من دون اخلاء قواعد عسكرية او مستوطنات، بدأت القوات الاسرائيلية صباح امس بوضع المكعبات الاسمنتية واللافتات على خطوط التماس الجديدة بين المناطق المنقولة للسيطرة الفلسطينية وتلك التي ستبقى تحت السيطرة الاسرائيلية في منطقة جنين، ايذاناً بالشروع في تنفيذ المرحلة الاولى من اعادة الانتشار في الضفة الغربية وفق مذكرة واي ريفر. وأثارت هذه اللافتات احتجاج الفلسطينين اذ كُتب عليها عبارة: "احذر، مناطق سلطة فلسطينية" بالعبرية والانكليزية والعربية. ولم يقتصر الاحتجاج الفلسطيني على هذه الاهانة فقط بل وصل ذروته عند اكتشاف قائد قوات الامن الوطني العميد اسماعيل جبر ان الاسرائيليين ادخلوا في الساعات الاخيرة التي سبقت التنفيذ تعديلات على خرائط اعادة الانتشار، وذلك بإبقاء سيطرتهم الكاملة على محورين للطرق في منطقة جنين التي انسحبوا منها ليقطعوا بذلك التواصل الجغرافي في المنطقة، وليقسموها الى ثلاث كتل. ولم تسوَ المشكلة الا بتوجه اللواء جبر برفقة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاسرائيلي على متن مروحية عسكرية اسرائيلية الى الخليل، حيث التقوا الرئيس ياسر عرفات الذي أمر بالتوقيع على اتفاق نقل الصلاحيات بعد تعليقه لساعات عدة. ودخلت سيارات الشرطة الفلسطينية القرى الفلسطينية ال 28 التي اعيدت الى السلطة الفلسطينية ومن بينها قباطية، التي يقطنها 17 ألف فلسطيني، وسط ترحيب فلسطيني عارم وزخات الرصاص من رشاشات افراد الشرطة، ورفعت الاعلام الفلسطينية وصور الرئيس الفلسطيني في اكثر من محور. من جهة اخرى، وُقِّعَ في تل ابيب على اتفاق افتتاح اول مطار فلسطيني مطار عرفات الدولي في مدينة رفح في قطاع غزة. ومن المقرر ان يبدأ العمل رسمياً في هذا المطار الثلثاء المقبل وستدشنه طائرة الرئيس الفلسطيني. لكن الفرحة كانت شبه مفقودة في المراكز الثلاثة التي وصل اليها 250 سجيناً فلسطينياً بينهم 150 سجنياً جنائياً والباقون سجناء أمنيون منهم من قاربت مدة محكوميته على الانتهاء وآخرون اعتقلوا لدخولهم اسرائيل من دون تصاريح. وعلت اصوات الفلسطينيين منددة باتفاق واي ريفر، وشاركهم بعض المفاوضين الفلسطينيين الذين أملوا بالافراج عن المعتقلين السياسيين خصوصاً المرضى وكبار السن منهم. وبعد تنفيذ المرحلة الاولى من عملية اعادة الانتشار الثانية في الاراضي الفلسطينية يستعد الفلسطينيون لزيارة الرئيس بيل كلينتون، وهي الزيارة الاولى لرئيس اميركي الى الاراضي الفلسطينية. ومن المقرر ان يصل كلينتون الى غزة في الثاني عشر من شهر كانون الاول ديسمبر المقبل للمشاركة في مؤتمر موسع للمؤسسات الفلسطينية المختلفة التي سيصادق اعضاؤها مجدداً على الغاء بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تدعو الى تدمير اسرائيل. وبعد شهر ونصف الشهر اي في مطلع كانون الاول يناير من العام المقبل ستنفذ اسرائيل المرحلة الثانية من الانسحاب الثاني وسيتم نقل الصلاحيات المدنية في خمسة في المئة من المناطق الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الاسرائيلي الى السلطة الفلسطينية على ان تبقى تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية. ورجحت مصادر اسرائيلية ان تنفذ هذه المرحلة في منطقتي نابلس ورام الله. اما المرحلة الثالثة، فستنفذ في 19 شباط فبراير المقبل، وستنقل خمسة في المئة اضافية الى السلطة المدنية الفلسطينية، اضافة الى نسبة واحد في المئة تنقل الى السيطرة الفلسطينية الكاملة. وهذه الاراضي تقع في منطقة الخليل. ومن المقرر ان تبدأ بعد ثلاثة اشهر من الآن مفاوضات جديدة بين الفلسطينيين والاسرائيليين في شأن المرحلة الثالثة والاخيرة من اعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية حسب ما ورد في اتفاق اوسلو قبل الشروع في مفاوضات الحل النهائي. يذكر انه حسب اتفاق واي ريفر وافق الفلسطينيون على البدء في مفاوضات التسوية النهائية قبل تنفيذ المرحلة الثالثة من الانسحاب. لكن نتانياهو قد يضطر الى تقديم موعد الانتخابات ربما قبل انهاء تنفيذ المرحلة الثانية من تطبيق اتفاق واي ريفر في ضوء المعارضة الشديدة التي يواجهها داخل ائتلافه الحكومي بعد ان تمكن بصعوبة من الحصول على تأييد غالبية ضئيلة لتنفيذ الاتفاق. ورجحت مصادر سياسية اسرائيلية ان يخفق نتانياهو في تجنيد هذه الغالبية في المرحلة المقبلة التي ستنطوي على اخلاء قواعد عسكرية اسرائيلية وتطويق بعض المستوطنات المقامة على اراضي الضفة بمنطقة كبيرة تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. وبدأت محافل سياسية في تل ابيب بالحديث عن احتمال تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تضم حزب العمل المعارض لمواجهة احزاب اليمين المتطرف المشارك في حكومة "ليكود" الحالية. وفي الوقت الذي اكد فيه زعيم حزب العمل ايهود باراك ان هذا الخيار مرفوض من قبله، لم تخف اصوات داخل حزبه وعلى رأسها حاييم رامون ورئيس الوزراء السابق شمعون بيريز رغبتها بالتحالف مع تكتل "ليكود" الذي يترأسه بنيامين نتانياهو لانقاذ عملية السلام.