على رغم أن ولادة القهوة المتخصصة كانت عام 1974، حين أطلقت كاتبة وناقدة أوروبية تُدعى آرنا كنوتسن، هذا المصطلح في إحدى إصدارات صحيفة «تجارة الشاي والقهوة»، فإن الشباب السعوديين احتاجوا إلى أكثر من 37 عاماً حتى يُغرموا بها، وتصبح من المشروبات التي صُنّفت ضمن الأكثر رواجاً في السنوات الخمس الماضية. و«القهوة المتخصصة» (specialty coffee) هي التي يتم اختيار حبوبها بعناية منذ لحظة القطاف، وتخضع لدورة من التحميص المتقن والحفظ بطريقة تحافظ على خواصها، بعكس «القهوة العادية» (regular) التي قد تتخللها حبوب ليست ذات جودة عالية وتفقدها مذاقها عند الطهي. يقف الشاب خالد الهويش خلف طاولة تحوي ميزاناً صغيراً ووعاءً زجاجياً غريب الشكل، يحمل في فوهته ورقاً خاصاً يُعرف ب«المرشح»، وبينما يقوم بوزن حبات القهوة في شكل دقيق، وتحت أنظار الزبائن ومراقبتهم، يلقيها في آلة الطحن اليدوية، ليفرغها، بعد أن تصبح ناعمة، في المرشح، ثم يبدأ سكب الماء بطريقة فنية دقيقة، لينتج في النهاية كوباً من القهوة المتخصصة، أخذ فيها وقتاً لتخرج بطعمٍ مميز وقوي. يقول الهويش: « في الماضي، كان من العيب الاجتماعي أن تجد شاباً سعودياً يرتدي «مريلة» المطبخ، إلا أن هذه النظرة تغيرت، فنجد الآن الشاب السعودي منافساً للأيادي الوافدة، بل ومتفوقاً في مجالات عدة، في المطاعم والمقاهي»، مضيفاً: «لا أجد إلا نظرة الاحترام والإعجاب بما أقوم به، ومحلّي كما ترى مزدحم بالزبائن، ونسبة كبيرة منهم تتجاوز ال80 في المئة من الشباب». Vلم يكتفِ الهويش بتقديم القهوة المتخصصة، أو ما باتت تعرف ب «القهوة المقطرة»، بل حوّل مقهاه الصغير إلى مكتبة صغيرة تحوي كتباً وروايات للمهتمين بتمضية وقت مفيد أيضاً، إلى جانب اختياره لوحات تحكي قصة القهوة المتخصصة. يوضح الهويش: «يمكن أن نطلق على هذه القهوة أنها للنخبة فقط، ولمتذوقي القهوة باحتراف، لأنها تنفذ بطريقة دقيقة بعيدة من العشوائية وتخضع للأرقام ولدرجة معينة من التحميص، إلى جانب طعمها القوي المميز». ولم يقف الشباب السعودي عند حدود إعداد القهوة المتخصصة وبيعها، بل تجاوزوا ذلك إلى إنشاء محامص سعودية متخصصة، تجاوزت شهرتها حدود الوطن، لتصل إلى بلدان خليجية وعربية، ومن تلك المحامص «خطوة جمل» التي بدأت بأيدي سعوديين، لم تعجبهم القهوة الأجنبية التقليدية. وبهذا كان ابتعاثهم للدراسة وتجربة هذا النوع من القهوة فرصة للاطلاع على جوانب جديدة، ثم تحولت الى الخطوة الأولى لغزو المذاق السعودي التقليدي، وجلب هذا النوع الجديد إلى أرض القهوة العربية، ما يعد تحدياً بل مجازفة قوية. يقول مدير معرض محمصة «خطوة جمل»: «ليست السعودية فحسب من تأخرت في استقبال هذا النوع من القهوة، بل الشرق الأوسط بأكمله، بل وحتى في أوروبا احتاج الأمر إلى عشر سنوات لتتربع هذه القهوة في قائمة أولويات عشاق القهوة، ليصبح لها في ما بعد منظمات عالمية ترعى تطوّرها وانتشارها». ويضيف: «غزت القهوة المتخصصة الذائقة السعودية قبل ثلاثة أعوام، حرصنا خلالها على نشر ثقافة القهوة المتخصصة بين الناس، ولم يكن بالأمر الهين أو السهل، إذ كنا نقدمها مجاناً للزبائن كي يعتادوا عليها ويتقبلوها، أما الآن فالأمر تغير، ففي هذه الأيام الزبون أكثر وعياً ومعرفة وبات يسأل عن مصدر القهوة ودرجة تحميصها، ويمتلك أجهزة وأدوات التحضير في منزله». ويبيِّن محمد أن «نية الشباب موجودة لإنشاء جمعية سعودية للقهوة المتخصصة، وتقوم بالاعتناء بالمقاهي التي تقدم هذا النوع من القهوة، لتكون الجمعية مرجعاً ومشرفاً على أعمالهم، على غرار المنظمات والجمعيات العالمية». ويضيف: «أخذنا على عاتقنا نشر هذه الثقافة، فنظمنا وأقمنا مسابقات في إعداد القهوة المتخصصة، وكان التنافس بين عشاقها قوياً، والحضور كان لافتاً، وإلى جانب هذه المسابقة أقمنا منافسة في الرسم على القهوة، لتشجيع الجانب الفني الإبداعي في كوب القهوة». وارتفعت أسهم قطاع القهوة المتخصصة في الولاياتالمتحدة الأميركية، لتصل حصتها في السوق من 1 في المئة إلى أكثر من 20 في المئة، خلال السنوات ال25 الماضية، وتشتهر دول مثل كولومبيا وإثيوبيا وكينيا وبنما في إنتاجها. وتعد السوق الأميركية الأكثر طلباً عليها تليها الأوروبية ثم الآسيوية. ويعد دخول هذا النوع من القهوة لينافس ذائقة الشاب السعودي، الذي يعد شرب القهوة العربية التقليدية من «سلوم الرجاجيل»، أي من الصفات التي يجب أن يمتاز بها الرجل العربي الأصيل، فمن دلة «الرسلان» العربية الأصيلة، إلى وعاء زجاجي ضيق العنق يتربع عليه مرشح ورقي، ومن الفنجان العربي الصغير إلى الكوب الكبير الذي يحمله صحن صغير، ما يجعله تحدياً لثقافة تربعت سنوات طويلة، وتغيراً في ثقافة جيل ولد مع القهوة العربية، التي تخضع لبروتوكول خاص في التقديم والإعداد والشرب أيضاً.