الصورة تاريخية. معبرة. مشحونة بالدلالات. تنبع اهميتها من اسماء من تشملهم. ومكان التقاطها. والتوقيت. والزيارة تاريخية كالصورة. نجاحها يقلب صفحة الاندفاع نحو الهاوية. فشلها يقرب موعد الوقوع فيها. في الصورة الملك عبد الله بن عبد العزيز. ملك البلاد التي رعت اتفاق الطائف بين اللبنانيين بالتفاهم مع سورية. وهو رمز اعتدال في المنطقة وراعي قطار المصالحات العربية. وفيها الرئيس بشار الأسد. الرئيس الذي عبر ببلاده عقداً هو الأصعب في تاريخها الحديث وأعادها ممراً الزامياً لصناعة الاستقرار في المنطقة. وفيها الرئيس ميشال سليمان. العماد الذي ولدت رئاسته بعد «عملية تنقيح ميدانية» لاتفاق الطائف سميت اتفاق الدوحة. جاء الملك عبدالله الى بيروت من دمشق. وهبطت الطائرة التي اقلته مع الرئيس الأسد في مطار رفيق الحريري الدولي اي في الضاحية الجنوبية لبيروت. كان في المطار الى جانب الرئيس سليمان الرئيس نبيه بري. بدا مرتاحاً فهو يقيم منذ وقت طويل تحت شعار «س.س» اي ان الحل يكمن في تفاهم السعودية وسورية. كان ايضاً رئيس الوزراء سعد الحريري الذي خصه الرئيس السوري بلفتة تشير الى ان الكيمياء موجودة بين الرجلين. الإطلالة الثلاثية ومن قصر الرئاسة في بعبدا تفصح من دون ان تعلن. لقد انتهت مرحلة التنازع العربي - العربي على ارض لبنان بفعل الزلزال الذي اطلقه اغتيال الرئيس رفيق الحريري. انها نهاية مرحلة في العلاقات السعودية - السورية. ونهاية مرحلة في العلاقات السورية - اللبنانية. والإطلالة مظلة لمساعدة لبنان على تفادي الانهيار او محاولة الانتحار. وعد بالمساعدة في منع تحول القرار الظني في اغتيال الحريري الى زلزال جديد. الإطلالة الثلاثية رسالة تطمينات. اغلب الظن ان الملك السعودي لم يأت لطمأنة اصدقاء بلاده فقط بل خصومهم ايضاً. وأن الرئيس السوري لم يأت لطمأنة حلفاء بلاده فقط بل ايضاً خصومهم. وعلى رغم الحذر الذي يفرضه شح المعلومات توحي الصورة ان شيئاً ما يتغير في المقاربات والقراءات والأدوار. وأغلب الظن ان التغيير سيكون هادئاً وبطيئاً وسيعبر عن نفسه في رعاية سورية للاستقرار اللبناني بمواكبة عربية ومن دون ان ننسى احمد داود اوغلو. يحب اللبنانيون القراءة في الصور. سيستعيدون صور الشهور الماضية. صورة في دمشق تجمع الأسد مع احمدي نجاد والسيد حسن نصرالله. صورة في اسطنبول تجمع الأسد وأردوغان وأمير قطر الذي وصل مساء امس الى بيروت. صورة في دمشق تجمع الأسد وداود اوغلو والحريري. سيحاول اللبنانيون تفسير الصور. وما يجمع بينها وما يفرق. ما له علاقة بالحاضر والماضي وما له علاقة بالحاضر والمستقبل. وينصح خبراء الصور في هذا الشرق الأوسط المعقد بالتمهل في قراءة الصور والتمهل في الخروج منها باستنتاجات عاجلة او قاطعة. يمكن ان نضيف الى الصورة الثلاثية صور لقاءات اخرى في قصر بعبدا شارك في واحد منها نواب «حزب الله». وصورة زيارة الملك عبد الله ل«بيت الوسط» منزل الرئيس الحريري. والرسالة التي تضمنتها الصور ترجمها البيان الصادر عن قصر بعبدا. التأكيد على الشرعية واتفاق الطائف واتفاق الدوحة والوفاق والحوار وعدم استخدام العنف وتقديم المصلحة الوطنية على كل مصلحة فئوية ومنع الفتنة المذهبية. كان امس يوم الصورة في لبنان. اليوم تبدأ مرحلة ما بعد الصورة. تحتاج هذه المرحلة الى نقاشات عميقة ومشاورات هادئة ورعاية حصيفة ونزيهة. تحتاج ايضاً الى مناخات مؤاتية وقرارات صعبة وربما مؤلمة. افكر الآن في رجلين: الرئيس سعد الحريري والسيد حسن نصر الله. مرحلة ما بعد الصورة دقيقة ايضاً في بلد كتبت عليه منذ ولادته الإقامة في غرفة العناية الفائقة.