بعد حشد قوات عسكرية على الحدود وشن حملة تهديدات لسورية حمّل الرئيس التركي سليمان ديميريل نظيره المصري حسني مبارك ستة شروط لپ"حوار" مع سورية هي: "وقف دعم حزب العمال الكردستاني، طرد زعيمه عبدالله اوجلان، اغلاق مخيمات الثوار الاكراد في لبنان، وقف تنقلاتهم عبر الحدود السورية، الاعتراف بالحدود الحالية لتركيا، الوعد باقامة علاقات حسن جوار". لم تتضمن هذه "الشروط" اي جديد بالنسبة لتاريخ العلاقات بين دمشقوانقرة، بل انها نقاط الحوار والخلاف بين الطرفين في العقدين الأخيرين. وكما هي معروفة لسورية وللاطراف الاخرى فان الاجوبة السورية معروفة لأنقرة وللدول الاخرى وهي: "ان سورية لا تدعم الثوار الاكراد، ان حزب العمال محظور في سورية، ليس هناك شخص باسم عبدالله اوجلان يقيم في سورية لذلك ربما يستخدم جواز سفر مزوراً، ليست هناك اي معسكرات عسكرية او مدنية لپ"حزب العمال" بل ان مئات من مؤيديه اودعوا السجن، تعاني سورية من تسلل الاكراد كما هي معاناة تركيا لذلك يجب التعاون في هذا المجال، سورية لم تثر ابداً رسمياً موضوع لواء اسكندرون، دمشق حريصة كل الحرص على علاقات حسن الجوار" مع انقرة. ويمكن ان يزيد الجانب السوري على هذه الاجوبة طلبات اخرى: "الدخول في مفاوضات جدية لاقتسام مياه الفرات، التوصل الى اتفاق نهائي بدلاً من الاتفاق المرحلي للعام 1987، استئناف اجتماعات اللجان الثنائية في المجالات الامنية والسياسية والمائية". وما لم تقله انقرة ان احد اسباب "الانزعاج التركي المفاجئ" من سورية، هو حشدها دعماً عربياً واسلامياً ضد "التحالف العسكري" بين انقرة وتل ابيب الى حد وصف عربياً واسلامياً بپ"المشبوه" و"التآمري" و"الخطر" و"المهدد للامن القومي والاسلامي"، فان دمشق لم تقل علناً بأن المطلوب لپ"وقف هذا الحشد" ان تسعى انقرة الى "تخفيف وتيرة التعاون العسكري". وطالما ان هذه الصورة موجودة في الذهن السياسي للمسؤولين السوريين والاتراك، فان اسئلة كبيرة طرحت عن اسباب "التصعيد في هذا الوقت بالذات". اذ قال مسؤول سوري رفيع المستوى لپ"الحياة" :"ما اعلنه الاتراك من شروط تعجيزية معروفة لدينا وهم يعرفوا الاجوبة، لكن لماذا طرحوها؟". واستغرب وزير الخارجية فاروق الشرع من تصريحات المسؤولين الاتراك في ضوء "عدم وجود اي تطور جديد يستدعي تصريحات كهذه". وللاجابة عن ذلك فان بعض المسؤولين الاتراك قال: "اننا سئمنا من الوعود السورية بايجاد حل". وأوضح آخرون ان السبب المباشر هو "عدم وصول ردّ سوري على المقترحات التركية التي نقلت الى دمشق وتضمنت اعلان مبادئ" بعد محادثات مساعد وزير الخارجية السابق السفير عدنان عمران خلال زيارته لانقرة في تموز يوليو الماضي. لكن الواقع يفيد ان السفير عمران "رفض" تسلم نسخة من "اعلان المبادئ" لتطوير الحوار الذي بدأ بين الطرفين في شباط فبراير الماضي عبر زيارة مسؤول تركي الى دمشق للمرة الأولى منذ سنوات. وبرر السفير عمران ذلك بأن انجاز "اعلان مبادئ" بين الطرفين يستحق ان يكون نتيجة للقاء مرتقب بين وزيري الخارجية الشرع واسماعيل جيم. ويجادل الاتراك بأن السوريين استلموا نسخة منه في وقت لاحق عبر السفير التركي في دمشق جينغ دواتبه الذي اجتمع قبل اسابيع الى مسؤول في الخارجية السورية، لكن المسؤولين السوريين نفوا ذلك ربما لما يتضمن نفسه من "افكار تعجيزية" تتعلق ايضاً بپ"حقوق الانسان والديموقراطية، والاعتراف بالحدود، ومنع تسلل الارهابيين، ومحاربة الارهاب، وحل النزاعات بشكل سلمي، وعدم اللجوء الى القوة، والحرص على الامن المتبادل". أسباب التصعيد يذكر ان "الشروط التركية" تتركز على موضوع اوجلان الذي اعلن "هدنة من دون شروط" قبل اسابيع اي انه لم يكن في اوج عملياته العسكرية. لذلك فان ما يقدمه الاتراك لا يعطي اجابة شافية للسؤال السوري: "لماذا الآن؟"، التي الاجابة يمكن تلمسها في ضوء التطورات الاخيرة اقليمياً ودولياً التي اقلقت الاتراك. ويأتي في مقدمة تلك الاسباب تطورات تتعلق بنجاحات "حزب العمال" السياسية في اوروبا اذ اعترفت ايطاليا "بدوره" ونزع البرلمان الألماني عنه الصفة الارهابية. الى ذلك هناك "الرفض الاوروبي لانضمام تركيا المسلمة" الى الاتحاد الاوروبي الذي كان في حد ذاته احد الاسباب التي دفعت أنقرة الى الذهاب الى واشنطن عبر البوابة الاسرائيلية فوقعت في مطلع العام 1996 اتفاقاً للتعاون العسكري. لكن السبب الآني الآخر، هو رعاية الولاياتالمتحدة لپ"اتفاق سلام" بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني بعيداً عن تركيا التي فشلت في انجاح "مسيرة سلام انقرة" بين الحزبين بعد سنوات من الاقتتال. ويتضمن هذا التطور عنصراً مقلقاً لتركيا كغيرها من الدول الاقليمية لأن "الهدوء" بين الحزبين الكرديين الرئيسيين يعني فشل "الحزام الامني" في شمال العراق وجولات التوغل، ويشكل مدخلاً لكيان كردي تعتبر انقرة اشد المعارضين له خوفاً من انتقال العدوى الى "كردستان الشمالية" التي تقع جنوبتركيا. وربط عدد من المحللين والمسؤولين السوريين الحملة التركية بتطورين داخليين حصلا اخيراً في تركيا هما: اولاً، على رغم حملات الضغط العسكري على الاسلاميين السياسيين فان التيار الاسلامي مستمر في الانتشار تحت عباءة "الفضيلة" بعد "الرفاه" في كل مكان وتحديداً في الجامعات. وهذا البعد له مغزى عشية الانتخابات في تركيا. ثانياً، انطلاق فضيحة للفساد في تركيا تورط فيها كبار المسؤولين، اضافة الى "الصراع المتأصل" بين العسكريين والسياسيين. وأشار محللون الى وجود سبب آخر ينطلق من "الحلف التركي - الاسرائيلي" ذلك ان رئيس الوزراء مسعود يلماظ "العلماني" عاد من تل ابيب حاملاً نية مساعدة حليفه "الاصولي" للخروج من "المطرقة الخفيفة" التي تحملها الضغوط الاميركية عليها لتوقيع اتفاق اعادة الانتشار في الضفة الغربية قبل تدشين قمة مفتوحة في واشنطن منتصف الشهر الجاري. ولا يبتعد آخر الأسباب عن حلبة "الحلف العسكري" ذلك ان انقرة انزعجت من صدور بيان خاص بعد اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري منتصف الشهر الماضي، لادانة هذا "الحلف" وتجديد الدعوة لتركيا كي "تعيد النظر فيه" انطلاقاً من رفض "سياسة الاحلاف والمحاور التي تهدد استقرار المنطقة". الخطأ الذي وقع فيه صانع القرار التركي هو ان الخلاف الذي برز بين الدول العربية خلال ذاك الاجتماع وعدم حضور عدد من الوزراء، لم يحل دون صدور البيان. لكن الخطأ الاهم هو ان الاتراك اعتقدوا ان الخلاف العربي - العربي على تقدير مدى خطورة الحلف سيكون ايضاً خلافاً على مدى التضامن مع سورية في حال تعرضت لاعتداء تركي، لذلك "فوجئ" الجانب التركي لاحقاً بقيام الرئيس حسني مبارك بطرح مبادرة ودعم ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لتلك المبادرة، اضافة الى الدور الايراني لكون ايران رئيسة منظمة المؤتمر الاسلامي، الى برقيات التضامن والتأييد التي تلقتها سورية من معظم الزعماء العرب والفاعليات السياسية العربية. عليه، فان التصور السوري لپ"الخروج من الازمة" يقوم على الافكار التي هي بمثابة رد آخر على الشروط التركية مقروناً بالحل، وهي: "استئناف اجتماعات اللجان الثنائية في المجالات الامنية والسياسية والمائية، الحوار السياسي حول جميع المشاكل العالقة، تخفيف وتيرة العلاقات العسكرية التركية - الاسرائىلية التي تهدد الامن السوري والقومي، حل المشاكل الثنائية من دون تدخل اي طرف ثالث، اعلان الجانبين التزامهما وحرصهما على الامن المتبادل وحسن الجوار، عدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للبلد الآخر، ملكية الاراضي في المناطق الحدودية واستثمارها المشترك بين الطرفين، حل مشكلة المياه بين الدول المعنية اي سورية والعراقوتركيا من دون تدخل لاسرائىل في موضوع نهر الفرات كما اعلن سابقاً وتطوير العلاقات الثنائية على أساس التاريخ المشترك والمبادئ الاسلامية".