من الصعب تخيل اتخاذ الرئيس بيل كلينتون خلال اجتماعي واشنطن الأسبوع المقبل بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أولاً، ثم بينه وبين الرئيس ياسر عرفات، أي موقف جاد أو حازم تجاه إعلان حكومة نتانياهو نيتها الاحتفاظ بنسبة ستين في المئة على الأقل من أراضي الضفة الغربية في أي تسوية نهائية مع الفلسطينيين. وليس مهماً على الاطلاق أن حكومة نتانياهو "امتنعت" عن تحديد نسبة محددة من الأراضي التي تريد الاحتفاظ بها وتلك التي تريد الانسحاب منها. ذلك ان مجموع نسب المناطق التي لن تتخلى عنها لا تقل في الواقع عن ستين في المئة: قطاع أمني في غور الأردن شرقاً، وآخر بين إسرائيل والضفة، ومحيط منطقة القدس، والمستوطنات اليهودية وكل الطرق المؤدية إليها والرابط بينها، والأماكن ذات الأهمية الدينية لليهود، ومناطق أمنية أخرى. وسيعتمد نتانياهو في حديثه مع كلينتون على الحجج الإسرائيلية المعهودة المتصلة ب "أمن" إسرائيل، وهي حجج صارت منذ توليه الحكم بمثابة أدوات لإدامة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وممارسة التطهير العرقي إدارياً ضد فلسطينيي القدس. كما سيعتمد نتانياهو على ثقل تأييد الكونغرس لحكومته ونفوذ اللوبي الصهيوني المتغلغل في الإدارة الأميركية الحالية، ربما إلى حد لم يسبق له مثيل. ومن ينظر إلى قائمة الطلبات التي تشترط الحكومة الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية تنفيذها يرى عجباً، ويوقن ان الخطاب الإسرائيلي الرسمي تغيّر بصورة دائمة وعلى نحو لا يبشر بأي تسوية سلمية معقولة قائمة على التفاوض بين شريكين. ففي قائمة الطلبات - الشروط تلك تريد إسرائيل من السلطة الفلسطينية الايعاز إلى وسائل الاعلام التي تشرف عليها بالتوقف عن استخدام عبارة "قوات الاحتلال" للاشارة إلى الجيش الإسرائيلي وبعدم تسمية "التجمعات السكانية اليهودية" في الأراضي الفلسطينية "مستوطنات"! لم يكن الجيش الإسرائيلي يوماً جيش محبة وسلام، أو حتى جيش دفاع، وسيطول سرد تاريخ اعتداءاته وجرائمه ضد المدنيين العرب، ولكنه قطعاً جيش احتلال يقضي قرار مجلس الأمن الرقم 242 بانسحابه من الأراضي العربية التي احتلها في عدوان حزيران يونيو 1967. ولا يمكن قطعاً تسمية "المستوطنات" أو "المستعمرات" اليهودية في الأراضي العربية المحتلة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو هضبة الجولان السورية المحتلة، منتجعات أو أماكن سياحية أو جزر سلام. إنها كيانات غير قانونية لا يقبل بها ميثاق الأممالمتحدة أو القانون الدولي أو قرارات مجلس الأمن. وتطول قائمة الطلبات والشروط الإسرائيلية التعجيزية التي من الواضح أن الغرض منها تكريس الاحتلال للأراضي العربية. ولكن، إذا كانت إدارة كلينتون ستعجز، وهذا هو المرجح، عن لجم هذه الغطرسة الإسرائىلية المستندة إلى القوة الفجة، فماذا بوسع العرب أن يفعلوا؟ إن في مقدور العرب، إذا انخرطوا جميعاً في حملة منسقة ولم يكتف بعضهم بالتفرج وتأليف بيانات الإدانة التالفة، ان يقلبوا الموازين ويشكلوا ضغطاً حقيقياً ليس فقط على إسرائيل وإنما أيضاً على مصادر قوتها. وبوسع العرب، مع تأكيدهم الصادق أن السلام "خيار استراتيجي" لهم ان يحاولوا غلق الأبواب التي انفتحت أمام إسرائيل عالمياً منذ توقيع اتفاق اوسلو. ولهم في ذلك كل مبرر ما دامت إسرائيل قد نكصت عن السلام وأظهرت فعلاً عدم اكتراثها به، وبالتالي ينبغي حرمانها من فوائد انفتاح العالم عليها على أساس توهم دول كثيرة أنها جنحت إلى السلام. وبوسع العرب دائماً أن يدعموا خيار المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، وهو خيار لا ينبغي السماح لأي دعاية إسرائيلية بأن تمسّ قدسيته. الأمر بسيط. ان القوي سيضربك وسيسرق أرضك إذا لم تقاومه بكل ما أوتيت من وسائل، خصوصاً إذا كان ذلك القوي أخرق أيضاً وغير مستعد لسماع أي كلام عن حقوقك الثابتة.