أن يتحول سياسي إلى فنان أمر لا يبدو غريباً في روما، إذا أخذ في الاعتبار حب الايطاليين للظهور وحرص السياسيين منهم على الاحتفاظ بالشهرة حتى بعد التقاعد أو العزل. وهكذا قرر الرجل الذي تربع على عرش أقدم حزب اشتراكي أوروبي طوال 16 عاماً، وتولى رئاسة الحكومة أربع مرات متتالية من 1983 إلى 1987، أن يتحوّل فجأة إلى فنان تشكيلي. إنه بتينو كراكسي الهارب من وجه العدالة الايطالية منذ عام 1994 ومن تهم تتعلق خصوصاً بالفساد وسوء استغلال السلطة. فالسياسي الايطالي الهارب والمقيم في مدينة حمامات في تونس، عرض في غاليري "بيانكو" وسط روما، 37 عملاً ليتوغرافياً وسبعة أعمال سيراميكية جدرانية تحت عنوان "افريقيتي" My Africa. وافتتحت المعرض نيابة عن كراكسي مجموعة من الوزراء الاشتراكيين السابقين الذين اطاحتهم حملة قضاة "الأيادي النظيفة" وأنهت أدوارهم السياسية ودفعتهم إلى الاحباط والأزمات النفسية والأرق وهم يصرخون في كل مناسبة، كما هي حال كراكسي، بأنهم "ضحية لمؤامرة شيوعية" قادها "المركيز الأحمر" ماسيمو داليما الذي أصبح لسوء حظهم، رئيس وزراء ايطاليا. والمعرض لا يحمل جديداً لعالم الفن الايطالي، بل هو مجرد صور فوتوغرافية لقافلة جمال وصور فتيات بدويات عاريات الصدور، وصور الزعيم الاشتراكي نفسه وهو أمام عدد من الأنصاب الرومانية القديمة في تونس، وصورة للزعيم غاريبالدي وهو يمتطي حصانه... الخ. إلا أن هذه الصور تحمل توقيع كراكسي بالخط الأسود الكبير، باعتبار أن الفن الحديث هو عودة للاستعاضة عن اللوحة المسطحة التقليدية بكل ما هو متاح ومتوفر في الواقع اليومي، من وسائل التصوير التقليدية ما دام أي انتاج يحمل التساؤل حول المدلول والقيمة وحول ما يجعل من الموضوع أو الممارسات، عملاً فنياً لا يخضع لقوانين أو أنظمة. ويطلق على هذا الفن اسم "المفاهيمية" Conception الذي يعني اسلوباً انتقادياً تنازعياً حيوياً في تعامله مع المؤسسات الجمالية للانتاج الفني. لكن الايطاليين لم يتمالكوا ان يتساءلوا عن "الدلالات" والقيم الفنية والسياسية التي اختصر من خلالها كراكسي، لأقصى درجة، المسافة بين الفن والحياة، والتي حضت السياسي الخاسر الذي تحول "فناناً بائساً" على أن يصيب عصفورين بحجر واحد: حبه للسلطة وحنينه إلى أن يكون من جديد على ألسنة الناس.