لم تتعد نسب المشاركة في أي اقتراع في مصر حاجز ال50 في المئة، حتى في أكثر الفترات زخماً عقب ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، بما حملته من استفتاءات دستورية وانتخابات رئاسية وبرلمانية، وفيما انطلقت إجراءات انتخابات رئاسية هي الثالثة في غضون 7 سنوات منذ ثورة كانون الثاني (يناير) 2011، تبرز نسب المشاركة كتحد رئيس أمام السلطة السياسية، التي عدتها رسالة إلى العالم حول نجاح العملية الديموقراطية في مصر، فيما اعتبرها محللون «اختبارا لشعبية الرئيس». وحض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المصريين على الاحتشاد أمام صناديق الانتخابات خلال الاقتراع المقرر في آذار (مارس) المقبل. ولفت إلى أن المشاركة ليست فقط لممارسة العملية الديموقراطية ولكنها «رسالة إلى العالم» الذي يراقب «تجربة» في مصر منذ ثورة كانون، وتأتي الانتخابات المرتقبة امتداداً لها. مناشدة الرئيس التي تزامنت وإعلانه الترشح لتولي فترة رئاسية ثانية في ختام مؤتمر»حكاية وطن» لتقديم «كشف حساب» ما أنجزه خلال الفترة الأولى، سبقتها مناشدات أطلقتها الهيئة الوطنية القضائية المشرفة على الانتخابات في مناسبات عدة. واتخذت الهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات عدة إجراءات غير مسبوقة بهدف رفع نسب المشاركة في الانتخابات، منها مد عملية الاقتراع في الداخل والخارج لثلاثة أيام بدلاً من يومين. ومكنت الهيئة المشرفة على الانتخابات للمرة الأولى المغتربين في الداخل للتصويت في محل إقامتهم الحالي دون التقيد بموطنه الانتخابي. وحددت عدة إجراءات لتنفيذ هذا الإجراء منها إبداء (الناخب) رغبته في الاقتراع أمام أحد مكاتب التوثيق الرسمية أو المحكمة الابتدائية الواقعة في نطاق وجوده. ورأى الباحث السياسي عمار علي حسن أن الانتخابات المرتقبة تحمل تحدياً متزايداً أمام الرئيس المصري فيما يتعلق بشعبيته والالتفاف حوله والإقبال على الاقتراع، وقال ل «الحياة»: «خلال انتخابه لفترته الأولى كنا نتعامل مع ظرف استثنائي (ثورة حزيران/ يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان)، والتف الناس حول السيسي وقتها، هذا الظرف الاستثنائي انتهى الآن، وأصبح الشعب المصري لديه رغبة في أن يختار من بين مرشحين وبدائل عدة، وأن يرى انتخابات تنافسية، هذا هو الضامن الوحيد لوجود مشاركة انتخابية حقيقية من المصريين، وإلا سيغلب العزوف الشعبي على العملية الانتخابية. وتعكس المؤشرات أن العملية الانتخابية محسومة سلفاً لصالح السيسي الذي جمع بين بديلين دستوريين للترشح، إذ يشترط الدستور جمع المرشح إلى الانتخابات الرئاسية 25 ألف توكيل من 15 محافظة ، ألف توكيل في كل منها كحد أدنى، أو تزكيته من 20 نائباً برلمانياً، في وقت جمع السيسي أكثر من نصف مليون توكيل شعبي، ومئات التزكيات البرلمانية، فيما يتعثر المرشح المحتمل خالد علي في جمع 25 ألف توكيل، وأشار إلى ذلك في أحد مؤتمراته قائلاً: «فشلي في معركة التوكيلات سأتحمله بمفردي دون أي من القوى السياسية التي ساندتني»، علماً أن علي راهن من البداية على قوى شبابية كانت فاعلة خلال ثورة كانون، لكنها فقدت فاعليتها خلال الأعوام الماضية كما أنها انقسمت حول ترشح علي. وكان متوقعاً أن تشهد مصر معركة انتخابية حقيقة تشهد منافسة محتدمة حال تمكن رئيس أركان حرب الجيش السابق سامي عنان من الترشح في الانتخابات أو قرر رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق خوضها، نظراً لما يتمتع به الأخير من شعبية، وترابطات سياسية حملها إعلان عنان الترشح إذ صحبه حديث جاد بين قيادات جماعة «الإخوان المسلمين»، المصنفة إرهابية، لدعمه. ويخضع عنان للتحقيق أمام القضاء العسكري «لما مثله إعلانه الترشح قبل الحصول على التصاريح والموافقات اللازمة من القوات المسلحة، بصفته مستدعى (على القوة العسكرية) بمخالفة قانونية تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق المختصة» وفق بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة. وكان رئيس أركان الجيش السابق أعلن عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية خلال مقطع مصور بثه عبر موقع «فايسبوك» حمل هجوماً على السلطة وانتقاداً للأوضاع في مصر. ويرى عمار علي حسن أنه في حال جرت الانتخابات بين السيسي ومرشحين ليسوا ذوي شعبية، ومنهم خالد علي، ستتراجع نسب المشاركة في العملية الانتخابية بصورة ملحوظة، قائلاً: «تمكن على من خوض الانتخابات لن يجعلها تنافسية أو تدفع الجماهير إلى المشاركة»، مستبعداً أن يفي بالشرط الدستوري من الأساس لخوضها. ويعد علي المنافس الأبرز للسيسي حتى الآن، وسبق وخاض الانتخابات الرئاسية عام 2012 لكنه لم يكن ذا ثقل فيها وحصد أقل من 150 ألف صوت. وقال حسن: «هو تمكن من خوضها لاختلاف شروط الترشح عن الشروط الحالية، إذ كان يمكن لحزب ممثل في البرلمان أن يدفع بمرشح وهذا هو الشرط الذي مكنه من خوضها». من جانبه، قال الباحث في مركز «الأهرام» للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمرو هاشم ربيع إن أسباباً عدة ستدفع الناخب للعزوف عن المشاركة، أولها الخوف من عمليات إرهابية تستهدف اللجان الانتخابية، والثاني شعور متنامٍ لدى العامة بأن المعركة محسومة سلفاً لمصلحة السيسي وبالتالي فليست هناك حاجة لمشاركتهم، والثالث غياب البدائل التي تدفع الناس إلى المشاركة، إذ لا تلبي الأسماء المطروحة تطلعات الشعب. وقال: «على رغم تراجع شعبية الحكم بسبب الإجراءات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، لكن المواطنين لا يرون بديلاً قادراً على تغيير ذلك المشهد». وتوقع ربيع ألا تزيد نسبة المشاركة عن 35 في المئة كحد أقصى للتوقعات. ونبه عمار علي حسن إلى أن غياب المنافسين الأقوياء يفقد العملية الانتخابية جاذبيتها لدى الناخب، إذ يفقد شعوره بقيمة صوته، وقدرته على التغيير، وهنا ترتفع نسب العزوف عن المشاركة. وقال: «إذا لم يكن هناك مرشح حقيقي سوى الرئيس الحالي سيعني ذلك تراجعاً كبيراً في نسبة المشاركة، وعلى رغم أن اللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات مدت فترة الاقتراع ثلاثة أيام، لكن هذا لن يؤدي إلى نسب مشاركة كبيرة». وأضاف: «قدرة السلطة على الإغراء بالحديث عن مشاريع جديدة وبناء مصر وتقديم خدمات، ضعيفة؛ نتيجة أن الناس خبروا الفجوة الكبيرة بين الأمل الذي أطلقته السلطة والحقيقة التي يروها الآن، بين الوعد والقدرة على الاستجابة»، معتبراً أن الانتخابات المقبلة ستحمل اختباراً لشعبية السلطة. في المقابل، راهن النائب في ائتلاف الموالاة،»دعم مصر»، الدكتور عبدالهادي القصبي على وعي المصريين بالمخاطر التي تترصد ببلادهم، وأهمية التصدي لها عبر صندوق الاقتراع والاحتشاد أمامه. وقال ل»الحياة»: «ثقافة الشعب تغيرت وأصبح شديد الوعي، ويعلم أنه يدافع عن إرادته وتوجهاته وتصميمه للحفاظ على مصر والمنطقة العربية بالكامل. الشعب حريص على إرسال رسالة للعالم مضمونها أن مصر ستظل مصر ولن يتم اختراقها بأي حال من الأحوال». وأضاف: «أدعو كل مواطن مصري إلى النزول وأداء مهمته الوطنية... تلك الدعوة لا تقتصر فقط على المشاركة في صندوق الانتخاب، ولكن لبدء مرحلة جديدة من العمل والاجتهاد لاستيعاب التحديات كافة». وأشار إلى أن ائتلاف «دعم مصر» لن يتأخر عن أي قضية وطنية، وسيكون في مقدمة الدافعين إلى النزول والإدلاء بالأصوات. وكان السيسي ناشد «أبناء مصر جميعهم بالنزول إلى لجان الانتخابات شباباً وفتيات رجالاً ونساء وشيوخاً لاختيار من يرونه، صالحاً وقادراً على قيادة البلاد خلال أربع سنوات مقبلة». وقال إن الاحتشاد سيكون «رسالة جديدة للعالم وبداية جديدة». قرى خارج أجواء الانتخاب يخرج أحمد عبده (25 عاماً) من منزله في قرية منشأة القناطر في محافظة الجيزة يومياً إلى القاهرة لمباشرة عمله، وتصادفه لافتات عدة تحمل صورة السيسي وعبارات التأييد «علشان تبنيها» و «كلنا معاك من أجل مصر» والتي علقتها حملات دشنت لحض السيسي على الترشح لولاية ثانية قبل شهور. وعلى رغم تفحصه فيها، لكنها لم تنجح في تغيير موقفه الدائم من الانتخابات بالعزوف. وقال عبده ل «الحياة»: «لم أشارك في أي عملية انتخابية، لا أفضل العمل السياسي ولو على سبيل الانتخاب، ولا أصدق وعود السياسيين، أفضل العمل الخيري على السياسة». وأضاف: «قريتنا كثيراً ما شهدت شجارات بين عائلاتها وحتى داخل العائلة الواحدة على خلفية التعصب لمرشح دون الآخر، فنحن لا نملك سياسة الاختلاف حتى الآن»، لكنه أبدى ارتياحاً من أن الانتخابات المقبلة لن تشهد خلافات بين أبناء القرية كالمعتاد. وتغيب الأجواء الانتخابية عن قرى عدة، علماً بأن فترة الدعاية الانتخابية ستنطلق رسمياً في 26 شباط (فبراير) المقبل.