من الصعب التنبؤ في أحسن الظروف بما ستؤول اليه أي مفاوضات فلسطينية - اسرائيلية لأن الأمر الأساسي في هذه القضية بالذات - قضية فلسطين - كان ولا يزال وسيظل تنازعاً من أجل البقاء. ليس بقاء الشعب الفلسطيني على قيد الحياة، فهو سيظل حياً ولن يغيب كما صارت، مع الأسف، غالبية من الاسرائيليين تتمنى. ولكن البقاء على أرض الوطن التاريخي والقدرة على تصريف شؤون الحياة في أجواء من الثقة في الحاضر والمستقبل: الثقة في أن ما يملكه المرء لن يصادر ويضيع عسفاً وبقوة السلاح وتحت التهديد بالعنف. الثقة في أن يستطيع الشعب الفلسطيني أن يقول بملء الفم انه كأي شعب آخر يملك حقه في تقرير مصيره على أرض وطنه، أو على جزء من ذلك الوطن من دون أن تعامله قوة احتلال معاملة قهر وإذلال. وإن عنى ذلك تعايشاً مع عدو مستعد أن يثبت حسن نياته كي يعتبر"عدواً سابقاً"، فليكن هذا، ولكن لا بد من نهاية لجحيم الاحتلال والقهر وعدم الشعور بالأمان. هذا لا يعني بالطبع التنازل عن الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في فلسطين. وأمر التنازل عن هذا الحق لا يملكه، ولا يمكن أن يملكه أو يمارسه أي فلسطيني، خصوصاً إذا كان زعيماً تاريخياً، ومنتخباً، كالرئيس ياسر عرفات. فليس هذا الحق ملكا لمجموع الشعب الفلسطيني في الوطن والمهاجر وحسب، لكنه ايضاً ملك للأمتين العربية والاسلامية، وعند حدوده تنتهي مقولة "القرار الوطني الفلسطيني المستقل". لا شك في أن جوهرية هذا المدرك القاطع هي التي يتصرف بناء عليها الوفد الفلسطيني المفاوض الآن في واي بلانتيشن في الولاياتالمتحدة، وحسناً يصنع الوفد بالمواقف التي يتخذها والتي تتلخص في ما يبدو بالاصرار على الانتهاء من تنفيذ اسرائيل كل التزاماتها التي لم تنفذ الى الآن من المرحلة الانتقالية: مطار غزة ومرفأها، والمعبر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة لضمان التواصل الجغرافي بين المنطقتين، واطلاق الأسرى الذين طالما سهر اهاليهم في انتظارهم، وضرورة تنفيذ انسحاب ثالث من أراضي الضفة الغربية، بعد الانسحاب الثاني الهزيل. لعل الوفد الفلسطيني يدرك ان أداء السلطة الوطنية الفلسطينية حتى الآن لها في نظر غالبية الناس في العالم العربي اداءً يدعو للفخر والاعتزاز. ولكن لعلهم يعرفون أيضاً أنهم إذا أصروا على تنفيذ أسس العملية السلمية القرار 242 الذي يقضي بانسحاب اسرائيل من الضفة والقطاع، وكذلك الجولان وبالحقوق التي لا يختلف عليها اثنان ونحن على اعتاب القرن الواحد والعشرين - حق تقرير المصير والاستقلال والعيش في حرية من الاحتلال - فعندئذ لن يلاموا على النتائج. ذلك ان عذرهم سيكون مفهوماً: هناك اسرائيل لا يهمها السلام وانما تريد ابتلاع أراضينا، وهناك إدارة أميركية شبه ساقطة أو منتهية تريد لنفسها أي نجاح، وقد لا يأتي نجاحها الا على حسابنا نحن. ان ورقة القيادة الفلسطينية الأولى والأخيرة هي رفض أي تفريط بالحقوق. وإذا لم ينل الشعب الفلسطيني حقوقه اليوم فسينالها غداً.