عُرضت قبل نحو عشرين عاماً، ومن شاهدها في تلك الأيام كان صبياً أو طفلاً، وجاء اليوم بأطفاله ليشاهدوها: إنها مسرحية "صابر والعيد" التي تعرضها في بيروت فرقة السنابل مسرح توفيق طبارة. والمسرحية، أبطالها دمى، تحكي قصة أطفال يعيشون في بعض أحياء بيروت. وصابر هو حمار يعذبه صاحبه. وزهرة فتاة تعمل خادمة عند سيدة قاسية. ومروان طفل يبيع بالونات في الشوارع. وتنشأ صداقة بين الثلاثة وخصوصاً بين زهرة والحمار صابر، فتقول زهرة لصابر عشية العيد "أنت ستعيّد وأنا لا تسمح لي معلمتي بذلك". فيتذمر صابر أيضاً من صاحبه ويعبّر أيضاً مروان عن حاله، ويتعلم صابر النطق ويعترض على صاحبه ويهرب ويخلص زهرة من النافذة ويأخذان معهما مروان والأطفال ليبحثوا عن العيد فيجدونه بوابة كبيرة مقفلة لا يمكن دخولها الا بالمال فيعودون ويصنعون عيدهم بأيديهم. والهدف من المسرحية هو تعليم الأطفال "ان العيد قريب منهم وموجود في ذواتهم ويمكن ان يصنعوه بأيديهم ولا ضرورة لشرائه" على ما قال لپ"الحياة" مؤلف القصة ومخرجها غازي بكداشي. ويرى بكداشي "أن الحماسة التي عرفتها المسرحية العام 1979 لم تختلف عنها هذا العام على رغم التكنولوجيا والألعاب الالكترونية التي يلعب بها أطفال اليوم، والتي لا علاقة لها بالإنسانية والحب والحرية". ويضيف "هذه القيم حدت بنا لنقدم هذه المسرحية مرات عدة على مسرح الدمى والشخوص". واعتبر "ان مسرح الطفل يتعلق بحقوقه الاجتماعية التي يكاد لا يجدها في مجتمعنا اذ لا يجد الأطفال أماكن للعب وسط هذه الكتل الاسمنتية التي أتت على الأشجار والمساحات الخضر والحدائق، اضافة الى ان حرج العيد لا يزال مقفلاً والملعب البلدي الذي يجب ان يكون ملعباً لكل الأطفال مقفل نتيجة سياسة تعمل ضد المجتمع". وأشار بكداشي الى "ان الناس في حاجة الى أموال كثيرة ليفسحوا أطفالهم. ومن هنا اندفعنا الى تقديم العمل مجاناً. والمسرحية تغني ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم". ورأى "ان المسرح في هذه الأيام والبرامج التلفزيونية تقدم اعمالاً لا علاقة لها بالتراث العربي واللبناني، ويستعمل المسرحيون مفردات من الانكليزية والفرنسية وشخصيات أجنبية لا تعني الطفل شيئاً". وأوضح "ان ثقافة الأطفال لا تستورد ولا يمكن استيرادها. ففي فرنسا يقدمون أعمالاً للأطفال تختلف عما يقدمه الألمان لأطفالهم. فلكل بلد انتاجه الخاص به ويقدمون ما يحترم عاداتهم وتقاليدهم. أما نحن فنستورد كل شيء حتى الثقافة، والقيمون على الثقافة في بلدنا يسيرون في هذا الجو الاستهلاكي". وأضاف "الطفل ضحية كبيرة لا الناس فقط، ومسرح الطفل جزء من حقوقه، ولا يمكنه المسرح ان يلبي حاجات الطفل، خصوصاً ان مسرح الطفل في لبنان استهلاكي ويعلم الأطفال شراء الأشياء لا صناعتها وهذا خطير. اضافة الى تعليمه ان المجتمع الأساسي هو الذي يتكلم الإنكليزية والفرنسية. اما لغته الأم فلا يعطونه ثقة فيها". واعتبر "ان جو التغريب هذا الذي يعيشه الأطفال يجعلهم بعيدين من الإبداع ومن الثقة بالنفس. اما نحن في مسرح الدمى فنبتعد من التقنيات الجاهزة ونصنع أبطال المسرحية من قطع قماش موجودة في بيوتنا وتصبح شخصيات تتكلم وتعطي شعوراً للناس". وعن الفرق بين مسرح الدمى ومسرح الشخوص أجاب "لكل مسرح متطلبات وتقنيات تختلف عنه في المسرح الآخر. والطفل في حاجة الى كل الأنواع التي تعبر بصدق ولا يفرّق بين هذا وذاك. وهو صادق لا يعرف الكذب. وإذا لم يرقه العمل راح يشاغب ولا يصفق مجاملة مثل الكبار". وعن فرقة السنابل قال بكداشي "تأسست العام 1976، وكانت تضم مجموعة من الشباب والصبايا، وكنت مسؤولاً عن الفرقة، وكانت فرقة إنشاد شعبية، وكان معنا مطربون منهم خالد الهبر وأحمد قعبور وسواهما. وكنا نقدم أغاني من شعر بدر شاكر السياب ومحمود درويش وسواهما، ثم حوّلنا الفرقة الى فرقة مسرحية للأطفال، وقدمنا مسرحيات كثيرة شارك في بعضها مئات الأطفال وعرضنا بعضها في قصر الأونيسكو وبعضها استمر عروضه عامين وبعضها كان استعراضياً". وعن واقع مسرح الدمى قال "نعمل بناء على طلب كثيرين على اعادته بعدما توقف وخصوصاً في الثمانينات بعد الاجتياح. وقبل هذه الفترة كان هناك أربع أو خمس فرق للدمى منها فرقة جوزيف فاخوري وابنه كفاح وفرقة نجلا جريصاتي وفرقة الغدير وسواها". وأشار الى "انه في أيام الاجتياح لم يعد أحد يقدم عملاً بسبب الأزمة الاقتصادية. ونحن لا منتج لدينا ونموّل أعمالنا ذاتياً. واليوم نحاول أن نعيد مسرح الدمى الى ما كان عليه". وختم "دائماً نعمل على قصص، وأعمالنا تتعلق بتراثنا ومن دون ترجمة، على رغم انفتاحنا على الثقافة العامة. ونحن ننتج كل أعمالنا".