نحو مليار ريال ينفقه المواطنون سنوياً على إعداد القهوة بكافة مكوناتها كما يستورد في العام الواحد ما قيمته 800 مليون ريال من البن، فيما يتم استيراد أكثر من 26 ألف طن من الهيل والزنجبيل والزعفران بقيمة إجمالية تتجاوز أربعة مليارات ونصف المليار ريال، يستخدم نسبة معينة منها في إعداد القهوة وإضافة نكهة جديدة. وبحسب دراسات اقتصادية أبانت أنّ معدل استهلاك الفرد السعودي بمفرده للبن وصلت إلى 3 كجم من البن سنوياً، ويعد "البُن" أكثر سلعة متداولة عالمياً بعد النفط إذ تصل مبيعاتها السنوية في الأسواق الاستهلاكية إلى نحو 70 مليار دولار ويعيش من عوائدها نحو 25 مليون عائلة تتوزع على 60 بلداً في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، وأوضحت الدراسة أنّ العالم يستهلك خمسة بلايين كيلوجرام من القهوة كل عام وفي شأن عدد محلات القهوة بالسعودية أوضحت الدراسة أنّ نمو المقاهي يزداد بنسبة أكبر من 10% سنوياً. التحدي الأكبر القهوة العربية دخلت شوطاً جديداً من التحدي مع رفيقتها من دول غربية وراهنت على بقائها، وتستحوذ عقول كبار السن ومجالس الشباب الرسمية الذين يفضلونها في مواقف معينة ويرفضونها في جلساتهم الخاصة داخل المقاهي الحديثة، ففي الوقت الذي يجلس فيه "السيد. أحمد مطاعن" يحتسي فنجاناً من القهوة العربية بعد مغرب كل يوم فإن حفيده "حسام" يسحب نفسه بهدوء للخروج لأحد المقاهي المنتشرة في مدينة أبها لاحتساء كوب من القهوة الأمريكية والتي يفضلها سادة بدون إضافات مع لفيف من أصدقائه، رافضاً وبشدة شرب القهوة الأمريكية وغيرها من الأنواع الأخرى التي وصفها بالدخيلة داخل منزله، مؤكداً على أنّ القهوة العربية هي سيدة الموقف ولن يتخلوا عنها باعتبارها أصيلة وما هو أصيل سيبقى ضاربا في الجذور على حد تعبيره. طقوس خاصة وذكر "مطاعن" أنّ الجيل الحديث من الشباب والفتيات يعمدون إلى التقليد في شرب القهوة وادخلوا على ثقافتنا ثقافات غربية في شأن احتساء القهوة وهذا ما اعتبره مطاعن بالأمر الزائل الذي ليس له أصول وسيندثر، مدافعاً وبقوة عن حضور القهوة العربية داخل المجالس في ظل سيطرة الغربية على المقاهي المحلية واستحواذها على مزاج الشباب مشدداً على أنها تعتبر واجهة الكرم العربي والضيافة المميزة لها طقوسها الخاصة في الإعداد والتقديم، موضحاً أنّ المرأة أضافت لمستها الخاصة في إعداد القهوة وعنيت بها من حيث تصفيتها من الشوائب وتحميصها حتى تأخذ اللون الذهبي ومن ثم طحنها لتأتي المرحلة الأخيرة، وهي الطهي وإضافة بعض من الزعفران والهيل مما أكسبها قبولاً جماهيرياً واسعاً. القهوة الأصلية أما "ظافر بن حمسان" -صاحب قرية بن حمسان التراثية- التي تحوي على مقهى يقدم القهوة العربية للزبائن تجاورها القهوة الايطالية "الكابتشينو"، فأشار في حديثه إلى أنّ حزمة مواد حافظة أدخلت على كافة السوائل التي نستهلكها بيد أنّ القهوة العربية الأصيلة تقدمها طازجة في حين يعدها صاحب المجلس أمام الضيوف وتقدم بدون إضافة مواد أخرى، مضيفاً: "منذ خمسين عاماً بدأ يضاف عليها الهيل والزعفران وقليل من الزنجبيل وغيرها من المواد التي تعطي نكهة مختلفة، ولكنها تترك على نار هادئة لمدة تصل إلى ثلاث ساعات حتى تعطي الطعم المرغوب فيه، ولم تنحسر القهوة في شربها على فئة عمرية معينة بل كنا صغاراً وكباراً نتلذذ بشربها"، متوقعاً اندثار القهوة العربية في ظل وجود منافس قوي لها استحوذ على عقول الشباب مما جعلهم يفضلون بدء يومهم باحتساء كوب من القهوة الأمريكية بل واصطحابها إلى مكاتبهم، مؤكداً على أنّ مجالس كبار السن طغت عليها الكوفي العربي ومازالت تحتل منزلة مرموقة بين المشروبات التي يفضلونها، حيث يصل تأثيرها إلى أنها تعتبر السبب الرئيسي لاجتماعهم داخل مجلس واحد يحملون توجهات وآراء مختلفة. قهوة الشوارع واعتبر الكاتب "صالح الديواني" المثقفون من أبرز رواد احتساء القهوة العربية داخل ديوانيته والتي يجتمع فيها أبرز الوجوه الثقافية في المنطقة، لافتاً إلى أنه يعمد على تقديم القهوة العربية دون غيرها من الأنواع الأخرى ولكنه يجيز القهوة التركية لمن يطلبها، مضيفاً أنّ ثمة ثقافة وافدة أطلق عليها مسمى ثقافة "قهوة الشوارع" والتي عادة ما تروج لأصناف متعددة من القهوة داخل كشك صغير على الطرقات ومنها ما توسع نشاطه إلى مقهى يرتادها الكثير من الجيل الحديث، معزياً الإقبال على تلك النقاط ما يتبعها من طقوس تجعل المرتاد يدمن عليها ولعل من أهمها الجلسات والإنارة الخافته إلى جانب توفر خدمة الانترنت داخل المقهى مما يجعلها مواقع يمارس فيها الشباب حريتهم التي كثيرا ما حرموا منها. الطراز الحديث الشاب "مازن" -النادل في كافيه- يقف كل مساء لعرض خدمات المقهى على زبائنه من كلا الجنسين ويقدم لهم أصنافاً متعددة من الألوان القهوة العربية والغربية بطريقة راقية، حيث يجذب بها الزبائن للعودة مرة أخرى لاحتساء كوب من القهوة داخل أروقة المقهى الذي صمم على الطراز الحديث مزود بإنارة خافته وخدمة الإنترنت، مؤكداً على أنّ لتقديم القهوة طقوساً معينة لابد على مقدمها أن يهتم بها لعل من أبرزها نظافة المظهر وأناقته كشرط أساسي يليها طريقة تقديم القهوة للزبائن، بحيث تقدم باليد اليمنى كما أنّ بعض الكافيهات تقدم خدمة الإنترنت عالي السرعة خدمة مجانية لجذب المستهلكين، موضحاً أنّ الزبائن يبحثون عن جودة المنتج فيما سجلت القهوة الإيطالية أكثر رواجا عن غيرها يليها التركية ثم الفرنسية فيما لاتزال العربية لها مكانتها وكثيرا ما يطلبها النساء عن الرجال. القهوة الدخيلة والاستغناء عن القهوة العربية في إكرام الضيف أمراً مستبعداً لدى السيدة "خلود" معتبرة القهوة العربية أساساً لا غنى عنه فيما يقدم للضيف داخل المنزل، موضحة أنّ الألوان الأخرى من القهوة الدخيلة قد تقدمها في المجالس الودية أكثر من الرسمية كمشروب ثانوي وليس أساسيا، مشيرةً إلى أنّ الجلسات الخاصة النسائية وعلى وجه الخصوص التي تطول إلى الفجر تقدم فيها القهوة الايطالية في وقت متأخر ليس من باب التفاخر بل من منطلق الترويقة، لافتة إلى أنّ بعض السيدات كبار السن بدأن في تقبل ذلك النوع والتلذذ باحتسائه ولكنه لن يكون بديلا للقهوة العربية التي نبدأ بها كرم الضيافة. القهوة المفضلة الشاب "تركي" لا يتخطى باب مكتبه من غير أن يحمل معه كوب من القهوة الأمريكية فاعتاد النادل في كشك صغير بالقرب من منزله على انتظاره لضبط قهوته المفضلة كل صباح بابتسامة عريضة تعني استظرافه لموقفه إزاء احتساء قهوة الصباح، مفضلاً مع أصدقائه احتساء أنواع مختلفة من القهوة فمنهم من يفضل القهوة التركية وآخر يحتسي الإيطالية، بيد أنّ آخرون تستهويهم القهوة الأمريكية يجتمعون كل مساء لشرب قهوتهم داخل أروقة "الاستقبال" الخاصة بالفنادق وتارة يذهبون إلى مقهى متخصص في إعداد القهوة، وفي الوقت الذي يلازم فيه التمر بأنواعه القهوة العربية؛ إلاّ أنّ تركي ورفاقه يحبذون "الدونات- والكرسون- والتشيز كيك" مع قهوتهم ولا يجدونها مخالفة لما جرت عليه العادة السعودية في تقديم الأصناف الحالية مع القهوة العربية ذات المذاق المر. القهوة الباردة وأشار "محمد القبيسي" -طالب جامعي يعمل في أحد المقاهي- إلى أنّ عشقه للقهوة جعلته يستفيد من إجازته للعمل في مقهى متخصص في إعداد أصناف مختلفة من القهوة، إلاّ أنّه يشير إلى أنّ القهوة العربية انحسرت على المجالس الرسمية والتي يتواجد بها كبار السن أكثر من مجالس الشباب الذين يحبذون الكوفي الإيطالية "الكبتشينو" بالمرتبة الأولى تليها القهوة التركية، مضيفاً أنّ أنواع القهوة الباردة والتي طرحتها الشركات العالمية بدأت تستقطب فئة الأطفال من بين المستهلكين للقهوة إضافة إلى الشاي المثلج بنكهات متنوعة مما جعل مرتادي المقاهي من فئات عمرية مختلفة لم تقتصر على فئة دون الأخرى.