قدرت مديرة «صندوق النقد الدولي» كريستين لاغارد خسارة مصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأكثر من 340 بليون دولار العام الماضي بسبب انخفاض الأسعار، أي ما يعادل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول. وقالت إن «حجم هذه الصدمة الخارجية واحتمال استمرارها يعني أن على كل مصدري النفط التكيّف مع خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات، إضافة إلى فرض الضريبة المضافة وعلى الشركات». وأكدت في كلمة أمس خلال افتتاح «المنتدى الأول للمالية العامة والنمو في الدول العربية»، الذي ينظمه في أبو ظبي صندوقا النقد، العربي والدولي، أن «صندوق النقد واثق من قدرة اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على إجراء تعديلات مالية واسعة النطاق تحتاجها للتكيّف مع عصر النفط الرخيص». وأضافت أن «على مصدري النفط خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات الحكومية»، موضحة أنهم «أظهروا القدرة على التكيف في الماضي وبإمكانهم عمل ذلك مرة أخرى». وقالت: «معظم دول الخليج في وضع يتيح لها تنفيذ التعديلات خلال السنوات المقبلة، ثم كبح التأثير على النمو»، مؤكدة أن «صندوق النقد يلعب دوراً متزايداً في تقديم المشورة لحكومات دول الخليج في شأن الإصلاحات لتعزيز أوضاعها المالية». ولفتت إلى أن «فرض ضريبة القيمة المضافة، حتى عند مستويات متدنية من خانة واحدة، من شأنه رفع الإيرادات إلى نحو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي» معتبرة إن «تركيزاً أكبر على ضرائب دخل الشركات والرسوم قد يقود في نهاية المطاف إلى استحداث ضريبة الدخل على الأفراد». وأكد رئيس «صندوق النقد العربي» مديره العام عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي في كلمة، أن «الاقتصادات العربية تواجه تحديات كبيرة في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي وتراجع توقعات النمو وآفاقه». وقال: «تأتي التطورات الداخلية والإقليمية وانخفاض الأسعار العالمية للنفط والسلع الأساس لتزيد التحديات، في وقت تحتاج منطقتنا العربية إلى رفع معدلات النمو إلى نحو 5 أو 6 في المئة سنوياً لتتمكن من تحقيق خفض ملموس لمعدلات البطالة، خصوصاً في أوساط الشباب». وشدد على أهمية «مساهمة السياسات المالية في استدامة الأوضاع المالية بما يخدم تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم فرص النمو الشامل»، مشيراً إلى أن «السلطات في الدول العربية حرصت على اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة للتعامل مع هذه التطورات والتحديات». ولفت إلى أن «الدول العربية المصدرة للنفط واصلت استراتيجياتها في دعم نمو القطاعات غير النفطية والتنويع الاقتصادي وإصلاح نظم الدعم»، مؤكداً أن «انخفاض أسعار النفط ساهم في تخفيف حدة الاختلالات المالية للدول العربية المستوردة، إلا أن فرص تعزيز آفاق النمو فيها يرتبط بقدرتها في ضوء التطورات الداخلية على مواصلة الإصلاحات الهيكلية لتحسين بيئة الأعمال بما يشجع على جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية». وأضاف الحميدي أن «المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا، سواء لجهة تعزيز الإيرادات أو كفاءة الإنفاق والاستثمارات، ما يساهم في الوقت ذاته في خلق البيئة المؤاتية والمشجعة لنمو القطاع الخاص بمستوياته المختلفة من الشركات الكبيرة وصولاً للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر». وقال: «ليس خافياً أن تحديات جانب الإنفاق الحكومي، تتركز لدى معظم دول المنطقة في زيادة كلفة الدعم الحكومي على حساب الاستثمارات المباشرة للحكومة، المؤثرة في النمو الاقتصادي مثل الإنفاق على التعليم والبنية التحتية». وأكد أن أحد أهم جوانب الإصلاح هو خلق حيز مالي يساهم في تحقق النمو المستدام بدلاً من أبواب الإنفاق التي تقلل من فرص تحقيق الاستدامة المالية في الأجلين القصير والطويل». وأضاف: «تواجه دول المنطقة في هذا السياق أيضاً، تحديات في تحديد إطار لتطبيق سياسة مالية معاكسة للدورات الاقتصادية، وكيفية استثمار عائدات النفط والسلع الأساس الأخرى في أوقات ارتفاع السعر بهدف تعزيز الاستدامة المالية للدول المصدرة للطاقة في المنطقة». وأشار إلى أن «التحديات المتعلقة بالإيرادات الحكومية قد تكون أكبر أمام صانعي السياسات المالية في المنطقة العربية في ظل انخفاض مستويات التحصيل الضريبي، قياساً بالمستويات العالمية، حتى مقارنة بالدول النامية». وأكد الحميدي أن «التحدي يتركز في هذا السياق على تفاوت القدرة بين الدول العربية في تنمية الإيرادات الضريبية مع تحقيق توزيع أكثر عدالة للثقل الضريبي في المجتمع، ولعل تفاوت التجارب بين الدول العربية، يمثل فرصة للاطلاع على الدروس في إصلاح الأنظمة الضريبية بما يتناسب وأوضاع الاقتصادات في هذه الدول وهيكليتها». ويناقش المنتدى، الذي يستمر يومين، التحديات التي تواجهها الاقتصادات العربية والتعرف إلى تجارب تعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي وإصلاح الإيرادات الحكومية، بهدف توفير أكبر قدر من المعرفة حول الدروس المستفادة من هذه التجارب، وإعطاء صورة واضحة للواقع المالي للدول العربية ومقارنته بدول العالم وأفضل الممارسات، ما يساهم في التخطيط لأفق الإصلاحات التي تحتاجها السياسات المالية في الدول العربية.