سُمح لآلاف المسيحيين المصريين بالحج إلى القدس هذه السنة بلا قيود، للمرة الأولى منذ العام 1967، إذ شهد مطار القاهرة حركة لافتة لنقل المسيحيين إلى مطار بن غوريون في تل أبيب ومنه إلى المدينة المُقدسة، في رحلات تُنظمها شركات سياحية خاصة. وبدأ الجمعة الماضي سفر المسيحيين المصريين إلى القدس على متن طائرات شركة «إر سينا» التابعة ل «مصر للطيران»، وسط إجراءات وتدقيق أمني مُشدد في هويات المُسافرين. ولوحظت طفرة في عدد المُسافرين هذه السنة، بعدما تغاضت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن معاقبة مخالفي قرار منع السفر إلى القدس. وأقلعت خلال ساعات أول من أمس 4 رحلات أقلت حوالى ألف مُسافر إلى المدينة المقدسة. وقال مستشار الكنيسة القبطية رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان المحامي نجيب جبرائيل ل «الحياة»، إن شركات السياحة ستنظم هذا العام سفر 7 آلاف مسيحي إلى القدس، مبرراً القرار ب «الحفاظ على هوية المدينة»، وترسيخ الوجود المسيحي فيها. وطالما أثارت مسألة السفر إلى القدس جدلاً في الأوساط الكنسية في مصر، حين أصر البابا شنودة الثالث على رفض السفر إلى المدينة المُقدسة طالما هي تحت الاحتلال، وتوقيع عقوبات كنسية على مخالفي هذا القرار، بلغت حد رفض دخول الكنيسة في بعض الأوقات إلى حين نشر المُخالِف اعتذاراً للبابا في جريدة رسمية واسعة الانتشار، لرفع العقوبة. وقرر البابا الراحل كيريلس السادس حظر سفر المسيحيين إلى القدس فور احتلالها عام 1967، وهو القرار الذي طبقه بصرامة البابا شنودة، حتى أنه رفض السفر بصحبة الرئيس أنور السادات إلى إسرائيل عام 1977، ما وتّر العلاقات بينهما. وأصدر المجمع المقدس في الكنيسة قراراً بحظر السفر إلى الدولة العبرية عام 1980، خشية كسر قرار البابا، بعد تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل. وحافظ البابا تواضروس الثاني على الموقف ذاته، ولكن لوحظت بعد تنصيبه بطريركاً، مرونة إزاء الأمر، إذ تساهل في مسألة تطبيق العقوبات على مخالفي قرار حظر السفر إلى القدس، وبقي الأمر في حدود التغاضي عن سفر مزدوجي الجنسية ومن تخطوا الخمسين عاماً. لكن العامين الماضيين شهدا تسهيلات أكبر، إذ سُمح للشركات التي تنظم الرحلات الدينية بنشر إعلاناتها داخل الكنائس المصرية عن رحلة إلى القدس لأول مرة منذ عقود. وأتت تلك التسهيلات بعد الزيارة الشهيرة لبطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني إلى القدس، على رأس 7 من كبار الآباء الأساقفة والكهنة والشمامسة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، ل «المشاركة في تشييع الأنبا أبرهام مطران القدس والشرق الأدنى»، أقدم أعضاء «المجمع المقدس» آنذاك. وقال نجيب جبرائيل ل «الحياة» إن هناك طفرة في عدد المُسافرين إلى القدس، لافتاً إلى أن «مطران القدس الأنبا أنطونيوس طلب من البابا تواضروس لأول مرة عدم معاقبة المُسافرين لتأكيد الهوية المسيحية للمدينة المقدسة، والحفاظ على ممتلكات الأقباط فيها، خشية أن يستولي عليها الإسرائيليون». وأشار إلى أن قرار «المجمع» عدم السماح بالسفر لم يُلغَ «لكنه غير مُفعّل»، موضحاً أن «بعض المسيحيين يرى أن القرار سياسي وليس دينياً، ونظراً إلى تغير المعطيات السياسية وأبرزها طلب السلطة الفلسطينية سفر الأقباط، حدث تساهل إزاء الأمر». واستدرك: «أنا من أنصار عدم السفر إلى القدس، إذ أرفض أن يُقال إن الأقباط هم قاطرة التطبيع». لكن عضو البرلمان السابق أستاذ القانون الدكتور إيهاب رمزي قال إن «موضوع زيارة القدس بالنسبة إلى المسيحيين في عهد البابا تواضروس اختلف عن عهد البابا شنودة. الموضوع كان يحكمه قرار سياسي اتخذه البابا شنودة ووجد اعتراضات كثيرة لدى المسيحيين باعتبار القدس مكان عبادة، وهذا في حد ذاته كان يُفترض أن يبتعد من السياسة». وأضاف: «القدس فيها مزارات مُقدسة، وفي عهد البابا تواضروس توارى الحظر ولم تُطبق العقوبات فبدأ المسيحيون يترددون على المدينة لعدم إضاعة هويتها».