مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    محترفات التنس عندنا في الرياض!    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    إرشاد مكاني بلغات في المسجد الحرام    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب جديد حصيلة ورشة عمل في السيناريو . غبريال غارسيا ماركيز : كيف تروي قصة ؟
نشر في الحياة يوم 03 - 05 - 1998

"أكثر ما يهمني في هذا العالم الحكائي هو عملية الخلق، فأي صنف من الألغاز هذا الذي يجعل الرغبة البسيطة بالقص تتحول الى ولع، يستعد الانسان للموت من أجله، الموت من أجل شيء لا يمكن رؤيته ولا لمسه، واذا أمكنت رؤيته، في النهاية فهو لا يصلح لشيء؟".
غبريال غارسيا ماركيز مايسترو الحكاية هو من يقول ذلك، ويرويه في كتابه الجديد "كيف تروي قصة" الصادر هذا العام في مدريد، بعد نفاد طبعته الأولى الصادرة في كوبا عام 1996، عن المدرسة العالمية للسينما والتلفزيوني "سان انتونيو دي لوس بانيوس" في كوبا، حيث يشرف صاحب "مئة عام من العزلة" ماركيز، غابو - كما يسمونه، وكما يطلق هو على نفسه في الكتاب - على قيادة المدرسة خصوصاً على قسم كتابة السيناريو فيها. ولا نبالغ اذا قلنا ان جملة ماركيز اعلاه هي زبدة الكتاب.
249 صفحة هي خلاصة الدروس التي عمل غابو وطالباته وطلابه على انجازها في ورشة العمل عشرة اشخاص لكتابة سيناريوهات مختلفة، وعلى طول الصفحات لا يخفي ماركيز شخصية المولع برواية القصص. اذ نتعرف هنا، على غابو الحكواتي الذي يجلس أمام مجموعة ولا يمل رواية الحكاية تلو الحكاية. ولا يهم ان بدت احدى القصص تشبه قصة ما، رأيناها في التلفزيون أو شاهدناها على الشاشة في احدى الصالات، ففي النهاية "هناك قصص مختلفة تماماً، على رغم انها تملك ما هو مشترك". ولكي يثبت غابو ذلك، يستشهد بتخيله اغتيال الديكتاتور في "خريف البطريرك"، والتي يضطر لتغييرها بسبب حدوث قصة في الواقع مطابقة لقصته المتخيلة. في النهاية، يضطر لاختراع قصة جديدة. من يصدق ذلك؟ لم نصدق، وكان علينا ان نستمر في قراءة الكتاب، لنقتنع بما يقوله، ولنغضب مثل غضبه عندما عرف بحدوث اغتيال الجنرال الاسباني - اليد اليمنى للديكتاتور فرانكو.
نخاف في الحديث عن الكتاب ان نستمر مثل غابو في رواية القصة تلو القصة. لذلك نفضل التوقف هنا، مع مايسترو الحكاية. وهنا ترجمة لمقدمة الكتاب للتعرف على طريقة ماركيز في تعليم كتابة السيناريو، هو الذي لا يخفي انه كتب سيناريوهات "بعضها جيد، والآخر سيئ".
غابو: سأقص عليكم كيف بدأ كل شيء. ذات يوم اتصلوا بي من التلفزيون ليطلبوا قصص حب تحدث في اميركا اللاتينية. وكنت أدير ورشة عمل للسيناريو في المكسيك، قلت للمشتركين في الورشة: "نحتاج ثلاث عشرة قصة حب طول كل واحدة منها نصف ساعة". وفي اليوم الثاني حملوا لي أربع عشرة فكرة. كان الأمر مفاجئاً، لأننا كنا حاولنا كتابة قصص طول الواحدة منها ساعة واحدة، ولم نخرج بواحدة. بهذا الشكل توصلت للقناعة بأن نصف ساعة كان الزمن المثالي. وصل الأمر مثل رمية سهم. أو حب من أول من نظرة. إما ان ينجح أو لا ينجح. حينها قررنا انجاز سلسلة بثلاث عشرة قصة حب، من اجل الانطلاق، وفي المستقبل الاستمرار في سلسلات اخرى مشابهة: واحدة كوميديا، واحدة للغموض، وواحدة للرعب... ودائماً في ورشة عمل، يعني القول، بأن الفكرة، حتى وان كانت لشخص واحد فإن الجميع يطورونها، وفي النهاية، يكتبها شخص واحد فقط. الشخص نفسه الذي فكر بالقصة أو عضو آخر من ورشة العمل. واضح أن الخطوط العامة لقصة ما ممكن اشتغالها جماعياً، لكن، عند كتابة السيناريو، يجب ان نكلف شخصاً واحداً فقط.
عرضنا القصص الثلاث عشرة على محطات تلفزيونية مختلفة، فاكتشفنا انهم يدفعون بصورة سيئة جداً. خطر في بالنا، أنهم يدفعون الأجور بصورة سيئة في التلفزيون، حينها قررنا انشاء شركة لنتمكن من بيع الانتاج النهائي. خرجنا لنعرض ذلك فقالوا نعم، طالما يحضر اسمي في الاعتمادات. يبدو التملق هنا وجهاً من الإذلال: يعني ان الواحد يتحول الى ماكنة. لكن في النهاية، باشرنا العمل وباتفاق جماعي انجزنا ثلاث عشرة قصة مانحين اعتماداً لكل مؤلف، ووضعنا عنواناً عاماً: ورشة عمل غارسيا ماركيز... الخ. كان العمل شيقاً الى درجة اننا نفكر بانجاز ألف نصف ساعة، واحدة بعد الأخرى.
هذا ما اقترحه عليكم: ان ننجز انصاف ساعات وان نخصص حاصل المبيع للمدرسة العالمية للسينما والتلفزيون لسان انتونيو دي لوس بانيوس. القصص سنطورها هنا، في ورشة العمل التي ننشئها كل سنة في المدرسة، وسنكملها في ورشة العمل في المكسيك. وبالطبع نحتاج لأناس أكثر لورشة العمل هذه. قبل كل شيء أولئك الناس الذين مروا عبر ورشة عمل المدرسة، أناس لا يخيفهم شيء، أناس خام جاهزون لكل ما هو مفاجئ، اذ يجب التفكير بكرم مطلق: وعندما يبدو لنا أمر ما غير جيد، يجب قول ذلك، يجب ان نتعلم قول الحقيقة وجهاً لوجه ونشتغل كما لو كنا نمارس علاجاً جماعياً.
أكثر ما يهمني في هذا العالم الحكائي هو عملية الخلق. فأي صنف من الألغاز هذا هو الذي يجعل الرغبة البسيطة برواية القصص تتحول الى ولع، يستعد الانسان للموت من أجله، الموت من أجل شيء لا يمكن رؤيته ولا لمسه، وفي النهاية، اذا أمكنت رؤيته، لا يصلح لشيء؟ ذات مرة اعتقدت - من الأفضل القول، كان عندي وهم الاعتقاد - أنني سوف اكتشف فجأة لغز الخلق، اللحظة الدقيقة التي تنشأ فيها فكرة ما. منذ ان بدأت بورشات العمل هذه، أصغيت الى تسجيلات عدة، وقرأت نتاجات كثيرة في محاولة لمعرفة اللحظة المضبوطة التي تنشأ فيها الفكرة. لم أنجح في معرفة متى كان ذلك. لكن، في المقابل، شدني العمل في الورشة وحولني الى مدمن اختراع قصص جماعية...
ذات يوم، كنت أتصفح مجلة LIFE فعثرت على صورة ضخمة، صورة مراسيم دفن هيرو هيتو. تظهر فيها الامبراطورة الجديدة، زوجة اكيهيتو. كانت تُمطر. في العمق، خارج المركز، يبدو الحرس بمظلات بيضاء، وفي العمق أكثر الجماهير بمظلات بيضاء وبجرائد وبقماش فوق الرأس، وفي مركز الصورة، في المكان الثاني، الامبراطورة لوحدها، نحيفة جداً، متشحة بالسواد تماماً وتحمل مظلة سوداء. رأيت تلك الصورة الساحرة وأول ما خطر لي ان هناك قصة، ليست قصة موت الامبراطور، التي ترويها الصورة، انما أخرى: قصة لنصف ساعة. هذه الفكرة ظلت باقية في رأسي واستمرت تدور مرات. ومحوت العمق، أبعدت الحرس الذين يلبسون الأبيض تماماً، الناس... للحظة مع الامبراطورة تحت المطر، لكن أبعدتها هي ايضاً. وحينها الشيء الوحيد الذي بقي هو المظلات. كلي قناعة بأن المظلات قصة. اذا كانت ورشة عملنا تملك نهاية اخرى تختلف عن هذه فسأقترح عليكم ان نبدأ من هذه المظلات لمعالجة فيلم طويل. وثقوا أنني لا أنصب أفخاخاً.
لص يوم السبت سيناريو
اوغو، لص يسرق فقط في نهايات الأسبوع، يدخل أحد البيوت يوم السبت ليلاً.
آنا، سيدة البيت، جميلة في الثلاثينات ومصابة بأرق، تكتشفه بالصدفة، يهددها بالمسدس، تسلمه المرأة الحلي والأشياء ذات القيمة، وتطلب ألا يقترب من باولي، طفلتها ذات الثلاثة أعوام.
اوغو يفكر: "لماذا يرحل سريعاً، إذا كانت عاملته جيدة هنا هكذا؟" في امكانه البقاء كل نهاية أسبوع والاستمتاع بالوضعية تماماً، لأن الزوج - يعرف الأمر أنه تجسس سابقاً - لن يرجع حتى الأحد ليلاً من رحلته التجارية. اللص لا يفكر بذلك طويلاً، يلبس بنطلون سيد البيت ويطلب من آنا أن تطبخ له، وتخرج النبيذ والشمبانيا وأن تضع الموسيقى من أجل العشاء، فمن دون الموسيقى لا يمكنه ان يعيش.
آنا، قلقة بسبب باولي، وفيما تحضر العشاء خطرت في بالها طريقة لإخراج الرجل من البيت. لكن لا تستطيع عمل شيء لأن أوغو قطع التلفون، الدار منعزلة والليلة لن يزورها أحد. آنا تقرر وضع قرص منوم في كأس نبيذ أوغو. خلال العشاء، اللص يكتشف ان آنا مقدمة برنامجه الاذاعي المفضل، برنامج الموسيقى الشعبية الذي يُسمع طوال الليل من دون توقف. اوغو معجب، وبينما يسمعان بيني الكبير يغني "مثلما كان" في الكاسيت، يتحدثان عن الموسيقى والموسيقيين، آنا تندم على تنويمها لأوغو لأنه يتصرف بهدوء وليس عنده نيه ازعاجها ولا اغتصابها، لكن، كان الأمر متأخراً لأن المنوم كان في الكأس واللص يشربه بنشوة. على رغم ذلك، كان هناك خطأ في الحسبان، فهي التي شربت كأس المنوم، آنا تنام مباشرة.
في الصباح تستيقظ لابسة تماماً ومغطاة باللحاف بصورة جيدة في فراشها. في الحديقة، اوغو وباولي يلعبان، وكانا انتهيا من الإفطار. تتعجب آنا من انسجامهما، بالاضافة إلى ذلك، هذا اللص، جذاب بصورة كافية. تبدأ آنا بالشعور بسعادة غريبة.
في هذه اللحظات تمر صديقة لها وتدعوها للركض. اوغو يضطرب لكن آنا تعتذر بأن الطفلة مريضة. هكذا يبقى الثلاثة معاً في الدار للاستمتاع بيوم الأحد. اوغو يصلح الشبابيك والتلفون الذي قطعه في الليلة الماضية، بينما يصفر. آنا تعرف أنه يرقص بصورة جيدة الدانسون، رقصة تعجبها لكنها لم تستطع تقاسمها مع أحد. هو يقترح عليها أن يرقصا. يتواصلان بصورة كبيرة حتى أنهما يرقصان حتى حلول الظهيرة. باولي تراقبهما، تصفق، وفي النهاية تبقى نائمة. مجهدان، ينتهيان مرميين على كرسي في الصالة.
في حينه، وبعد الانتهاء من نيل مرادهما، تقترب ساعة رجوع الزوج. على رغم ان آنا تصر، فان أوغو يعيد اليها تقريباً كل ما سرقه يعطيها بعض التعليمات لكي لا يدخل اللصوص الى دارها، ويودع بشيء من الحزن. آنا تراه يبتعد. أوغو كان يبتعد حتى يختفي وهي تناديه بأعلى صوتها، عندما يعود تقول وهي تنظر بعمق في عينيه، بأنه في نهاية الاسبوع القادم سيعاود زوجها الخروج في رحلة تجارية. لص يوم السبت يذهب سعيداً، راقصاً عبر شوارع الحي، بينما تبدأ العتمة.
الثنائي والثلاثي والقناع
غابو: حسناً، تشتغل على تفكيك "لص يوم السبت".
راينالدو: هناك مشكلة. كلنا نعرف القصة، لكن لم نقرأ جميعاً السيناريو.
غابو: يجب عليكم تخيله.
ماركوس: انه مكتوب بقلم امرأة. يترك شعوراً انثوياً غير مشكوك فيه.
غابو: هل سيخطر في ذهنك ذلك لو لم تكن تعرف الأمر منذ البداية؟
ماركوس: نعم.
غابو: بسبب الانطباع بشكل عام ام بسبب جزئية معينة؟
ماركوس: منذ البداية شعرت بالكرب. هذا ضمن مشاعر المرأة عادة!
غابو: بالنسبة لكونسويلو يسعدها معرفة ذلك. صحيح، ان القصة مروية من وجهة نظر امرأة. هي البطلة. ربما لم تكن أحسن القصص التي عُرضت هنا، لكن يبدو لي انها أحسن نموذج. وهذا هو تقريباً ما ننوي ان نعمله. أولاً، انه تجاري. وهو سيعجب الاكثرية من مشاهدي التلفزيون. فعلاً، متعهد التلفزيون قرر شراءه. سيعجب، وفيه نوعية، مبيعاته جيدة جداً.
الليلة الأخرى مررنا برعب. واحدة من اعضاء ورشة العمل اتصلت بي في البيت. "افتح القناة 5 انهم يعرضون قصة كونسويلو كاملة". فتحت القناة 5 ورأيت شخصاً يستحم في البانيو، المليء بالصابون... وكان فيلماً لهتشكوك، لا اكثر ولا اقل.
السبت الساعة 30.7 انهار العالم من تحتي. كيف يكون ذلك ممكناً؟ - قلت لنفسي - ما الذي حصل لكونسويلو؟ كيف سبق ان انجزوا القصة ذاتها التي انجزتها هي؟ لكن ذلك كان انذاراً زائفاً. استمر الفيلم فخطر في ذهني ان ليس له علاقة بقصة كونسويلو. دائماً عندما يفتح المرء التلفزيون فلديه أمل ان يشاهد فيلماً جيداً. لكن في تلك اللحظة تمنيت ان يكون هذا الفيلم سيئاً، اسوأ فيلم في العالم. حتى ادركت انه شيء آخر. لم يكن لصاً الذي دخل الدار انما هو لاجئ، هارب من السجن يكذب على البطلة ويرعبها، وفي النهاية تتجنب هي ان يقتلها، تبدأ بالخضوع له... عندما يخرج في النهاية من الدار، تكون الشرطة في انتظاره في الخارج. يواجه هو الشرطة... أوف! أي تعب! ليس له علاقة.
على رغم ذلك اتخذنا خطوات معينة. مباشرة قطعنا مشهد البانيو. آلمني ذلك. انها لجميلة رؤية رجل يستحم. كان في امكاننا المحافظة على المشهد. في النتيجة من الصعب العثور على قصة لا تبدو بطريقة ما شبيهة بأخريات عديدات. ولكن، في النهاية، استغنينا عن المشهد.
حدث لي أمر سيئ مثل هذا، عندما كنت اكتب "خريف البطريرك" كنت تخيلت مشهد محاولة اغتيال لا يبدو شبيهاً بالمشاهد المعتادة: يضعون للديكتاتور حمولة من الديناميت في صندوق العربة. لكن، في النتيجة، يبدو أن زوجة الديكتاتور تأخذ العربة للتسوق وفي الطريق تنفجر العربة وتدمر سقف السوق. بقيت مطمئناً لتصوّر العربة هذه طائرة في الهواء لأنها بدت لي فكرة أصيلة جداً، وبعد ثلاثة أو أربعة أشهر في مدريد نُظّم اغتيال ضد بارانكو بلانكو متطابق مع مشهدي تماماً. غضبت. كل العالم كان يعرف انني اكتب الرواية في برشلونة في الفترة نفسها. لا أحد سيصدق بأن ذلك خطر في بالي قبل حصوله بوقت طويل جداً. هكذا كان عليّ اختراع اغتيال مختلف بصورة مطلقة تماماً، يجلبون للسوق كلاباً مفترسة، مدربة بصورة خاصة، وعندما تصل زوجة الديكتاتور ترمي الكلاب نفسها عليها وتمزقها، بعد ذلك أسعدني أن العربة غير مهمة. حادث الكلاب أكثر أصالة وهو في روح الرواية أكثر، على رغم ان على الواحد منا ألا يقلق كثيراً بسبب ذلك: إذا لم يكتب مشهداً أو يسقط آخر، فما عليه أن يفعل؟ من المثير للفضول العثور على الأحسن دائماً. إذا اكتفى المرء مقتنعاً بالمشهد الأول فقط، فسيخرج خاسراً. المشكلة أكثر جدية تُقدم نفسها عندما يجد الواحد المدخل أحسن، حينها لا يمكن عمل شيء. لكن، كيف يُعرف ذلك؟ مثلما يعرف المرء متى يكون الحساء جاهزاً. لا أحد يعرف من دون التجربة، لكن لنرجع إلى الشبيهات، يجب أن لا ندع انفسنا ترتعب عندما لا تكون لها علاقة مع الآفاق الجوهرية للقصة. لأن هناك بالتأكيد قصصاً مختلفة جداً وعلى رغم ذلك تملك الشيء المشترك نفسه. يجب تعلم الرمي. الكاتب الجيد لا يعرف الكثير مما ينشره مثلما لا يعرف ما يرميه في سلة الزبالة. الآخرون يعرفون ذلك، لكن المرء يعرف ما هو للرمي في الزبالة وما هو قابل للاستغلال. إذا فعل ذلك فإنه يسير على الطريق الصحيح.
من أجل أن يكتب المرء، عليه ان يعتقد أنه أفضل من سرفانتيس! عكس ذلك، فإن المرء ينتهي إلى أفقر مما هو عليه في الواقع. يجب أن يصبو المرء إلى الأعلى محاولاً الوصول إلى الأبعد. ويجب امتلاك خطة، ومن الطبيعي محو ما يجب محوه ومن أجل سماع أفكار والتفكير بها بصورة جيدة. خطوة واحدة أكثر ونحن نُخضع للشك وللتجربة تلك الأشياء التي تبدو لنا جيدة.
وأكثر، فعلى رغم أنها تظهر لكل العالم جيدة، يجب ان يكون الكاتب مهيأ لوضعها موضع الشك، ليس ذلك سهلاً. رد الفعل الأول الذي يملكه المرء عندما يبدأ في الشك بأن عليه تمزيق شيء ما، هو الدفاع: "كيف سأمزق هذا، إذا كان هو أكثر ما يعجبني؟". لكن الواحد يحلل ويخطر في ذهنه، في الواقع، ان القصة لا تشتغل من الداخل، انها تبتعد عن البناء، تتعارض مع سمات الشخصية، وتذهب في طريق آخر. يجب تمزيقها، ويؤلمنا في الروح اليوم الأول. في اليوم الثاني الألم أقل، في اليومين التاليين أقل بعض الشيء، في اليوم الثالث ما زال أقل، في اليوم الرابع لا يعود المرء يتذكر. لكن الحذر الأكثر هو من الاحتفاظ بدلاً من الرمي، فالخطر، انه إذا كانت المادة المرمية تحت اليد، يعود المرء لاستخدامها لكي يعرف ما إذا كانت تتلاءم مع لحظة أخرى. من الصعب المواجهة مع التخيير بين أمرين. بالنسبة إلينا في ورشة العمل، هذا ما يجعل كتابة السيناريو مختلفة. القصة نشتغلها جميعاً، لكن السيناريست واحد ووحده عليه الاختيار.
عمل السيناريست لا يتطلب هذا المستوى من الفطنة وحسب، يتطلب أيضاً تواضعاً كبيراً. الواحد يعرف كسيناريست، بأنه في وضع تسلطي لدى علاقته مع المخرج، المرء بمثابة الناسخ للمخرج، أو على الأقل أنه شخص مساعد له على التفكير. القصة هي لشخص واحد، نعم، لكن المرء يعرف في النهاية، عندما تمرّ على الشاشة، فإنها ستكون للمخرج. لم أشاهد مرة في حياتي على الشاشة ولو صورة واحدة تقول إنها لي. لا اعرف عدد السيناريوهات التي اشتغلتها، بعضها جيد، والآخر سيئ، وفي النهاية أراها على الشاشة ليست هي التي امتلكتها في رأسي. أتصور اللوحات دائماً بصورة مختلفة تماماً. غالباً أوضح للمخرج، الإطار الذي أضعه للمشهد: "انظر - أقول له - الكاميرا هي هنا، هذه الشخصية في مقدمة المشهد، وهذه الأخرى في الخلف. اذا تحركت الكاميرا الى هنا، فإن الشخصية الأخرى تظهر في العمق". أذهب لرؤية الفيلم فأجد اللوحات مختلفة بصورة مطلقة لأن المخرج انجز المشهد وفق طريقته. اذا كان المرء يريد ان يصبح سيناريست ويستمر، عليه قبول ذلك. تقريباً كتاب السيناريو كلهم يرغبون ان يكونوا مخرجين، وبالنسبة إليّ يبدو الأمر حسناً، لأن كل مخرج يجب ان يكون مؤهلاً ليكتب سيناريو. المثالي ان تكون الصورة النهائية للسيناريو من انجاز المخرج والسيناريست معاً.
واذ نتكلم عن الثنائي، نتكلم ايضاً عن الثلاثي. أي عن المنتج أيضاً. أصر بأن تضم المدرسة الى برنامجها دروساً للانتاج المبدع. ان يكون المنتج لكي لا ينفق المخرج الأموال في غير محلها. مرات عدة يخطر في البال ان أفلاماً معينة سيئة بسبب النقص في الانتاج. قبل زمن قصير عرفت عن منتج انه سعيد لأنه أجبر المخرج على الخضوع لتمويل قاس... وعندما رأيت الفيلم خطر في بالي ما كان قد توصل اليه. مبتدئين بالممثلين، فبدل ممثلين من الدرجة الأولى، ألف وباء، الذين كانوا أصناماً، كان على المخرج استخدام سين ودال، وممثلين رخيصين جداً... على المستويات كافة. النتيجة كانت عند المشاهدة.
النقص في المال يُرى في كل مكان، وفي الواقع، قضى ذلك على الفيلم. المنتج يجب ان يعرف انه متعهد فقط، ممول، عمله يتطلب خيالاً ومشاريع، كمية من الابداع من دون ان يوهن الفيلم بسببها.
واذ يصر المرء على كتابة سيناريو، يجب ألا يزول حماسه بسبب العوائق. يجب كتابة سيناريوهات متفائلة، على رغم ان المخرجين يمارسون الوحشية معها تباعاً. وأعيد: من أجل عمل سيناريو جيد ليس هناك ملاذ من رمي وقذف اشياء كثيرة في سلة الزبالة. هذا ما يُطلق عليه النقد الذاتي، الشيت ديريكتاتر Shittderector الذي تكلم عنه همنغواي. المخرج الذي هو مع العمل الأكثر جودة هو "روي غيرا Ryu Guerra"، لأنه لا يشعر بتطابقه معي، يقول لي ما يجب ان يقوله لي، ويكفي. انا أكن له احتراماً كبيراً كمخرج وكمبدع، لكن ذلك لا يمنعني من التكلم معه غالباً. ما لا يصلح لا يصلح، ويجب رميه، يأتي من أين يأتي، الأمر المهم ألا يصل على الشاشة.
"لص يوم السبت" يعجبني لأنه، على رغم انه لا يبدو لي سيناريو اصيلاً جداً، فإنه كذلك، لا أتذكر انني قرأت القصة هذه من قبل، ولا رأيتها في مكان ما. الواحد ممكن ان يتصور ما سيحدث، لكن لا يهم، لأنه مروي بشكل جيد. مروي بالصوت الذي تتطلبه القصة، الشيء الآخر الذي لا يخطئ المرء الظن به: عندنا القصة ونعتقد بأنها محلولة مقدماً، لكن مباشرة نبدأ لنكتب ويظلّ الصوت، أو الستايل. من الممكن ان نصل الى زقاق من دون مخرج. من الحظ، اننا جميعاً نحمل جزءاً ما من الارجنتيني الصغير الذي سيقول لنا ما علينا ان نفعله. وأقول من الحظ لأن هناك طرقاً عدة لكتابة سيناريوهات، لكن، في الحقيقة، ولا واحدة منها صالحة: كل قصة تحمل معها تقنيتها. بالنسبة الى السيناريست المهم هو التمكن من اكتشافها. وبالنسبة اليّ، يبدو هذا التصور لپ"لص يوم السبت" هو الأخير، قبل ان يمر على المخرج.
سComo se cuenta un cuentoس
Olero Ramos Editores
Madrid, 1998


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.