من الطبيعي أن تُرى طوابير طويلة في العواصم والمدن العربية لشراء الخبز أو المواد التموينية الرئيسة، بيد أن رؤية الطوابير ذاتها وهي تصطف لفترات ممتدة لشراء نسخة من ألبوم غنائي، حدث غير مألوف. تلك الطوابير المؤلفة من شبان وشابات اصطفت على مدخل «مسرح البلد» في عمّان لساعات طويلة، ليوقع لهم الفنان اللبناني مرسيل خليفة ألبومه الجديد «أندلس الحب» الذي صدر لمناسبة مرور 75 سنة على ميلاد الشاعر الراحل محمود درويش. حفلة التوقيع هي الثانية للألبوم بعد حفلة بيروت، وجاءت ضمن أسبوع «حاصر حصارك» الذي ينظمه مسرح البلد، ويشكل امتداداً للأسبوع العالمي لمقاومة الاستعمار والفصل العنصري الصهيوني، الذي يقام في أكثر من 150 مدينة، وضم هذا الأسبوع معرضاً فوتوغرافياً لطارق البكري، ومسرحية «طه» من إخراج عامر حليحل وتمثيله، وحفلة غنائية للفنانة سناء موسى. وقال خليفة لجمهوره الذي حيّاه تصفيقاً ممتداً وهو يدخل قاعة المسرح: «كتبتُ موسيقى لمحمود بعنوان «أندلس الحب». ونحن نتعاطى العيش في الحياة، حتى لا يضيع الحب وينكسر. ووحده الحب كان يفهمنا، كنا نرى أوراق التوت تتساقط عن جسد العالم، وحب محمود إلى المستقبل الذي كان يحلم به، كان شفافاً كالضوء». وخاطب جمهوره بحديث لم يخل من رمزية معجونة بجماليات البساطة: «دائماً أبحث عن حبات الماء التي تسبب الحب، وألتقطها وأحولها إلى ألحان». وشكا همه الذي يثقل صدره: «يحزنني الآن أن العالم يكتب سيرته بالحروب». وأضاف «أن الطريق كانت في السابق أوضح، ولكن الدم الآن على الشجر، فمن ينقذ الوطن العربي، وأتيت إلى وطني: الشعر، ودائماً أحببت الشعر لأنه لا يشيخ أبداً يظل شاباً». وأضاف: «ما يجعلني مهتماً بالشعر أمام آلاف القتلى، هو أن كل أنا شعرية هي بحد ذاتها انتصار على الموت وشركائه من الضباع الكاسرة». علاء زهراوي أحد الحاضرين في الحفلة، قال أن سبب مجيئه يعود إلى رغبته في رؤية مرسيل، ومصافحته شخصيًا وتناول آخر إصدار من بين يديه. ويفيد: «إن علاقتي بمرسيل جاءت من تصرف والدتي الصباحي مُنذ كنا صغاراً؛ فيومياً أثناء استيقاظنا، وقبل ذهابنا إلى المدرسة وتناول الفطور تُسمعنا إحدى أغانيه». أما رامي أبو صليح، فقال: «أنا أحب محمود درويش وشعره، فلمن يريد الدخول إلى عوالمه وتذوق شعره لا بد لهُ من الاستماع الى مرسيل، لأن غناءه يضيء أكثر على المعنى الشعري لدرويش، بخاصة أن مرسيل صاحب صوت رخيم متميز في الوسط الغنائي العربي». بينما قالت زينة باسم، التي تدرس اللغة الإسبانية في عمّان، ل «الحياة» إنها جاءت الى الحفلة فقط لأن «مرسيل يغني قصائد لمحمود درويش بصوت جميل، يُعلي فيها نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال». وقال مدير مسرح البلد رائد عصفور ل «الحياة» عن إقامة هذه الفاعلية: «كان لنا، كمسرح البلد، الشرف باستضافة توقيع ثلاثة دواوين لمحمود درويش في آخر حياته، على مدار ثلاث سنوات متتالية، وهو اختار مسرح البلد مكاناً لهذا التوقيع». وأضاف: «هذه الفاعلية تشكل احتفالا مهماً بمرور 75 سنة على ميلاد قامة شعرية عالمية كمحمود درويش، نقوم به معاً نحن ومرسيل خليفة، كما يسعدنا أن تكون عمّان المحطة الثانية بعد بيروت للاحتفال بتوقيع إصدار خليفة المتميز». وكان وزير الثقافة الأردني السابق الشاعر جريس سماوي قدم مرسيل خليفة لجمهوره، قائلاً كلاماً لم يخل من الوجد بفقدان درويش، مؤكداً أن الأخير «كان يعرف أنه راحل بسرعة، فقد كان يرثي نفسه، وكنا نحس به وهو يغادرنا ملوحاً لنا وهو يدخل وجدان شعبه». الألبوم يحوي موسيقى من تأليف مرسيل وأغاني من قصيدة درويش «يطير الحمام» من ديوان حصار لمدائح البحر، نفذها مرسيل على العود، ونجلاه بشار على الإيقاع ورامي على البيانو، وجيلبير على القانون.