من مزايا الاستثمار في أسهم الشركات المساهمة العامة المدرجة في الأسواق المالية سرعة بيع هذه الاستثمارات أو تسييلها في الوقت المناسب عند الحاجة إلى سيولة أو اتخاذ قرار بالانتقال إلى فرص استثمارية أخرى. ولذلك تصنَّف الاستثمارات في أسهم الشركات المدرجة من ضمن الموجودات المتداولة في موازنات الشركات المساهمة العامة. ويعود الانخفاض الكبير في قيمة التداولات اليومية في معظم أسواق المنطقة هذه السنة إلى استمرار التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008، وأزمة الديون السيادية الأوروبية هذا العام، والتطورات الجيوسياسية في المنطقة العربية، إضافة إلى تخفيضات التصنيفات الائتمانية للولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والتي أدت إلى تقلبات شديدة في أسواق المال العالمية انعكست على أداء مؤشرات أسواق المنطقة. وجراء هذا الانخفاض الكبير في قيمة التداولات اليومية في أسواق المنطقة، بلغت القيمة 10 في المئة أو أقل من التداولات اليومية لعام 2008، فسجل، مثلاً، متوسط قيمة التداولات اليومية في أسواق الإمارات عام 2008، أي قبل بداية التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، نحو بليوني درهم، بينما يبلغ متوسط التداول اليومي في هذه الأيام نحو مئة مليون درهم فقط. وفي مثال آخر بلغ متوسط التداولات اليومية في سوق عمّان المالية عام 2008 نحو 83 مليون دينار قبل أن ينخفض إلى نحو 7.5 مليون دينار حالياً. وتسبب هذا الانخفاض الكبير بصعوبة في تسييل نسبة مهمة من أسهم الشركات المدرجة في الأسواق أو بيعها بالسرعة الممكنة، فبات يستغرق بيع أسهم بعض الشركات الضعيفة التداول أسبوعين أو أكثر لعدم وجود مشترين، كما يلجأ بعض البائعين لأسهم هذه الشركات إلى منح حسم كبير على السعر المعلن للأسهم المعنية لتشجيع بعض المستثمرين على الشراء، فلا يعود السعر المعلن في أسواق المال لأسهم الشركات الضعيفة التداول حقيقياً، فالسعر الحقيقي هو سعر آخر صفقة منفذة بالنسبة إلى أسهم هذه الشركات. ويعكس السعر الحقيقي لسهم شركة ما عادة قيمة التداول اليومي للسهم، فيما يعكس الطلب والعرض المكثفين اهتمام شريحة كبيرة من المستثمرين والمضاربين بالسهم المعني. وتنعكس صعوبة بيع أو أسهم الشركات الضعيفة التداول أو تسييلها سلباً على قبول هذه الأسهم كضمانات من قبل المصارف عند منح الأخيرة قروضاً أو تسهيلات لبعض المستثمرين، فالمصارف تخشى صعوبة بيع الأسهم عند تعثر المقترضين المالكين لها، إضافة إلى كون سعرها المعلن غير حقيقي. وأدى الانخفاض الكبير في قيمة التداولات إلى انحسار استثمارات الأجانب في معظم أسواق المنطقة فالاستثمار الأجنبي، خصوصاً المؤسسي، لا يفضل الدخول في أسواق ضعيفة السيولة لصعوبة الخروج منها عند اتخاذ قرار بالانتقال إلى فرصة استثمارية أخرى. وقد يؤثّر سلباً أيضاً في الموافقة على انضمام أسواق الإمارات إلى مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة المتوقع البت فيه خلال أيام. ولا يشجع الانخفاض الكبير في قيمة التداولات على توسيع قاعدة المضاربين والمستثمرين بافتراض أن الانخفاض الكبير في التداولات والذي يعكس انخفاضاً كبيراً في عمليات الشراء وارتفاعاً في مستوى الأخطار في الأسواق. وملاحظ أن 90 في المئة من التداولات اليومية تتركز على أسهم عدد محدود من الشركات المدرجة في معظم الأسواق، مصدرها سيولة مضاربين أفراد، فيما تستحوذ باقي الشركات على 10 في المئة فقط من السيولة اليومية. ويساعد ضعف سيولة عدد كبير من الشركات بعض المضاربين على التلاعب بأسعار أسهمها من خلال عمليات بيع أو شراء لهذه الأسهم وبكميات محدودة بهدف تحقيق أرباح سريعة. أما منح تسهيلات للمستثمرين من قبل الوسطاء استناداً إلى قوانين التداول على الهامش، فمن شروطه الرئيسة التداول بأسهم الشركات المرتفعة السيولة فقط واستثناء أسهم الشركات الضعيفة التداول. ومن أضرار الانخفاض الكبير في قيمة التداولات في الأسواق المالية تلك التي أصابت سوق الإصدارات الأولية سواء على صعيد طرح أسهم شركات مساهمة عامة جديدة أو زيادة رؤوس أموال شركات قائمة. ولهذا بالطبع تداعيات سلبية على الدور الذي تلعبه الأسواق المالية في تعزيز أداء الاقتصاد الوطني فنشاط سوق الإصدارات الأولية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنشاط الأسواق الثانوية. * مستشار الأسواق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»