لم يكن التفجير في بئر السبع مفاجئاً، لأن شيئاً ما كان لا بد أن يحدث ليستغله نتانياهو في فرض شروطه على عرفات في قمة "واي ريفر". والفلسطيني الذي فجر القنبلتين قدم للأسف خدمة لرئيس الوزراء الاسرائيلي، فانتزع تعهداً واضحاً من عرفات بفعل "كل شيء لمحاربة الارهاب والعنف"، بتعاون كامل مع الدولة العبرية. وعكس ما بدا من قلق أميركي، ساهم الحادث في انقاذ جهود كلينتون الساعي الى اتفاق في القمة بأي ثمن، فقطف أول تفاهم فلسطيني - اسرائيلي فيها لن يكون في مصلحة عرفات وشعبه. اذ أن خبرة نتانياهو في الكذب واسعة، وسيستخدم البيان المشترك الذي تلى التفجير ذريعة ليحقق حلمه القديم بجر سلطة الحكم الذاتي الى مواجهة مسلحة مع المعارضين لأوسلو، وكذلك الاتفاق الهزيل الذي سيرعاه العراب الأميركي في واي بلانتيشن. هزيل لأن ما تسرب عن المفاوضات العسيرة التي حشد لها العراب كل أركان الادارة ومدير ال "سي. آي. اي"، يستبعد تنازل الطاقم الليكودي عن "ايديولوجيا الأمن" من أجل ارضاء كلينتون وتحقيق رغبته في تسجيل انجاز قبل انتخابات الكونغرس... فكيف من أجل ارضاء عرفات الذي استمرأ نتانياهو ابتزازه في مواجهة اصرار الرئيس الفلسطيني على حل متكامل يمهد لمفاوضات الوضع النهائي. لم يكن رئيس الوزراء الاسرائيلي يوماً، منذ وصوله الى الحكم، مستعجلاً للتوصل الى صفقة، وهو إذا وقّع شروطها سيتطلب تنفيذها سنوات، في حال نفذت، ولا مبرر للتفاؤل بأنها ستكون أفضل من اتفاق الخليل الذي ترك للسلطة الفلسطينية مسمار جحا في المدينة، اولئك اليهود المشعوذين بتطرفهم. ومشكلة الادارة الأميركية عجزها عن فهم زعيم ليكود الذي برع في تقويض جهودها واعطاء البرهان تلو الآخر على تحديها لأن الضغوط على الاسرائيلي عملة مزورة لا يتداولها، والسلام يقبله فقط حين يفرضه بمواصفاته. اما المعضلة فهي أن ادارة كلينتون اكتشفت متأخرة جداً شبح الكارثة الذي يهدد المنطقة، وحزمت أمرها لكنها مارست الضغوط باتجاه معاكس، على الطرف اليائس. صورة سوداء، بل واقعية بسوادها، فلو سلّمت اسرائيل - نتانياهو بحقوق الفلسطينيين وبالتعايش معهم كجيران لما كانت هناك حاجة الى اتفاقات تولد معاقة، ولا الى قمة من نوع "واي ريفر" التي أرادها كلينتون كمب ديفيد ثانية، وتواجه احتمالين: ان تنفض بفشل إذا تشبث نتانياهو باتفاق 13 في المئة " تفاهم أمني مع تأجيل البحث في المرحلة الثالثة من إعادة الانتشار في الضفة الغربية، أو يرضخ الفلسطينيون مع حل مشكلة مطار غزة والممر الآمن، ووعد ببدء المرحلة الثالثة ما أن تثبت السلطة الفلسطينية "حسن سلوكها" بشن حرب شاملة على "الارهاب". واضح ان الرئيس الأميركي رمى بكل ثقله للخروج باتفاق، كذلك فعل وزير الخارجية الاسرائيلي ارييل شارون، انما ليزايد على مطالب نتانياهو، ويعامل عرفات بوصفه زعيماً لمنظمة "ارهابية". والسؤال: ألا يكفي اعتزاز زعيم ليكود ب "السجل العسكري المشرّف" للوزير، بطل مذابح صبرا وشاتيلا، ليكشف ما تعده جوقة الائتلاف المتطرف في اسرائيل؟ التفجير في بئر السبع تزامن مع نشر وثيقة اسرائيلية تتوقع مجازر للفلسطينيين.