لم يحسم بعد توزيع أعضاء المجلس البلدي لمدينة بيروت على المذاهب المسيحية بسبب مشكلة طارئة تأمل أوساط مقربة من الفاعليات السياسية والروحية المسيحية أن تسفر الاجتماعات المتلاحقة عن توافق على حل في شأنها يرضي الجميع ويوقف السجال تمهيداً للبدء بالبحث في طبيعة الائتلاف الذي يجمع عليه الناخبون الكبار في العاصمة. فمجلس بلدية بيروت يتألف من 24 عضواً منتخباً يتوزعون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. والقيادات الإسلامية حسمت التوزيع بتخصيص ثمانية مقاعد للسنّة وثلاثة للشيعة ومقعد للدروز. ومع ان قانون الانتخاب البلدي لا ينص على التوزيع الطوائفي للاعضاء، فان التقليد المتبع منذ الخمسينات قضى باعتماد مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في توزيع المقاعد. وعلمت "الحياة" ان القيادات الإسلامية في بيروت أخذت على عاتقها الا تتدخل في توزيع الأعضاء على المذاهب المسيحية تاركة الأمر للمعنيين في الشارع المسيحي لتجاوز الخلاف. ونقل عن رئيس الحكومة رفيق الحريري قوله امام وفود بيروتية زارته في دارته في قريطم "اننا نفضل عدم الدخول في قضية توزيع الأعضاء المسيحيين مذهبياً ولا أظن ان هناك من يسمح لنفسه بالتدخل خشية ان يقال اننا نناصر مذهباً على آخر. وما يهمنا الدعوة الى الائتلاف، وانتخاب ابناء العاصمة مجلسهم البلدي الذي يجدون فيه التمثيل الصحيح القادر على تلبية احتياجات المدينة، فيكون للجميع من دون استثناء". وركز رئيس الحكومة على أنه "يحبذ عدم التمثيل السياسي المباشر للقوى السياسية لمصلحة التمثيل غير المباشر لتأمين انتخاب من نعتبرهم مؤهلين لخدمة العاصمة وإيجاد الحلول لمشكلات يعانونها وصولاً الى تطوير بيروت وانمائها بكل مرافقها الحيوية والخدماتية". تحرك بطرس وعودة وبالنسبة الى توزيع الأعضاء على المذاهب المسيحية علمت "الحياة" من أوساط مسيحية أن متروبوليت بيروت لطائفة الروم الأرثوذكس المطران الياس عودة والوزير السابق فؤاد بطرس يتوليان في شكل رئيسي التشاور مع المعنيين في الشأن الانتخابي لبلورة توجه مشترك، يتقاطع مع الدعوات الى الائتلاف، لقطع الطريق على احتمال حصول خلل في التمثيل المتوازن بين المسيحيين والمسلمين. وقالت الأوساط ان المعنيين يدرسون في الوقت الحاضر صيغة لتوزيع الأعضاء على المذاهب المسيحية، ليست جاهزة الى الآن، لكنها قد تكون على النحو الآتي: ارثوذكس 4، موارنة 2، كاثوليك 2، أرمن ارثوذكس 2، أرمن كاثوليك 1، أقليات 1. وتتنازع المذاهب المسيحية الرئيسية في ما بينها على زيادة حصتها. وتصر الأقليات على اعطائها مقعدين، واحد للسريان وآخر للبروتستانت. وفي تقدير الأوساط المسيحية ان مسألة الخلاف على التوزيع ستحسم ولن تتسبب في التأثير السلبي في بلورة الصيغة الائتلافية التي باشر بطرس استمزاج الآراء في شأنها على قاعدة عدم استبعاد الأطراف الأساسيين في المعارضة المسيحية من التمثيل. وكشفت عن وجود رأيين داخل المعارضة الأول يتزعمه رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون والتيار الوطني الحر العونيون ويدعو الى خوض المعركة بالتعاون مع المعارضين التقليديين من مسيحيين ومسلمين للرئيس الحريري، في مقابل الرأي الثاني الذي يدعم الائتلاف شرط الحفاظ على ما يضمن التمثيل الحقيقي. موقف الحص وأكدت الأوساط ان هناك قدرة على التوفيق بين المعارضين شرط ان يؤخذ بضرورة تمثيلهم في الائتلاف بحصة مميزة، لئلا يأتي التمثيل ناقصاً لحساب قوى مسيحية تتمتع بحضور رمزي. وفي انتظار ان يوفق بطرس في جمع شمل المعارضة من جهة وفي حسم الخلاف الدائر على توزيع الأعضاء على المذاهب المسيحية من جهة ثانية، فأن الموقف المبدئي الذي أعلنه رئيس الحكومة السابق النائب الدكتور سليم الحص لجهة رفضه التدخل في الانتخابات لمنع تسييس المعركة البلدية لن يمنع القوى الرئيسية، وعلى رأسها الرئيس الحريري ورئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت النائب تمام سلام من التواصل معه على أمل اقناعه باعادة النظر في موقفه المبدئي قبل ان يتحول قراراً نهائياً. وفي حال أصر الرئيس الحص على موقفه، لن يكون أمام الناخبين الكبار في بيروت، سوى اللجوء الى التعاون غير المباشر من خلال ضم مرشحين على اللائحة الائتلافية تربطه به علاقات وطيدة وينتمون الى "ندوة العمل الوطني" التي أسسها رئيس الحكومة السابق. ويفترض ان يتيح التعاون غير المباشر الفرصة أمام استعجال قيام ائتلاف قوامه الأساسي الرئيس الحريري والنائب سلام وان كان الحديث عنه لا يزال في اطار الرغبة ولم يتطور على طريق انجاز الاتفاق النهائي. واللافت ان الائتلاف المحتمل لن يكون بمثابة عرض للقوة لفرض ائتلاف قسري مع القوى المسيحية يأتي بممثلين لقوى منتفخة يعطيها حصة تفوق حجمها الحقيقي أسوة بما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة في عدد من المحافظات. موقف "حزب الله" وعن موقع "حزب الله" في الانتخابات البلدية باعتباره القوة الشيعية الرئيسية التي حصلت في الانتخابات النيابية عام 1996 على أكثر من سبعين في المئة من أصوات المقترعين الشيعة في محافظة بيروت، فان المعادلة البلدية قد تختلف عن المعادلة النيابية. ويتردد في بيروت أن احتمال قيام تعاون غير مباشر بين الحريري وقيادة الحزب، وارد، ليوازي ائتلافه مع النائب سلام وآخرين، اضافة الى التعاون الأكيد مع النائب محمد يوسف بيضون. ولم تستبعد مصادر مقربة من رئيس الحكومة وأخرى من الحزب امكان متابعة البحث بينهما لبلورة الصيغة النهائية للتعاون المدعومة هذه المرة من الأجواء الإيجابية التي تسود علاقتهما في ظل استمرار التواصل بين قريطم وقيادة الحزب على أكثر من صعيد بدلاً من أن يكون محصوراً في تحصين الموقف اللبناني من الاقتراح الاسرائيلي التطبيق المشروط للقرار الدولي الرقم 425. فالأجواء الإيجابية القائمة بينهما منذ أكثر من سنة تعطي الفرصة لبلورة صيغة من التعاون البلدي تستمد قوتها من النيات الطيبة التي يظهرها مقربون من الحريري والحزب. وان كانت تحتاج الى مباشرة الحديث في العمق عن طبيعة التعاون تتويجاً للرغبات المشتركة التي يعبرون عنها، والتي تلقى ترحيباً يفترض ان يترجم قراراً نهائياً في ختام المفاوضات التي ستبدأ قريباً.