثقافة الجزائرية وعلى امتداد عصور، وكأنه يريد ان يعدنا لشيء ما او يهيئنا مثلاً لعودة يهود الجزائر وقد انغمسوا وتجنسوا وصاروا معمرين ومستعمرين منذ 1871 وقاموا بأدوار وسخة قبلها تهيئة لاحتلال الجزائر وحددوا مصيرهم بأنفسهم عندما رحلوا مع الفرنسيين غداة الاستقلال" وبعد أن تساءل عن سر إعادة بوتفليقة طرح ملف يهود الجزائر في الوقت الراهن، إستغرب حجار قيام "رئيسنا في المغرب خلال جنازة الملك الحسن الثاني. يكسر أكبر التابوهات ويحلل أخطر المحرمات بمصافحته سفاح صبرا وشاتيلا ايهود باراك ومن معه من عصبة شواذ وشذاذ الآفاق مدنسي ردهات وصوامع المسجد الاقصى". رد بوتفليقة وفي رده على مضمون الرسالة، أوضح مصدر من الرئاسة لوكالة الأنباء الرسمية أن بوتفليقة "لا يخضع لضغط أو مساومة من حيث أتيا في الدفاع عن المصالح العليا للشعب"، مشيراً في سياق حديثه إلى أن المشاكل التي طرحها حجار "فصل فيها الشعب الجزائري بشفافية وصراحة لا غبار عليهما عبر فيها الشعب عن مؤازرته لسياسة رئيس الجمهورية". وسجل بأن نشر الرسالة كان "من باب اثراء الحوار وتوسيع حرية التعبير". وكان حجّار قال في رسالته انها خاصة وليست للنشر. وقال مصدر قريب من الرئاسة ان بوتفليقة إلتزم عدم الإطلاع على مضمون الرسالة إلا بعد نشرها مثله مثل جميع المواطنين، مذكّراً بأن رئيس الجمهورية "لا يتنكر وخاصة لمن يبادله بصدق وأمانة ووفاء هذه الاخوة والصداقة". وتؤكد مصادر موثوق بها أن تأكيد بوتفليقة أنه "لا يخضع لضغط أو مساومة من حيث أتيا في الدفاع عن المصالح العليا للشعب" وكذلك نشر مضمون الرسالة "كاملة غير منقوصة" عبر الوكالة الرسمية للأنباء يُعدان رسالة واضحة موجهة الى ضباط الجيش مفادها أنه مستعد لمواجهة الشعب بكل الحقائق التي قد يثيرها خصومه في المؤسسة العسكرية "مهما كانت خطورتها". وتعيد حملة حجّار على بوتفليقة الى الأذهان الحملة التي شُنّت العام الماضي على الرئيس اليمين زروال والتي انتهت بإقالة الجنرال محمد بتشين، مستشاره للشؤون السياسية والأمنية، قبل أن يُجبر زروال نفسه على التنحي في ايلول سبتمبر العام الماضي. وأشار حجّار، في رسالته، الى جزء من الصراع الذي شهده عهد زروال، والحملة على بتشين والتي بدأها رئيس حزب التجديد السيد نورالدين بوكروح.