لا تكاد صحيفة أو نشرة أخبار، في العالم بأسره، تخلو من حادث أو مجموعة حوادث اعتداء على الأطفال، سواء كان ذلك من أحد أفراد العائلة، أو العاملين في مؤسسات يرتادها الأطفال كالمدارس ومؤسسات الرعاية وغيرها، أو ضمن نزاعات مسلّحة أو غير مسلّحة. ومن المُتفق عليه أن العنف يخلّف آثاراً مدمّرة على صحة الأطفال النفسية والجسدية، يمتد الكثير منها حتى آخر العمر، إذا لم يتلقَ الطفل العلاج أو التأهيل النفسي والإجتماعي المناسب، ويتجاوز النُدب التي يتركها العنف في روحه وجسده. تعرّف منظمة الصحة العالمية العنف بأنه «الاستخدام القصدي للقوة أو السلطة، أو التهديد بذلك، ضد الذات أو ضد شخص آخر أو عدد من الأشخاص أو المجتمع بأكمله، وقد يترتب على ذلك أذى أو موتاً أو إصابة نفسية أو اضطراباً في النمو أو حرماناً. ويتسع هذا التعريف للعنف ليشمل أشكال العنف الجسدي والنفسي كلها، كما يتضمّن الإهمال المتعمّد أو المعاملة السيئة أو الإستغلال الجنسي للأطفال». وتعرّف اتفاقية حقوق الطفل، الطفل، وفقاً ل «يونيسف» (منظمة الأممالمتحدة للطفولة)، بأنه «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر». تختلف أساليب التعذيب التي يستخدمها الأشخاص المُعَنِفون تجاه الأطفال، فمن العنف ذي الآثار الواضحة وقليلة الخطورة، كالكدمات البسيطة والندوب، إلى العنف الخطير الذي يؤدّي إلى كسر بعض الأعضاء أو تشويهها، أو الحروق، إلى العنف المفضي إلى الموت. كما تختلف دوافع الأشخاص المُعنِّفين، من دوافع نفسية كالتعرّض للعنف في طفولتهم، وصورتهم الذهنية عن أساليب التنشئة والرعاية الوالدية، والتواصل مع الأطفال، إلى تأثير البيئة المحيطة والمجتمع الذي يتقبّل العنف ضد الأطفال، ويعتبره شكلاً مقبولاً من أشكال تعديل سلوك الأطفال وضبطه، وتفريغ الضغط النفسي الذي يعيشه الشخص المعنِف على الطفل، حتى القصور القانوي والتشريعي في حماية الطفل، وهو ما يمكن أن نعتبره تواطأ وقصوراً رسمياً يسهم في تشجيع العنف الجسدي ضد الأطفال بدلاً من الحدّ منه، مثل القوانين التي تمنح الوالدين حق الضرب لتأديب أبنائهما، كما في الأردن مثلاً، أو السماح للمعلمين ودور الرعاية باستخدام الضرب لتقويم سلوك الأطفال. تنص المبادئ الأساسية لحماية الأطفال في «يونيسف» على أنّ: «جميع الأطفال لهم الحق في الحماية من العنف والاستغلال والإيذاء. إلا أن ملايين الأطفال في أنحاء العالم من مختلف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والفئات العمرية والأديان والثقافات، يعانون يومياً من العنف والاستغلال والإيذاء. وهناك ملايين آخرون معرضون للأخطار». فوفق الإحصاءات المنشورة على الموقع الرسمي للمنظمة، إنّه من المستحيل قياس الحجم الفعلي للعنف ضد الأطفال حوله العالم، بسبب نقص البيانات عن العدد الدقيق للضحايا، لكثرة ما يحدث سراً ولا يبلّغ عنه، غير أن التقديرات تشير إلى تعرّض ما بين 500 مليون و1.5 بليون طفل للعنف سنوياً. ويُقدّر عدد الأطفال الذين يشهدون العنف الأسري في كل عام بما يصل إلى 275 مليون طفل حول العالم. ويُنبئ هذا العدد الكبير من الأطفال المعرّضين للعنف، في المنازل تحديداً، بخلل كبير في نُظم العلاقة الوالدية، وأساليب التنشئة الأسرية، كما أن العنف الجسدي يخفي في طياته العنف النفسي والإهمال، وقصور تلبية الحاجات الذهنية والبدنية والنفسية للأطفال، وينبئ أيضاً بنُظم أسرية غير سوية، وتفتقر إلى أساليب التواصل السويّة، التي تعزز النمو العقلي والنفسي وحتى الجسدي السويّ للطفل. لا تقتصر آثار العنف الجسدي الواقع على الأطفال على الندوب الجسدية، أو الكدمات، أو الألم الجسدي، فالعنف الجسدي يجعل الطفل عرضة لآثار نفسية وجسدية وسلوكية عدة طويلة المدى؛ والتي تذكّر منها منظمة الصحة العالمية، ضعف الأداء المدرسي، ضعف المهارات الإجتماعية، الاكتئاب، والإحساس بالقلق، وغير ذلك من المشكلات النفسية. كما يذكر التقرير الصادر عن «يونيسيف» حول آثار العنف على الأطفال أنهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات والحمل أو إقامة العلاقات الجنسية في فترة المراهقة، والانحراف السلوكي. يدخل شابات وشباب كثر حياتهم الزوجية، من دون وجود تدريب أو دليل واضح يعلّمهم أبجديات التواصل أو التنشئة السليمة، فيستخدمون ما اختزن لديهم من البيئة، والمجتمع المحيط، وتنشئة آبائهم لهم، بما في ذلك من ممارسات إيجابية أو سلبية. وإذا لم يتمتّع هؤلاء الشباب بالوعي والنضج الكافي لتحسين فهمهم التنشئة، والأساليب السويّة واللاعنفية في التواصل الأسري وضبط سلوك الأطفال، وعدم اعتبارهم ملكية خاصة لهم، يجوز لهم التصرّف بها على الوجه الذي يرونه، فإن من يدفع ثمن هذا بالدرجة الأولى هو علاقاتهم البينية كأزواج، ثم الأطفال الذين لا يملكون القوة والسلطة الكافية للدفاع عن أنفسهم، خصوصاً إذا ما اقترن هذا بغياب المنظومة المجتمعية والمؤسساتية والقانونية الحازمة في التعامل مع حالات العنف ضد الأطفال. إن تدمير الطفل، والقضاء على جسده الضعيف، وشخصيته التي بدأت للتو في شقّ طريقها في الحياة، والبيئة المحيطة، هو أمر أسهل بكثير، بالنسبة إلى الشخص المعنِف، من علاج الأسباب النفسية الكامنة داخله، والتي تدفعه إلى العنف، ومن تعلّم مهارات أفضل في التواصل مع المجتمع والآخرين، والبحث عن بدائل أكثر فاعلية وهدوءاً في تعديل سلوك الأطفال، وتنشئتهم تنشئة داعمة وسوية نفسياً وجسدياً. في حين أن تعلّم ذلك كله يتطلّب وقتاً وجهداً جسدياً ونفسياً وإحساساً كبيراً بالمسؤولية تجاه مكوّنات هذا الطفل منذ اللحظة الأولى التي يعلم فيها الوالدان ببدء تشكّله في رحم أمه، ويقرران الاحتفاظ به ليخرج إلى هذه الحياة ويصبحان هما عالمه الآمن، ووسيلته الأولى للتعرّف إلى الكون من حوله، فيكونان عينه التي يبصر بها، وقدمه التي يمشي بها، ويده التي تستكشف الحياة. فإن تحولت هذه اليد إلى أداة لتعنيف الطفل وقتله، أين سيجد أمانه؟