أخيراً طفح الكيل بالنسبة الى "أبو عمار" الصبور الذي قال قبيل اجتماعه مع الرئيس بيل كلينتون الخميس الماضي، وكما يكرر دوماً، ان الفلسطينيين لا يطلبون القمر وكل ما يريدونه هو ان تنفذ اسرائيل الاتفاقات التي وقعتها مع الفلسطينيين بشهادة الولاياتالمتحدة واطراف دولية اخرى رئيسية. وعندما يعلن "ابو عمار"، كما فعل امس لدى عودته الى غزة، ان الفلسطينيين يرفضون رفضاً قاطعاً تجزئة اسرائيل انسحابها من الاراضي الفلسطينية ويصر على ضرورة التزامها لبنود الاتفاقات، فلا بد ان يكون قد استنتج في صورة نهائية أمرين على الاقل من بين الامور المرتبطة مباشرة بمصالح وحقوق شعبه: ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مصمم على قتل عملية السلام ولا يريد تسوية مع الفلسطينيين وفقاً لأسس هذه العملية، وان الولاياتالمتحدة، راعية العملية التي دعت الى مؤتمر مدريد، لم تعد قادرة على، أو راغبة في، الزام الحكومة الاسرائيلية الحالية بتطبيق مبدأ الارض مقابل السلام. ولا يمكن ان يكون قد غاب عن وعي الرئيس الفلسطيني ايضاً ان الادارة الاميركية، برغم مناداتها ب "انسحاب اسرائيلي ذي صدقية من رقمين" من الضفة الغربية، قد تركت فجوات ونقاط هرب كثيرة لرئيس الوزراء الاسرائيلي. ذلك ان احداً لم يسمع كلاماً صريحاً من ادارة كلينتون عن ضرورة تنفيذ اسرائيل المرحلتين المتبقيتين من الانسحاب الاسرائيلي بموجب اتفاقي اوسلو والخليل قبل الانتقال الى مفاوضات الوضع النهائي. لهذا السبب السابق الذكر استطاع نتانياهو ان يقول لكبار اعضاء ليكود اول من أمس انه "لا يستبعد" انسحاباً جزئياً من الضفة الغربية شرط ان يلغي الفلسطينيون ميثاقهم الوطني وينشطوا اكثر في "محاربة الارهاب". ومنعاً لأي التباس، قال احد كبار مساعديه، ديدفيد بار ايلان، امس ان ذلك الانسحاب المحدود الذي اشار نتانياهو الى امكان تنفيذه سيكون الاخير قبل مفاوضات المرحلة النهائية! ان رفض "ابو عمار" تجزئة اسرائيل انسحابها من الضفة الغربية ليس في اي حال رفضاً للسلام، وانما هو - بعكس ذلك تماماً - رفض لجهود نتانياهو لقتل عملية السلام. كما ان الرئيس الفلسطيني يكشف بهذا الرفض مدى اذعان الادارة الاميركية لحكومة نتانياهو التي اعلنت امس انها تدرس "بامعان" الخطة الاميركية المتدرجة التي تبدو مناسبة لأغراضها، خصوصاً ان واشنطن لم تلق بالاً الى "خريطة المصالح الامنية والحيوية" التي صاغها نتانياهو مع اعوانه من عتاة اليمين العنصريين وتقضي، سلفاً، بضم اجزاء واسعة من الضفة الغربية متاخمة لغور الاردن واخرى بين اسرائيل والضفة، اضافة الى الاحتفاظ بالمستوطنات في الضفة وزيادة عددها والسيطرة على كل الطرق الرئيسية والالتفافية. ان هذا الوضع القاتم وصفة اكيدة لاشتعال جديد في الشرق الاوسط الذي باتت الاجواء العربية مشحونة فيه ضد اسرائيل وضد الانحياز الغربي، خصوصاً الاميركي، الاعمى لدولة عدوانية توسعية طافحة بالعنصرية. ومما يزيد الاجواء توتراً بالطبع ان الولاياتالمتحدة التي تتنكر، مثل اسرائيل، لخطة سلام في الشرق الاوسط هي التي اقترحتها، تعد الآن وبالتعاون مع بريطانيا، لضربة جديدة ضد العراق لن يسفر الا عن المزيد من الموت والألم والمشقة للشعب العراقي. ولقد آن الأوان لصرخة احتجاج مدوية على الأقل في العالم العربي ضد هذا الجبروت الغربي الطاغي، الذي لا يهمه من أمر العرب شيء سوى بيعهم السلاح وشفط ثرواتهم وتشجيع اسرائيل على اغتصاب حقوقهم.