التغيير الحكومي الذي أجراه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يحمل في طياته مرحلة جديدة في الديبلوماسية الفرنسية إزاء العالم العربي. فمجيء ألان جوبيه رئيس الحكومة السابق ووزير خارجية حكومة التعايش في عهد الرئيس ميتران ووزير الدفاع في عهد ساركوزي لمدة أربعة اشهر يمثل منعطفاً جديداً في الديبلوماسية الفرنسية، كما أن تعيين أمين عام الرئاسة كلود غيان وزيراً للداخلية مكان صديق الرئيس بريس أورتوفو يشير إلى هذا المنعطف الجديد. فساركوزي عانى ضعفاً في استطلاعات الرأي ويواجه موجة انتقادات لا مثيل لها من الاشتراكيين وأيضاً من ديبلوماسيين عانوا منذ بدء فترة رئاسته من عدم الاستماع إليهم وتخطيط الديبلوماسية في شكل أحادي مع فريق ضيق يتمثل بأمين عام الرئاسة غيان ومستشار الرئيس هنري غينو من دون الأخذ بما يقوله الديبلوماسيون. فعودة ألان جوبيه إلى الخارجية تعني أولاً انه كما قال بنفسه «اعتقدت أنني لم يكن بإمكاني أن أعمل مع نيكولا ساركوزي ولكن بعد خبرة أربعة أشهر في وزارة الدفاع غيّرت رأيي ورأيت أنني تمكنت من ذلك». فجوبيه تردد عندما عرض عليه ساركوزي الخارجية في الحكومة الجديدة، أولاً لأن الإمكانات المالية أصبحت محدودة وأيضاً لأنه كان يخشى من طموح ساركوزي في الظهور والهيمنة، خصوصاً في ترؤس مجموعة العشرين، ما سيجعل عمله في الخارجية غير ممكن لكثرة تدخلات الرئاسة فيها. أما الآن فالصورة اختلفت وضعف ساركوزي في استطلاعات الرأي والتطورات في العالم العربي التي لم يتوقعها أحد وانتقادات الإعلام والمعارضة للوزيرة السابقة ميشيل أليو ماري وإجازتها في تونس في بداية الثورة الشعبية التونسية واستضافة رجل أعمال تونسي قريب من بن علي للوزيرة وعائلتها في طائرته الخاصة، جعلت الخيار المنقذ لساركوزي أن يطلب من ألان جوبيه، الذي يعترف الجميع انه رجل دولة بكل معنى الكلمة، أن يتولى الخارجية مجدداً، ويأخذ برأي ديبلوماسييه ويدرس الملفات. فجوبيه يعرف العالم العربي جيداً، وهو مهتم جداً بالعمل على دفع مسيرة السلام اليائسة. فهو يعرف الملف بشكل عميق ويدرك أهمية حله للمنطقة بأسرها وللشعب الفلسطيني الذي يتعاطف معه في شكل كبير ولو أن علاقته مع إسرائيل أيضاً جيدة. أما بالنسبة إلى لبنان وسورية، فيعرف تماماً الوضع فيهما كما يعرف الطبقة السياسية اللبنانية والتدخلات السورية والإيرانية على الساحة اللبنانية، كما انه وافق على انفتاح ساركوزي على سورية في البداية فكان يردد أنه ينبغي التحاور مع الخصوم، ولكن الفرق انه سيكون أكثر ترقباً وأكثر حذراً بالنسبة إلى السياسة السورية في لبنان، مع حرصه على امن وسلامة الجنود الفرنسيين في الجنوب. فجوبيه ورئيسه سينظران إلى التطورات في دول المغرب والمشرق والثورات العربية وسيكونان حذرين في التعامل مع أنظمة ترفض لمواطنيها الحرية. هذا لا يعني انه سيقاطع كل الديكتاتوريات ولكنه سينصح الرئيس بالتحاور مع هذه الدول لدفعها بضغط اكبر إلى الإصلاح. فلا شك في أن التغييرات في العالم العربي ستكون لها تداعيات كبرى على ديبلوماسيات الغرب خصوصاً فرنسا بالنسبة إلى كل من مصر وتونس وليبيا والجزائر وأيضاً في الخليج، ولو أن تأثيرها في كل من البحرين وعُمان ليس كبيراً ولكنه مهم في اليمن. وستكون سياسة فرنسا إزاء سورية في هذه المرحلة أكثر تطلعاً إلى نتائج هذا الانفتاح الذي كان من دون أي مقابل والذي بدأ يتغير منذ أن رفضت سورية اقتراح ساركوزي عقد اجتماع لمجموعة اتصال حول لبنان تشارك فيه قطر وتركيا ولبنان وسورية. والآن بعد عودة الهيمنة السورية على لبنان والانقلاب الحكومي فيه من «حزب الله»، فلا شك في أن الديبلوماسية الفرنسية إزاء سورية ستبقى على خط التحاور ولكن بشروط أخرى وضرورة تحقيق نتائج من هذا الحوار. وجوبيه يحظى باحترام كبير من ديبلوماسيي فرنسا لأنه يأخذ بتوصياتهم ويحترم عملهم وطريقته مباشرة وليست عبر الوسطاء. ففي الآونة الأخيرة كثر زوار الظلام خصوصاً المبعوثين اللبنانيين الممثلين لسورية في القصر الرئاسي. فهذا النهج لن يقبله رجل دولة مثل جوبيه لأنه جاء ليعاون الرئيس على استعادة دور قوي لفرنسا على الصعيد العالمي.