يُعتبر "برنامج التطوير المتكامل للصواريخ الموجهة" برنامجاً دفاعياً طموحاً اخر ولكن ناجح نسبياً تنفذه حالياً المؤسسة العسكرية الهندية. ويتضمن البرنامج تصميم وتطوير وانتاج خمسة انظمة للصواريخ: صاروخ "آغني" الباليستي المتوسط المدى، صاروخ "بريثفي" ارض - ارض للدعم الميداني، صاروخ "ترايشول" ارض - جو القصير المدى، صاروخ "اكاش" ارض - جو المتوسط المدى، وصاروخ "ناغ" المضاد للدبابات. وتستند المرحلة الاولى من صاروخ "آغني" على نجاحات الهند في اطلاق اقمار اصطناعية، والمرحلة الثانية هي "مرحلة اقصر مدى من صاروخ "بريثفي" جرى تحويرها للعمليات التي تجري على ارتفاعات عالية". ومنذ اطلاق "آغني" للمرة الاولى في أيار مايو 1989، اكمل هذا الصاروخ ثلاثة اختبارات تحليق ناجحة في الجو. وفي اعقاب ضغوط من الولاياتالمتحدة، بدا ان الحكومة الهندية اوقفت البرنامج بهدوء. ولم تجر اي تجارب لصاروخ "آغني" منذ 1994. ولفت الزعماء الهنود الى انه في حال اتخاذ قرار سياسي فإن صاروخ "آغني" يمكن ان يصبح جاهزاً للعمل في غضون سنتين. وتملك اسرائيل من جانبها ترسانة كبيرة من الصواريخ المحلية الصنع، من ضمنها صاروخ "غابرييل" بحر - بحر، وصاروخ "بايثون" جو - جو، وصاروخ "بوباي" جو - ارض، وصاروخ "اريحا -1" ارض - ارض، وصاروخ "اريحا -2" الباليستي المتوسط المدى. وطوّرت هذه الصواريخ ونُشر بعضها حتى قبل ان تبدأ الهند برنامجها لتطوير الصواريخ الموجهة في مطلع الثمانينات، لذا فإنها أكثر تطوراً وجُرّبت في ميادين القتال. وكانت وسائل الاعلام الاسرائيلية اشارت منذ وقت طويل الى ان بلداناً أجنبية عبّرت عن اهتمامها بشراء تكنولوجيات صاروخ "أرو"، ووردت اسماء بلدان مثل اليابان وتايوان وتركيا وكوريا الجنوبية وحتى المملكة المتحدة كزبائن محتملين. واخذاً في الاعتبار ان هذا المشروع ممول بشكل اساسي من قبل الولاياتالمتحدة، فإن مثل هذه الخطوة لن تكون سهلة. وفي أيار 1996، كشف اوزي روبين رئىس مشروع "أرو" في وزارة الدفاع ان اسرائيل والولاياتالمتحدة وقّعتا اتفاقاً يرتّب "تقسيم الحقوق" في ما يتعلق بمشروع "أرو". وتهدف هذه الخطوة الى تجنب اثارة الجدل الذي ينجم عن اتهام اسرائيل ببيع او نقل تكنولوجيا اميركية الى بلدان ثالثة مثل الصين بشكل غير شرعي ومن دون إذن. وفي شباط فبراير 1997، لمحت وسائل الاعلام الهندية الى ان الهند كانت تتفاوض مع اسرائيل لشراء مكونات وتكنولوجيا لصاروخ "أرو"، وكان يُعتقد ان القضية نوقشت خلال زيارة مسؤول كبير في وزارة الدفاع الاسرائيلية في وقت سابق من الشهر ذاته. وتعتبر مسألة انتاج طائرات من دون طيار ذات صلة وثيقة ببرنامج الصواريخ. وبدأت منظمة "دي. آر. دي. او." العمل على تطوير مركبة "لاكشيا" الموجهة من دون طيار. وفي اعقاب تجارب على اطلاق المركبة في 1983 يجري حالياً انتاجها على نطاق محدود. كما اُجري في 1995 اول تحليق تجريبي لمشروع اخر، وهو طائرة "نيشانت" من دون طيار، وكان من المقرر ان تدخل في قوام معدات الجيش بحلول 1996/1997. لكن تأخيرات في الانتاج واشكالات فنية دفعت الجيش الى السعي للحصول على طائرات "سيرتشرز" الاسرائيلية الصنع للتعويض عن التأخيرات. ومن الضروري التنبيه الى انه في الوقت الذي بدأت اسرائيل استخدام وتصدير الطائرات من دون طيار منذ 1982، فان الهند دخلت هذا الميدان في وقت متأخر. وإذا كانت اسرائيل تملك خبرة ومهارات أكبر في مجالي الصواريخ والطائرات من دون طيار، فإن الهند تتمتع بتفوق في تكنولوجيا الفضاء. وتعني "منظمة ابحاث الفضاء الهندية" منذ تشكيلها في مطلع الخمسينات ببرنامج الفضاء المدني. ويعتبر استخدام تكنولوجيا الفضاء لاغراض عسكرية ظاهرة حديثة العهد، ويستند صاروخ "آغني" على النجاح في اطلاق اقماراصطناعية مدنية. سعت منظمة "دي. آر. دي. او." على امتداد اكثر من عقدين الى تصميم وتطوير وانتاج دبابة "ارجون" القتالية. وكانت مرحلة التصميم، التي اُنجزت عام 1996، متأخرة 11 سنة عن الموعد المحدد. لكن الجيش قرر اخيراً، في حزيران يونيو 1997، الحصول على 100 دبابة من طراز "ارجون"، ومن المقرر تسليم اول دبابة في 2002. وبالاضافة الى "ارجون" التي ستحل في النهاية مكان1700 دبابة من طراز "فيجايانتا"، تنوي الهند تطوير عدد مماثل من دبابات "تي - 52". وفي كل هذه المجالات الاربعة - الطائرة المقاتلة الخفيفة، وتحديث الطائرات، والصواريخ، ودبابة القتال الرئيسية - تنفذ الهند برامج متطورة تكنولوجياً تعتبر من الاكثر طموحاً وكلفة على صعيد البلدان النامية. واذا اضفنا الخطة التي تهدف الى اطلاق قمر اصطناعي بحلول السنة 2000، ووضع قمر اصطناعي وزنه طنان في مدار حول الارض، سيتضح ان طموحات "دي. آر. دي. او." هائلة. وبخلاف الحال بالنسبة الى مشروع "لافي" الاسرائيلي فان المؤسسة العسكرية الهندية لا تملك اي بديل اجنبي، ولا يمكن ان تجادل بان البدائل المستوردة ستكون اقل كلفة من المنتوج المحلي. وحتى أولئك الذين يبدون عدم الرضا في شأن مشاريع "دي. آر. دي. او." وتقدمها وانجازاتها يعجزون عن تقديم بديل اجدى اقتصادياً. وتحظى هذه المساعي بحد ذاتها بدعم سياسي واسع داخل البلاد، وتعتبرها احزاب سياسية مختلفة، من الشيوعيين على اليسار الى القوميين على اليمين، ذات اهمية حيوية بالنسبة الامن القومي. وتمثل طموحات "دي. آر. دي. او." تحدياً وفرصة فعلية بعيدة المدى لاسرائيل. لكن بدلاً من النظر الى الهند كسوق صادرات لدعم ابحاثها الدفاعية وتطوير اسلحتها، يمكن لاسرائيل ان تستثمر الفرص التي يتيحها طموح الهند غير المسبوق للحصول على التكنولوجيا والتحديث. من الضروري لكلا البلدين ان يتبنى موقفاً واقعياً تجاه التعاون في مجال الامن. فمنذ مطلع العشرينات، كانت الهند تنظر الى اسرائيل بشكل اساسي من خلال موشور عربي واسلامي. واخفقت بذلك في تلمس اهمية تطبيع العلاقات مع اسرائيل في خدمة مصلحتها الخاصة في الشرق الاوسط. وعلى رغم ان التطبيع لا يحظى بقبول الجميع، فإنه لم يعد قضية خلافية في الهند. وحتى تلك الاحزاب التي كانت عارضت هذه الخطوة في 1992، مثل "جاناتا دال"، اصبحت اكثر واقعية بتأييد التعاون الثنائي وتشجيعه. من المستحيل بالنسبة الى الهند ان تكون بمنأى عن تقلبات عملية السلام وتأثيرها على التعاون الامني. ولن يمكن حتى لأكثر الحكومات تأييداً لاسرائيل في نيودلهي ان تتجاهل روابط الهند التاريخية مع العالم العربي وعلاقاتها الاقتصادية المتزايدة مع الشرق الاوسط والضغوط الداخلية لدعم العرب. لكن الاستسلام لاغراء ربط التعاون الامني بعملية السلام سيضعف بشكل حاد اي شراكة استراتيجية مع اسرائيل. بالاضافة الى ذلك، لن يتحقق معظم التعاون المشترك في المجالات التي اُشير اليها في هذه الدراسة الاّ في مطلع القرن المقبل بعد مضي وقت طويل على منتصف 1999، وهو الموعد النهائي الذي حددته عملية اوسلو. لا تزال اسرائيل من جانبها تبدي عدم اكتراث ازاء الهند، ولا تحظى الاخيرة باهتمام وسائل الاعلام الاّ عند وقوع نكبات وكوارث طبيعية. لذا يقتضي التعاون الامني مع الهند ان تملك اسرائيل القدرة على فهم الهند المعاصرة والاستعداد لادراك الامكانات العسكرية للهند وتقدمها في مجال ابحاث الدفاع. فالصور المألوفة من الماضي والفهم الذي تطغي عليه النزعة الرومانتيكية يمثل عقبات كبيرة تعترض التوصل الى فهم افضل لخبرات وامكانات كلا الطرفين. إن السوق الهندية ليست صغيرة. ففي مطلع التسعينات كانت موازنتها العسكرية السنوية تقدر بحوالى 5،2 في المئة من اجمالي الدخل القومي. وفي 1996-1997 بلغت الموازنة حوالي 10 بلايين دولار، خصص منها 5 في المئة لابحاث الدفاع. وتعهدت الهند زيادة نسبة المعدات الدفاعية المصنعة من 30 في المئة حالياً الى 70 في المئة بحلول السنة 2005. لكن الهند لا تملك الموارد المالية لتغطية احتياجاتها العسكرية وبرامج التحديث الضخمة. ويرجع موقفها المتردد في شأن الحصول على طائرة التدريب المتطورة "أي جاي تي" طيلة اكثر من عقد من السنين، والتأخيرات التي واجهتها مشاريع اساسية مثل الطائرة المقاتلة الخفيفة او دبابة القتال الرئيسية او تحديث طائرات ال "ميغ"، بشكل جزئي الى عجز المؤسسة العسكرية عن ايجاد موارد مالية كافية ومتواصلة. وحتى القرار الخاص بتحديث طائرات "ميغ-21" لم يُتخذ الاّ بعدما لجأ سلاح الجو الى الحصول على قطع الغيار من تفكيك بعض طائراته ذاتها. ونتيجة لذلك، على رغم الزيارات والاتصالات المنتظمة الكثيرة، لا يتوقع ان تكون الصادرات الاسرائيلية الى الهند ضخمة. وتشمل الأسلحة السوفياتية - الروسية جزءاً كبيراً من ترسانة الاسلحة الهندية. وحتى اذا تمكنت الهند من العثور على جهة مستعدة لامدادها بالسلاح، فإن قدرتها المالية على التخلص من هذا الاتكال بالحصول على أسلحة غير روسية تبدو ضعيفة. وستكون الاكلاف غير المباشرة، مثل قطع الغيار والتدريب والتصليحات والتنسيق التنظيمي، هائلة. وعلى نحو مماثل، ستقتضي طبيعة طلبات الهند استبعاد اسرائيل كمصدر امدادات اساسي في مجالات معينة، مثل مشروع الطائرة المقاتلة الخفيفة الذي يعنى بدرجة أساسية بتصميم وتطوير طائرة من هذا النوع. واحد المجالات الاخرى التي تستقطب الاهتمام والتمويل هو تطوير محركات "كافيري" للطائرة المقاتلة الخفيفة. وتقتصر قدرات اسرائيل على تصدير منتجات جاهزة على الدبابة "ميركافا" والطائرات من دون طيار والصواريخ مثل "غابرييل" و"بايثون" المضاد للطائرات و"اريحا -1" و"اريحا -2" و"بوباي". وتمتاز صواريخ "غابرييل" و"بايثون" و"بوباي" بجاذبيتها لأن الهند، حسب ما يبدو، لا تطوّر هذا النوع من الصواريخ. وحتى اذا كانت اسرائيل مستعدة للتصدير، فان كلا الصاروخين "اريحا -1" و "اريحا -2" نوع متطور من الصاروخين "بريثفي" و"آغني"، وبالتالي لا يُتوقع ان يُدرجا في لائحة التسوق الهندية. لكن مسألة الطائرة من دون طيار مختلفة بعض الشيء. فالحاجة المتزايدة اليها من قبل القوات المسلحة، بالاضافة الى تأخيرات الانتاج، تعزز احتمال استيراد عدد محدود من هذه الطائرات الاسرائيلية الصنع، لكن منظمة "دي. آر. دي. او." فضلاً عن نواب البرلمان سيعارضون استيراد اعداد كبيرة منها. إلى ذلك، اعتمدت الهند لوقت طويل على موسكو للحصول على معدات عسكرية مستفيدة من تسهيلات مالية مثل "الأسعار التشجيعية" وجدول الدفع الطويل الامد وترتيبات المقايضة والتسليف. واخذاً في الاعتبار الصعوبات المالية التي تواجهها الصناعات العسكرية الاسرائيلية، لا تبدو مثل هذه التسهيلات المالية الجذابة ممكنة. بدأ عدد من المشاريع العسكرية التي يجري تنفيذها حالياً في الهند في مطلع الثمانينات عندما لم يكن هناك اي تهديد جدي على الامدادات. وكان ذلك عقب الغزو السوفياتي لافغانستان الذي رفضت الهند ادانته، ما ضمن للهند استمرار امدادها بالاسلحة والانظمة والمعدات السوفياتية المتطورة. ومع ذلك، اختارت انديرا غاندي بشكل متعمد التوجه الى انتاج دبابات القتال الرئيسية وطائرة القتال الخفيفة وسلسلة من الصواريخ الموجهة. فلو كان التحديث وتقليل الاعتماد على موسكو الاعتبارين الأساسيين لكانت اختارت اللجوء الى الاستيراد وحتى تعديل بعض سياساتها كي تلائم واشنطن. وتهدف هذه المشاريع الباهظة مالياً، والتي قد يعتبرها البعض تعجيزية، الى الحصول على خبرة واستقلالية على الصعيد التكنولوجي. وهكذا، على رغم التأخيرات وزيادة الكلفة والمعوقات التكنولوجية، لا يتوقع ان تتخلى الهند عن برامجها الطموحة. وعلى رغم انها شرعت بتنفيذ هذه المشاريع من دون اي دعم مالي خارجي، فان اكمال عدد منها بنجاح وفي وقت مبكر سيتطلب ضخ تكنولوجيا وخبرة اجنبية، وهو ظرف مثالي بالنسبة لإسرائيل. ولا تتوافر التكنولوجيا والابتكار على صعيد الخبرات الاسرائيلية فحسب، بل تتوافر ايضاً للتصدير. وبغض النظر عن قدرة منظمة "دي. آر. دي. او." على انجاز مشروع الطائرة المقاتلة الخفيفة بحلول 2005، لن تتمكن الهند من استبدال كل اسطولها الجوي بين عشية وضحاها وسيتعين عليها ان تحدّث طائرات ال "ميغ" التي بحيازتها، من ضمنها طائرات "ميغ -21" بالاضافة الى "ميغ -27" و "ميغ -29". ولا يمكن للمرء ان يجزم بأنه سيجري اختيار روسيا مرة اخرى لمثل هذا المسعى. وسيكون من الاجدى ل "إلبيت" Elbit و "صناعات الطيران الاسرائيلية"، بدل ان تتنافس على العقد، ان تتقصى امكان التعاون مع شركة "هندوستان إيرونوتيكس ليمتد" هال الهندية وتقدمان بشكل مشترك عرضاً للفوز بعقد التحديث. وتملك "هال" خبرة في مجال تصليح وتحديث طائرات ال "ميغ". كما انها، مثل "إلبيت" و "صناعات الطيران الاسرائيلية"، لم تنجح في الحصول على عقد تحديث طائرات "ميغ -21". واخذاً في الاعتبار الكلفة العالية لقوة العمل في اسرائيل، سيساعد الدخول في مشروع مشترك مع "هال" على خفض الكلفة لدرجة كبيرة، ما سيعطي العرض جاذبية مالية وميزة تنافسية. كما يمكن لمثل هذه المشاريع المشتركة ان تمتد لتشمل عقود مع اطراف ثالثة. إن عوامل مثل القدرة على الوصول الى تكنولوجيا غربية اكثر تطوراً والوضع الامني الملح والشروع بالابحاث في وقت مبكر، منحت اسرائيل تفوقاً تكنولوجياً على الهند. وخضعت اسلحة كثيرة في ترسانة اسرائيل الى تحسينات وتحديث كبير بالاستناد الى الخبرات التي اكتسبتها نماذج سابقة في ميادين القتال. على سبيل المثال، جرى تطوير الصاروخ "اريحا -1" في مطلع السبعينات، قبل حوالي عقدين من تطوير صاروخ "بريثفي" الهندي. وطوّرت الدبابة "ميركافا" في اواخر السبعينات، ومنذ ذلك الحين اُنتج نوعان اخران منها. كما تستخدم اسرائيل حالياً الجيل الرابع من الصاروخ "بوباي". سيؤدي التعاون مع اسرائيل اذاً الى خفض كبير في الوقت والكلفة بالنسبة الى الهند وسيمكنها من التغلب على بعض الاختناقات الفنية. ويمكن للدبابة "ارجون" ان تستفيد من القدرات القتالية والخبرات التي راكمتها ثلاثة اجيال من دبابات "ميركافا". إن نجاح اسرائيل في الحفاظ على تفوقها التكنولوجي وسط تنامي القوة التقليدية وغير التقليدية لدى العرب يعتمد كلياً على قدرتها على تمويل مشاريع خاصة. ويبدو لاسباب عدة ان اضفاء الطابع التجاري على التكنولوجيا هو البديل العملي الوحيد. ومع تقلص موازنة الدفاع، يمثل استكشاف التعاون في مشاريع مع الهند خطوة معقولة على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي. وستبقى الهند سوقاً كبيرة بالنسبة الى اسرائيل حتى اذا استبعدنا الصادرات من طرف ثالث. على سبيل المثال، سيتعين على الهند ان تستبدل خلال العقد المقبل معظم دباباتها ال 2000 وان تحدّث وتستبدل حوالي 400 طائرة "ميغ". وفي وقت تسعى فيه بلدان غربية اكثر تطوراً الى تنفيذ مشاريع مشتركة، سيكون من الصعب بالنسبة الى الهند او اسرائيل ان تواصل لوحدها مشاريع اساسية. سيتيعن اذاً تنسيق العلاقات الهندية - الاسرائيلية في مجال الامن مع الولاياتالمتحدة. ويصبح التفاهم المسبق والشفافية مع واشنطن ضرورياً. وربما تساعد المشاركة المباشرة او غير المباشرة لشركات اميركية في مشاريع مشتركة هندية - اسرائيلية على تخفيف الوضع جزئياً. ومن الضروري منذ البداية تماماً ان تُبلّغ الاطراف الهندية بان امداد الاسلحة يحتاج الى موافقة طرف ثالث. وبخلاف ذلك ستولّد اسرائيل توقعات زائفة لا يمكن تحقيقها. على سبيل المثال، عرضت اسرائيل خلال زيارة الرئيس وايزمان ان تبيع للهند طائرات مقاتلة من طراز "كفير" ولم يكن واضحاً اذا كانت اسرائيل طلبت وحصلت على موافقة اميركا قبل ان تقدم هذا العرض. وفي حال رفض الترخيص ببيع الطائرة سيكون على اسرائيل ان تبيع نوعاً اخر اقل قوة من العرض الاصلي. وعلى نحو مماثل، لا يتوقع ان تقبل الهند اي اسلحة او معدات لا تُستعمل من قبل الجيش الاسرائىلي. فسيكون من الصعب مثلاً ان تبيع "صناعات الطيران الاسرائيلية" نظام رادار من طراز "فالكون" بوصفه نظاماً متطوراً في الوقت الذي يمتنع فيه الجيش الاسرائيلي عن استخدامه. وعلى المدى البعيد، سيكون الافراط في البيع استراتيجية سيئة. وفي المقابل، من الضروري ان تسهّل الهند عملية صنع القرار. فالتغيرات المتكررة في المسؤولين والعقبات البيروقراطية تضعف إلى درجة كبيرة الثقة والائتمان. وأصبح افشاء المعلومات بشكل سابق للاوان عقبة عملياتية رئيسية أمام صادرات السلاح الإسرائيلية، اذ ادت الى اثارة الجدل وحتى إلغاء بعض الصفقات. كما يؤدي تصوير التعاون الأمني بين الهند واسرائيل، بشكل رسمي او غير رسمي، على انه موجه ضد بلد ثالث مثل الصين او ايران او العراق او باكستان او سورية، الى تسليط ضغوط قوية على العلاقات الثنائية. واذا صُوّر التعاون بين البلدين غير الاسلاميين كمؤامرة ضد العالم الاسلامي، ستجد حتى اكثر الحكومات تأييداً لاسرائيل في نيودلهي صعوبة في ان تتحمل الضغوط الداخلية التي تدعوها للتخلي عن علاقاتها الامنية مع اسرائيل. واخذاً في الاعتبار صعوبة فرض تعتيم شامل، يتعين التعامل مع التعاون العسكري - الامني بحذر اكبر. وعلى رغم ان التطبيع لم يعد مثيراً للجدل فإن جزءاً كبيراً من السكان لا يوافق على الفكرة ويعارض بقوة التعاون العسكري. وتشير الطبيعة المكثفة والمتنوعة للاتصالات منذ 1992 ان غياب علاقات سياسية لفترة طويلة لم يمنع الهند واسرائيل من السعي الى التعاون في المجال الامني. ويشمل هذا التعاون، الذي يدور بشكل اساسي حول سلاح الجو، مجالات مثل التعاون الاستخباراتي والدوريات البحرية ومكافحة الارهاب. لكنهما يتقاسمان الهدف المشترك الذي يتمثل في السعي الى تحقيق استقلال تكنولوجي وتفوق نوعي. ويوفر نجاح البرامج الاستراتيجية العديدة التي ينفذها كلا البلدين حالياً افضل اطار ممكن لشراكة استراتيجية. ** نشر المقال في مجلة "ميدل ايست ريفيو اوف انترناشونال افيرز" ميريا، المجلد الثاني، العدد 2 أيار مايو 1998.