يقف أقطاب قمة "واي بلانتايشن" أو "واي ريفر" وجهاً لوجه أمام مأزق أخطر من مأزق جمود العملية السلمية وأزمة تعثر المفاوضات الذي واجهوه منذ مطلع العام الجاري. فالزعماء الثلاثة، كلينتون ونتانياهو وعرفات، ووفودهما في سباق مع الزمن لإملاء الفراغ الخطير الذي سينشئ بعد أقل من 7 شهور "4 أيار القادم"، حين تنتهي الفترة الانتقالية ومرحلة الحكم الذاتي الفلسطيني التي أسسها اتفاق أوسلو قبل 5 سنوات. ويمكن اعتبار مفاوضاتهم أخطر جولات المفاوضات التي خاضها المفاوضون الفلسطينيون منذ مفاوضات مدريدوأوسلو وحتى الآن. ونتائجها حاسمة في تقرير مصير المسار الأخير من عملية السلام التي انطلقت من مدريد، قبل 7 سنوات. ومن المؤكد ان قمة "واي بلانتايشن" تنعقد وكل القضايا الكبيرة والصغيرة المختلف حولها معلقة، وأمامها جدول اعمال طويل عريض تم تحديده كالتالي: أ قضايا المرحلة الانتقالية المعلقة وأهمها استحقاق الانسحاب الأول والثاني من اتفاق الخليل وجدوله الزمني، الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، تشغيل مطار غزة، اطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، بناء المناطق الصناعية. مصير المرحلة الثالثة من الانسحاب التي استحقت. وقف الاجراءات أحادية الجانب، مفهوم التبادلية في الالتزامات الأمنية. والجدول الزمني لتطبيق بنود المبادرة الاميركية اذا وافق عليها نتانياهو. ب قضايا المرحلة النهائية المثبتة في اتفاق اوسلو وهي: القدس، اللاجئين، الاستيطان، الحدود، العلاقات المستقبلية الثنائية والعلاقة مع الجوار، وقضية المياه التي رحّلت من الانتقالية للنهائية. فهل ستتمكن مفاوضات "واي بلانتايشن" المارثونية من نزع فتيل الانفجار، والتوصل خلال اسبوع واحد الى اتفاقات جديدة تنقذ المسار الفلسطيني، أم انه سيلتحق بالمسارات الأخرى، السوري واللبناني والمتعدد الأطراف، التي نسيها أهل المنطقة والمعنيين بصنع السلام فيها؟ وما هي الاحتمالات والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين حتى 4 أيار القادم، وفي ظل أية ظروف داخلية وخارجية يتفاوضون؟ إذا كان نجاح القمم المهمة، حسب الأعراف الديبلوماسية، يتطلب اعداداً جيداً لها وانجازاً أولياً لنسبة كبيرة من المسائل المطروحة على جدول أعمالها. فالتحضيرات الأولية لقمة "واي بلانتايشن" ينطبق عليها المثل القائل "حركة كثيرة وبركة قليلة" ولم تنجز شيئاً أساسياً. فاللقاءات الطويلة والكثيرة التي عقدها الرئيس كلينتون ووزيرة خارجيته وأركانهما مع عرفات ونتانياهو، في واشنطن ونيويورك والقدس وأريحا، أواخر ايلول الماضي وبداية تشرين الأول الجاري، لم تفلح في اقناع نتانياهو إعلان موافقته الرسمية على مبادرتهم التي طرحوها مطلع العام الجاري. ورفض إغلاق ملفات المرحلة الثانية تمهيداً للدخول في مفاوضات الحل النهائي. ورفض بإصرار عرض خرائط المناطق التي سيشملها الانسحاب وإعادة الانتشار الأولى والثانية. وتمسك بذريعة الأمن وبأوضاعه الداخلية، وبقي على مواقفه المناقضة للاتفاقات. وخرج من البيت الأبيض ومن كل اللقاءات الثنائية والثلاثية دون الالتزام بشيء. وفر ض أسس التحرك السياسي اللاحق وجدول أعماله، وجعل المبادرة الاميركية سقفاً لها. ورغم موافقة نتانياهو على عدم اتخاذ مواقف واجراءات تؤثر على التوجهات الجديدة وعلى المفاوضات اللاحقة، الا انه كعادته لم يلتزم، وأعلن عن بناء مستوطنة جديدة في تل رميدة في الخليل، وعن تحويل مستوطنة أرييل مدينة اسرائيلية، وعين شارون وزيراً للخارجية. وبدلاً من الضغط على نتانياهو سلط كلينتون وأركانه ضغوطهم على الطرف الفلسطيني الضعيف. ونجحوا في انتزاع عدم تحديد 4 أيار 1999 موعداً رسمياً للاعلان عن قيام الدولة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وبسط سيادتهم عليها، وفرغوا الجهود الفلسطينية لاستقطاب الرأي العام حولها. ووافق الجانب الفلسطيني على الاقتراح الاميركي الداعي الى تحويل 3 في المئة من أراضي الضفة الغربية، من أصل 13 في المئة المفترض انسحاب اسرائيل منها، الى محمية طبيعية يتقاسم الطرفان ادارة شؤونها الأمنية والمدنية. ووافق على تفعيل عدد من اللجان الثنائية الفرعية قبل التوصل الى اتفاق حول أية قضية جوهرية، وقبل اعلان الجانب الاسرائيلي موافقته على المبادرة الاميركية. وإذا كانت التحضيرات التي سبقت قمة "واي بلانتايشن" لم تعالج أياً من القضايا الجوهرية والفرعية فالظروف المحيطة باجتماعات الوفود لا تبشر بالخير. فالقمة تعقد في ظل موازين قوى مختلة تماماً لصالح اسرائيل، وظروف فلسطينية وعربية ودولية بالغة التعقيد، لا تتجه نحو إلزام حكومة نتانياهو المتطرفة قبول حلول عادلة وشاملة للقضايا الاساسية الشائكة. صحيح ان الرئيس كلينتون جدد التزام ادارته بمبادرتها، وأكد عزمه على مواصلة المساعي والجهود لأجل التوصل الى اتفاق. إلا ان التجربة اكدت مواقف ورغبات ان رئيس الولاياتالمتحدة في المسائل المتعلقة باسرائيل شيء يختلف تماماً عن امكانية تحقيقها. وسيواجه الوفد الفلسطيني الخيارات التالية، والواضح ان أحلاها مر: أ مفاوضات الحل النهائي سيصطدم عرفات وكلينتون في جلسات المفاوضات حول قضايا الحل النهائي، "المذكورة اعلاه" بأيديولوجية الليكود وبمصالح القوى اليمينية المؤتلفة معه. فالحدود الدنيا من الحلول التي يمكن ان يقبل بها الفلسطينيون لقضايا الحل النهائي تتعارض مع مصالحهم وتنسف معتقداتهم. فهم كانوا وما زالوا مخلصين لفكرة "الضفة الغربية هي أرض الميعاد التي وهبها الرب لبني اسرائيل ولهم الحق في استيطانها". والتوصل الى قواسم مشتركة مع الحكومة الاسرائيلية الحالية حول القدس واللاجئين والحدود والاستيطان... الخ شبه مستحيل وضرب من الخيال، حتى لو استمرت المفاوضات عقداً من الزمن. واعتقد بأن تعيين شارون وزيراً للخارجية واسناد ملف هذه المفاوضات اليه يعزز هذا الاستخلاص. فمواقفه من قضاياها معروفة للجميع ولا داعي لسردها. واذا كانت مفاوضات تنفيذ اتفاق الخليل وملحقه المتعلق باعادة الانتشار في الضفة الغربية استغرق حتى الآن قرابة عامين دون نتيجة، فليس عسيراً تقدير عدد السنوات الكثيرة التي ستأكلها المفاوضات مع شارون حول القضايا النهائية. وأقصى ما تستطيع مفاوضات واشنطن فعله هو الاتفاق على بدء التفاو ض حولها من دون تحديد سقف زمني للانتهاء منها. أي الموافقة على فتح اتفاق اوسلو وتعديل تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية وتمديدها لإشعار آخر. وسيتعرض المفاوض الفلسطيني لضغوط اميركية وابتزازات اسرائيلية متنوعة، هدفها انتزاع موافقته على هذا التوجه، وربط توقيت اعلان الدولة بنتيجة هذه المفاوضات، التي لن تنتهي طالما بقي الليكود ممسكاً بالسلطة. وخير للرئيس عرفات والوفد المرافق له ابقاء ملف هذه المفاوضات مقفلاً الى اشعار آخر من فتحه على طاولة واحدة مع شارون. ب قضايا المرحلة الانتقالية أما في شأن قضايا المرحلة الانتقالية "المذكورة أعلاه" فالاحتمالات والخيارات التي سيواجهها المفاوض الفلسطيني في واشنطن وحتى 4 ايار 1999 هي: الأول: الشروع في التفاوض حولها وتوصل الطرفين الى اتفاق أو اتفاقات حولها، والاتفاق ايضاً على تنفيذها كلها قبل 4 ايار المقبل. وسلفاً يمكن الجزم بأن لا أفق أمام هذا الاحتمال. فالقضايا المطروحة كبيرة وكثيرة ومعقدة، وليست فرعية من وجهة نظر الليكود. لا سيما وانها تتضمن إضافة لوقف الاجراءات أحادية الجانب، أي وقف الاستيطان من وجهة نظر الفلسطينيين، واطلاق سراح المعتقلين، وفتح الممر الآمن بين الضفة والقطاع. وتتضمن حسب المبادرة الاميركية نسبة من الانسحاب "13.5 في المئة" عن المرحلتين الأولى والثانية، ولم يوافق نتانياهو عليها رغم موافقة الجانب الفلسطيني على تحويل 3 في المئة منها الى محمية طبيعية. وتتضمن ايضاً الاتفاق على تحديد مساحة مرحلة الانسحاب الثالثة. وما يعرضه نتانياهو في شأنها "1 في المئة" مرفوض فلسطينياً. والواضح ان نتانياهو ذاهب الى واشنطن ولم يطلب من حكومته تفويضاً بالبت بكل هذه المسائل. ويخطئ من يعتقد بأن تعيين شارون وزيراً للخارجية وتسميته عضواً في الوفد الاسرائيلي لمفاوضات واشنطن سيسهل التوصل الى اتفاق حولها، فهو قادم لتعقيد المفاوضات وإفشال أي اتفاق يتعارض مع قناعاته الايديولوجية. الثاني: توصل السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية بضغوط خارجية، أو من دونها، الى صفقة تتضمن الشروع في مفاوضات متواصلة لبحث قضايا الحل النهائي. وتمديد مرحلة الحكم الذاتي الفلسطيني لفترة زمنية غير محددة، أو محددة حتى عام 2000 مثلاً، أي فتح اتفاق اوسلو والقفز عن 4 ايار كموعد لانتهاء مفاوضات الحل النهائي، والاتفاق على تشغيل المطار قبل نهاية العام، وتشغيل المنطقة الصناعية في غزة، واطلاق سراح أعداد محدودة من المعتقلين يتفق عليها لاحقاً، والاتفاق حول المسائل الأمنية، وحول الادارة الأمنية والمدنية للمحمية الطبيعية، ووضع جدول زمني للانسحاب من نسبة 10 في المئة عن المرحلتين الأولى والثانية، وإحالة الانسحاب الثالث الى لجنة خاصة. وهذا أقصى ما تطمح الإدارة الاميركية تحقيقه في اللقاءات القادمة. ويمكن القول ان هذا الخيار يمكن ان يمثل قاسماً مشتركاً بين معظم أطراف الائتلاف الحاكم في اسرائيل، وسيتعاملون معه باعتباره الحد الأقصى والنهائي الذي يمكن تقديمه. وسيعملون على ربط تنفيذه بشروط تعجيزية اخطرها تمديد المرحلة الانتقالية وفرض توقيتات زمنية تمكنهم من المضي قدماً في تنفيذ توجهاتهم والتحلل من التزاماتهم. وهذا الخيار يفترض رفضه فلسطينياً بسبب الأضرار الفادحة التي يلحقها بمصالحهم الوطنية وباستراتيجيتهم التفاوضية. وقبوله يعني قبولهم صفقة خاسرة تماماً تفقدهم حقوقاً أساسية نصت عليها الاتفاقات، وأخرى لم تبدأ المفاوضات حولها حتى الآن. فالدخول في مفاوضات الحل النهائي قبل التوصل الى اتفاق حول جميع قضايا المرحلة الانتقالية، وبخاصة وقف الاستيطان، وتحديد مساحات وتوقيتات مراحل الانسحاب الثلاث، وقبل وضع جدول زمني ملزم وآلية رقابة ملزمة، يعني هدر حقوقهم التي نصت عليها الاتفاقات، أما إحالتها الى مفاوضات الحل النهائي، التي ستبقى تدور في حلقة مفرغة، فيسهل على القيادة الاسرائيلية بناء مزيد من الوقائع الكفيلة بتحويل الحل المرحلي الانتقالي الى حل نهائي دائم. الثالث: تمترس الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي عند مواقفهم وخلف أهدافهم الاساسية، وفشل الجهود الاميركية وعدم التوصل الى أي اتفاق من الآن وحتى أيار القادم. يتلوه قيام كل طرف بما يحلو له من خطوات واجراءات سياسية وعملية، لتكريس أهدافه الاساسية وفرضها على الأرض كأمر واقع بالوسائط والقوى المتوفرة والمتاحة له. ويبدو ان حظ هذا الخيار ليس قليلاً ومواقف الأطراف مندفعة باتجاهه. فمن غير المرئي موافقة الحكومة الاسرائيلية على الإقرار ولو من حيث المبدأ بالحقوق الفلسطينية الواردة في الاتفاقات كما يتصورها الفلسطينيون. وبخاصة وقف التوسع في الاستيطان، وتسليمهم مساحات اضافية من الأرض. وأظن ان شارون وشارانسكي ذاهبان للمفاوضات لتكريس احتلال اسرائيل لأوسع مساحة من الأرض وليس تقليصه وإنهائه. ولا أرى أية عوامل محلية أو اقليمية أو دولية استثنائية جديدة تفرض على نتانياهو التراجع عن مواقفه التي اتخذها منذ تسلمه السلطة، وتجبره على دفع الاستحقاقات التي نصت عليها الاتفاقات. وأظن انه كرجل ايديولوجي يفضل اغضاب الادارة الاميركية والعالم، والذهاب الى انتخابات مبكرة على تقديم ما يمكن اعتباره تنازلات تمس مبادئه ومعتقداته. أما الفلسطينيون فمصالحهم الوطنية تفرض عليهم التمسك بكامل حقوقهم المرحلية المنصوص عليها في الاتفاقات. فالموافقة على القفز عن 4 أيار 1999 وعدم اعتباره نهاية المرحلة الانتقالية يفتح شهية الحكومة الاسرائيلية ليس فقط باتجاه الابقاء على الوضع القائم على الأرض على ما هو عليه الى اشعار آخر، بل وأيضاً العودة لقضم ما أمكن من الحقوق الفلسطينية التي تم انتزاعها حتى الآن، ومصادرة مزيد من الأراضي لصالح الاستيطان، ويضعف السلطة الفلسطينية أمام شعبها وأمام العرب والعالم، ويقفل الطريق امام اشكال المؤآزرة والمساندة العربية والدولية للمواقف والحقوق الفلسطينية. ويبين خضوعها لمواقف نتانياهو، ويعقد العلاقات الوطنية ويدفعها نحو صراعات داخلية قد تتخذ أشكالاً عنيفة. وخير لهم عدم التوصل الى أي اتفاق من التوصل الى اتفاق سيئ. * كاتب وسياسي فلسطيني.