تتعرض مؤشرات الأداء في أسواق المال العربية إلى تقلبات حادة منذ بداية الأزمة المالية العالمية في الثلث الأخير من عام 2008 وما تلاها من تأثيرات سلبية في أسواق المنطقة. وتأثرت هذه الأسواق سلباً أيضاً بانعدام الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه المنطقة منذ بداية السنة، وسيطرة سيولة المضاربين الأفراد في مقابل ضعف الاستثمار المؤسسي، ما يساهم في تعرض هذه الأسواق إلى موجات هبوط غير منطقية. ونتيجة لضعف الوعي الاستثماري لدى المستثمرين الأفراد والاعتماد على الإشاعات والسير مع الاتجاه العام، لوحظ في خلال فترات من الزمن بيع عشوائي أوجد فجوة كبيرة وواضحة بين أسعار أسهم عدد كبير من الشركات المدرجة في هذه الأسواق وأسعارها العادلة استناداً إلى مؤشرات أدائها. وملفت أن الأسواق عندما تتعرض إلى موجات هبوط، لا يفرّق المتعاملون بين أسهم الشركات القوية وأسهم الشركات الضعيفة. وهكذا شهد كثير من هذه الأسواق انخفاضاً في أسعار أسهم عدد كبير من الشركات إلى ما دون قيمتها الدفترية وانخفاض أسعار أسهم كثير من الشركات إلى ما دون قيمتها الاسمية بحيث أصبحت قيمة بعض الشركات في الأسواق أقل من قيمة رأس مالها المصدَّر أو المدفوع وأقل من قيمة حقوق المساهمين. وفي ظل تحسن أداء الاقتصاد العالمي واقتصادات المنطقة هذه السنة وانعكاس ذلك على أداء مؤشرات الأسواق العالمية، تشير التوقعات إلى تحسن حقيقي في أداء أسواق المنطقة، سيحصل خلال فترة لا تزيد عن سنة. ويُرجَّح أن تشهد المنطقة أيضاً استقراراً سياسياً وأمنياً خلال ستة أشهر أو قبيل نهاية السنة على أبعد تقدير، وبالتالي ثمة فرص استثمارية مهمة للمستثمرين في الأجل البعيد، أي المستثمرين لمدة سنتين أو أكثر. ويُتوقع أن تبدأ الأسواق في عكس الأداء الإيجابي للاقتصادات الوطنية في المنطقة وأداء الشركات المدرجة خلال هذه الفترة، ما سيحقق ارتفاعات مهمة في أسعار أسهم عدد كبير من الشركات لتعكس الأسعار قيمة حقوق مساهمي الشركات وقيمة موجوداتها وكفاءة إدارتها ونمو أرباحها. لا يلتفت إلى هذه الأساسيات الاقتصادية والمالية عدد كبير من المستثمرين الأفراد هذه الأيام، خصوصاً المضاربين منهم، ويعكس الانخفاض الكبير في قيمة التداولات في أسواق المنطقة حالاً من الحذر والترقب والخوف تسيطر على نسبة مهمة من المستثمرين نتيجة لتقلبات مؤشرات الأسواق. وتساهم هذه التقلبات في ارتفاع مستوى الأخطار، خصوصاً بالنسبة إلى شريحة صغار المضاربين بينما يُلاحظ في المقابل استثمار انتقائي في أسهم شركات قيادية مصدره مستثمرون في الأجل البعيد وبعض المحافظ الاستثمارية. ويشجع انخفاض كبير في أسعار الفائدة على الودائع واستمرار تراجع أداء قطاع العقارات بعض كبار المستثمرين على دخول أسواق المنطقة والشراء في الأجل البعيد إذ يُتوقع ارتفاع العائد الاستثماري للذين يتحلون بالصبر، خصوصاً بعد ارتفاع مستوى التضخم الذي يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود. في الوقت ذاته عوض معظم مؤشرات الأسواق المالية العالمية خسائره نتيجة للتأثيرات السلبية للأزمة المالية والعالمية وانعدام الاستقرار في المنطقة، فيما برزت فجوة كبيرة بين إغلاقات مؤشرات أسواق المنطقة قبل بداية الأزمة المالية وإغلاقاتها أخيراً. ولا يزال مؤشر سوق دبي المالي، مثلاً، منخفضاً بنسبة 72 في المئة مقارنة بإغلاقه في نهاية حزيران (يونيو) 2008، ومؤشر سوق أبو ظبي بنسبة 47 في المئة، ومؤشر السوق السعودية بنسبة 31 في المئة، ومؤشر سوق الكويت بنسبة 59 في المئة، ومؤشر سوق البحرين بنسبة 51 في المئة، ومؤشر سوق مسقط بنسبة 45 في المئة، ومؤشر سوق الدوحة بنسبة 29 في المئة. وتستمر الخسائر الكبيرة لهذه المؤشرات دليلاً على وجود فرص استثمارية مهمة في ظل تحسن أداء نسبة كبيرة من الشركات المدرجة استناداً إلى البيانات المالية المنشورة هذه السنة حول أدائها عام 2010. * مستشار للأسواق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»