أثارت اجابات نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ديفيد ويلش عن اسئلة صحافيين امس بخصوص موقف الولاياتالمتحدة من كل من النزاع التركي - السوري وأوضاع شمال العراق - في ضوء الاتفاق الذي رعته واشنطن الشهر الماضي بين زعيمي الحزبين الكرديين الرئيسيين هناك، مسعود بارزاني وجلال طالباني - نقاطاً عدة تستحق التوقف عندها. أولى هذه النقاط هي استبعاده القوي لوجود بُعْد، او تحريض، اسرائيلي وراء الموقف التركي التصعيدي المفاجئ ضد سورية في هذا الوقت بالذات الذي ترسخ فيه التحالف التركي - الاسرائيلي في جوانبه العسكرية والاستخباراتية في عهد بنيامين نتانياهو الذي يضرب فيه المثل في رفض اسس عملية السلام في الشرق الأوسط، وبالتالي رفض اعادة الأراضي العربية المحتلة الى اصحابها. وقد اعلن رفضه ذاك بكل القوالب اللفظية الممكنة، مثل قوله باستهتار: "ثمة خلاف بيننا وبين السوريين: هم يريدوننا ان ننزل عن الجولان ونحن لا نريد"، ومثل اقتراحه ضم مناطق واسعة نحو 60 في المئة من الضفة الغربية الى اسرائيل بوسائل عدة منها الضم المباشر ومنها توسيع المستوطنات والطرق الالتفافية المخصصة لليهود المستوطنين. اذا اخذنا هذه الحقائق، التي نرجو الا يجادلنا فيها ويلش، مقرونة بكون الولاياتالمتحدة الراعية الأولى في العالم لاسرائيل تسليحاً وتمويلاً ودعماً سياسياً، وفي الوقت ذاته راعية عملية السلام في الشرق الأوسط، فماذا يمكن ان نستنتج؟ من الطبيعي ان ينزه ويلش اسرائيل عن تحريض تركيا ضد العرب، لكننا في حل من تصديقه لأن الحقائق على الأرض تخالف ذلك، ولأن واشنطن تعلم مدى عمق العلاقة بين تركيا واسرائيل. النقطة الثانية التي تستحق التوقف عندها تتعلق بالفوارق بين مفهوم اميركا لپ"الارهاب" ومفاهيم أناس كثيرين في انحاء العالم بخصوص حقهم المشروع في مقاومة العدوان عليهم وعلى أوطانهم وأراضيهم. وفي وسع اميركا بالطبع ان تدرج على قائمتها للدول والتنظيمات "الراعية للارهاب" من تشاء ولكنها ينبغي ان لا تكون الحكم النهائي في هذه المسألة لأنها هي نفسها ليست بريئة من تشجيع اسرائيل على ارتكاب الارهاب ضدنا بمدها بمختلف الأسلحة القاتلة الفتاكة مثل القذائف والصواريخ التي ضربت اهالي قانا الأبرياء، على سبيل المثال، والأمثلة كثيرة. لقد ادخلت اسرائيل الارهاب في قلب عالمنا العربي منذ نشأتها الأولى تقريباً، من مذبحة دير ياسين الى مذبحة كفر قاسم، الى محو اكثر من اربعمائة قرية فلسطينية محواً تاماً، الى قبية ونحالين ودير البقر وقرى وبلدات جنوبلبنان ورعاية مذبحة صبرا وشاتيلا... الخ. يحق لنائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية ان يحلل الامور كما يشاء وأن يعد اكراد شمال العراق بما يحلو له، ولكن نرجو ان يعفينا من الاستماع الى اي محاضرة اخرى عن الارهاب وعن براءة اسرائيل منه وعن حسن قيام علاقات جيدة بين دول المنطقة كالعلاقة التركية - الاسرائيلية.