كشف تقرير لمركز «الجمان»، نُشر أخيراً، أن المصارف الكويتية، التقليدية والإسلامية، حققت أرباحاً في الربع الأول من السنة مقدارها 262.6 مليون دينار كويتي (948 مليون دولار). لكن هذه المصارف قررت تخصيص احتياطات في مقابل قروض متعثرة أو غير مخدومة، قيمتها 111.9 مليون دينار، ما يعني أن الأرباح الصافية للمصارف الكويتية في الربع الأول من السنة لم تتجاوز 150.7 مليون دينار. تتفاوت الأرباح في طبيعة الحال بين مصرف وآخر، وكذلك بالنسبة إلى المخصصات، إذ إن المصارف المتميزة حققت أرباحاً جيدة وخصصت احتياطات محددة بما يدل على جدارة السياسات الائتمانية لديها. ومما لا شك فيه أن مصارف كويتية كثيرة منحت تمويلات، في السنوات الماضية، إلى كثير من المؤسسات وكثيرين من الأفراد في نشاطات وقطاعات كثيرة في الدولة. وبناء على بيانات لبنك الكويت المركزي عن آذار (مارس) الماضي، بلغت التسهيلات الائتمانية في الكويت 25.3 بليون دينار، تتوزع على قطاعات العقارات والتصنيع والإنشاء والاستثمار والتسهيلات الشخصية. وتحظى التسهيلات الشخصية بأشكالها كلها، مثل القروض المقسطة أو الاستهلاكية أو الاستثمارية، بأهمية في إجمالي التسهيلات إذ تصل إلى 8.4 بليون دينار وبنسبة 33 في المئة من إجمالي التسهيلات الإجمالية. يُضاف إلى ذلك أن المصارف لم تراعِ عندما منحت أفراداً قروضاً مقسطة أو استهلاكية، الجدارة الائتمانية للمقترضين أو مقدار تمكّنِهم من التسديد في الآجال المحددة، إذ اتضح بعد حين أن كثيرين من هؤلاء توسعوا في التزاماتهم المدينة وباتوا غير قادرين على مواجهة متطلبات التسديد. ولحسن حظ المصارف والحاصلين على هذا النوع من القروض، أن الحكومة ومجلس الأمة قررا تأسيس صندوق للمتعثرين، أو المعسرين، أمّن قروضاً ميسرة وأخرى من دون فوائد بهدف تمكين المقترضين من مواجهة متطلبات المعيشة لئلا تزيد التزاماتهم الشهرية تجاه أية مطالبات، بما فيها خدمة القروض، عن 50 في المئة من إجمالي الدخل الشهري. وبناء على ذلك مُنحت القروض الميسرة من الصندوق الذي لم يحدد سقفاً لرأس ماله. وغني عن البيان أن النظام المصرفي شجع كثيرين من الكويتيين على الاستدانة نتيجة لتوافر سيولة كبيرة تبحث عن توظيف، ما دفع المقترضين إلى التوسع في أنماطهم الاستهلاكية بما يتجاوز قدراتهم الفعلية. أما القروض التي توافرت للقطاع العقاري فبلغت 6.6 بليون دينار أو 26 من إجمالي القروض. ويمثّل القطاع في الكويت نشاطاً حيوياً للقطاع الخاص، فهناك توسع كبير فيه، خصوصاً في بناء مبانٍ تجارية شاهقة الارتفاع في مدينة الكويت أو مبان سكنية في مختلف مناطق الدولة. وتمثّل العقارات بالنسبة إلى النظام المصرفي مخاطرة موضوعية محسوبة إذ إن قيم العقارات مرتفعة وتمثّل ضمانات مناسبة للقروض الممنوحة إلى رجال الأعمال أو الشركات العقارية. وشُيِّد كثير من المباني الحديثة والمكلفة في السنوات الماضية، خصوصاً بعد احتلال العراق من قبل قوات أميركية وحليفة عام 2003، إذ تفاءل العقاريون بتحول الكويت إلى مركز مالي مهم جاذب للشركات الإقليمية والدولية التي كانت تعتزم المشاركة في إعمار العراق. وشُيِّد كثير من المباني بموجب تمويلات مصرفية تمثّل 50 في المئة من التكاليف الإجمالية. لكن ما جرى في العراق لم يتوافق مع التوقعات الوردية، إذ ارتفعت وتيرة العنف والإرهاب هناك، ما عطل كثيراً من إمكانات الاستثمار والإعمار. ولم تتطور الأوضاع الاقتصادية في الكويت بما يعزز جاذبية الدولة للمستثمرين، ولم تتوافر لدى كثيرين من رجال الأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب قناعة بأن الكويت قادرة على كسر القيود البيروقراطية بما يؤدي إلى إيجاد مناخ اقتصادي ملائم للاستثمار وتحقيق النتائج الطيبة. ولذلك ظل كثير من المباني، خصوصاً المباني التجارية، غير قادر على رفع نسبة إشغاله، وتراجعت المعدلات الشهرية للإيجار في السنتين الماضيتين. لكن على رغم ما سبق ذكره، واجه بنك الكويت المركزي مشكلة الانكشافات في شكل صارم وجاد، ودفع المصارف إلى أخذ المخصصات الضرورية للقروض المتعثرة وغير المخدومة. وتمكنت المصارف تخصيص الاحتياطات الضرورية، خصوصاً عام 2010، وهي الآن تعمل على تعزيز أوضاعها المالية في شكل أفضل من طريق تخصيص احتياطات إضافية بما يمكّنها من تنظيف موازناتها. كذلك التزمت المصارف الكويتية تطبيق أنظمة «بازل 3» المتشددة في شأن كفاية رأس المال ونسبة حقوق المساهمين إلى إجمالي القروض. وعدلت مصارف رؤوس أموالها بما عزز أوضاعها. تبقى بعد ذلك تساؤلات حول أهمية مراجعة هذه الأوضاع المصرفية بين فترة وأخرى إذ إن كثيراً من المصارف المحلية يظل صغير الحجم وفق المقاييس الدولية، ما يعني ضرورة التفكير جدياً في دمج بعض المصارف في مؤسسات مصرفية كبيرة، وفقاً لأدبيات بنك الكويت المركزي. يضاف إلى ذلك أن سوق الائتمان في الكويت تظل سوقاً محدودة، ولا تزال التسهيلات الائتمانية قريبة الأجل ولا بد من تعزيز إمكانات تأمين أدوات التمويل البعيد الأجل، ومن هذه التمويلات ما يتصل بمشاريع التنمية الاقتصادية ومشاريع الإسكان والبنية التحتية والمرافق. وهذه تحديات لا بد من أن إدارات المصارف تعرف أهميتها وعليها العمل على معالجتها في السنوات المقبلة. * كاتب مختص في الشؤون الاقتصادية