لندن، واشنطن، برلين، بيروت - «الحياة»، رويترز، أ ف ب - بُذلت أمس جهود لضبط التوتر الروسي- التركي وتجاوز «اللعب بالنار» فوق الحدود السورية- التركية بعد إعلان أنقرة إسقاط قاذفة روسية من نوع «سوخوي 24» وتأكيد واشنطن توجيه تركيا عشرة إنذارات للطائرة الروسية قرب حدود تركيا وإعطاء الرئيس باراك أوباما الحق لتركيا في حماية أراضيها وأجوائها. واعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إسقاط القاذفة «طعنة في الظهر»، محذراً من «عواقب وخيمة». وعقد «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) اجتماعاً على خلفية أول إسقاط دولة عضو فيه طائرة روسية أو سوفياتية منذ نصف قرن. وأفيد بأن عناصر المعارضة دمروا بصاروخ «تاو» أميركي مروحية روسية أو سورية حاولت سحب أحد الطيارين الروسيين اللذين أُسقطت طائرتهما، وسط تضارب الأنباء حول مصير الطيارين على رغم اعتقاد تركيا بأنهما على قيد الحياة. وحض أوباما خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند على ضرب «داعش» بدلاً من استهداف المعارضة المعتدلة ودعم نظام بشار الأسد، مشدداً على أن أفضل طريق لتحقيق السلام في سورية يتم عبر وقف النار ومرحلة انتقالية بعيداً من الأسد. وأكد أوباما وهولاند أن بلديهما «موحدان ضد الإرهاب»، فيما حض الرئيس الفرنسي تركيا على «إغلاق الحدود مع سورية لمنع الإرهابيين من الوصول إلى أوروبا» ودعاها وموسكو إلى تجنب التصعيد. ولم يتأخر رد الكرملين بعد إعلان تركيا صباح أمس أن مقاتلاتها أطلقت صاروخاً أصاب القاذفة التي انتهكت المجال الجوي التركي، كما قالت أنقرة بعد تحذير الطائرة 10 مرات. وعلى رغم أن وزارة الدفاع الروسية تجاهلت في البداية الإعلان التركي وأكدت أن المقاتلة أسقطت بنيران دفاعات أرضية داخل سورية، بدا بوتين غاضباً خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في سوتشي أمس، وأطلق عبارات غير مسبوقة لجهة حدتها ضد أنقرة، مشيراً إلى أن بلاده «تخوض الحرب على الإرهاب، لكننا لم نتوقع أن نتلقى ضربة في الظهر من جانب متواطئين مع الإرهاب». وزاد أن الطائرة «تعرضت لنيران صاروخ «جو- جو» أطلقته مقاتلات تركية وهي تحلق على ارتفاع ستة آلاف متر على بعد كيلومتر واحد من الحدود، ولم تنتهك الحدود التركية كما لم تشكل تهديداً لأحد هناك». مضيفاً أنها سقطت على بعد أربعة كيلومترات من المنطقة الحدودية. ولفت إلى أن القاذفة الروسية أسقطت «على رغم الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة لمنع حدوث مثل هذه الحوادث الجوية، وتركيا في صفوف هؤلاء الذين ادعوا أنهم يقاتلون ضد الإرهاب ضمن التحالف الأميركي». وزاد أن روسيا «تتفهم أن لدى كل دولة مصالحها الإقليمية وكنا نحترمها دائماً، لكننا لن نتسامح أبداً مع جريمة مثل تلك التي ارتكبت اليوم» (أمس). وهبطت أسعار الأسهم الروسية والتركية بسبب مخاوف من التصعيد بين خصمي الحرب الباردة السابقين. واستدعى كل من البلدين ممثله الديبلوماسي في البلد الآخر، وألغى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة لتركيا كان مقرراً أن يقوم بها اليوم. وأيد الجيش الأميركي ما أعلنه العسكريون الأتراك عن تحذير الطائرة الروسية قبل إسقاطها. وقال الناطق العسكري الأميركي الكولونيل ستيف وارن: «تمكنا من سماع كل ما حدث. هذه (الاتصالات) كانت على قنوات مفتوحة». وأضاف رداً على سؤال بشأن التحذيرات العشرة التي قالت تركيا إنها وجهتها إلى القاذفة الروسية التي اتهمتها باختراق أجوائها: «أؤكد هذا الأمر». وكان لافتاً أن الجيش التركي أبلغ الرئيس رجب طيب أردوغان أولاً قبل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في شأن الحادثة. كما أن أول رد فعل رسمي صدر من القصر الرئاسي، على رغم أن قيادة الأركان تتبع مباشرة لرئيس الوزراء، وهي إشارة إلى أن أردوغان يتابع بنفسه ملف سورية والتدخل الروسي. كما اعتبر عدد كبير من الأوساط السياسية والعسكرية التركية أن إسقاط القاذفة كان «أمراً لا بد منه من أجل الرد على رسائل روسيا التي تقصف مواقع التركمان في ريف اللاذقية الشمالي حيث لا يوجد داعش ولا جبهة النصرة». واعتبر بعض الأوساط السياسية أن ما يحدث حالياً من «لعب بالنار مع موسكو» يأتي ضمن خطة سياسية جديدة وضعها أردوغان الذي كان أعلن أن انتصار حزبه في الانتخابات الأخيرة يعطيه دعماً وثقة قوية من أجل الانطلاق بشكل أقوى في سياسته الخارجية». وتضاربت الأنباء حول مصير الطيارين الروسيين. وفيما بث معارضون فيديو قالوا إنه لجثة أحدهما وفيديو آخر أظهر تدمير عناصرهم بصاروخ «تاو» أميركي مروحية روسية هبطت بعد إصابتها بينما كانت تبحث عن الطيارين في ريف اللاذقية، قال مسؤول في الحكومة التركية ل «رويترز»، إن تركيا تعتقد أن الطيارين «على قيد الحياة» وإن بلاده تعمل للإفراج عنهما من قبضة المعارضة السورية. وأضاف المسؤول: «وحداتنا التي تلقت معلومات بأن الطيارين على قيد الحياة تعمل على تسلمهما من المعارضة بسلام». وفي دمشق، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري قوله إنه «في اعتداء سافر على السيادة الوطنية، أقدم الجانب التركي على إسقاط طائرة روسية صديقة فوق الأراضي السورية أثناء عودتها من تنفيذ مهمة قتالية ضد تنظيم داعش الإرهابي». وقالت ناطقة باسم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، إنه حض رئيس الوزراء التركي خلال اتصال هاتفي بينهما أمس «على العمل من أجل حوار مباشر بين الأتراك والروس في هذا الأمر». وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في برلين: «نأمل ألا تتسبب هذه الحادثة في انتكاسة للمحادثات المشجعة التي تعطي أملاً بسيطاً لتخفيف حدة الصراع السوري». ودعا الأمين العام للام المتحدة بان كي مون جميع الأطراف إلى «التهدئة بصورة عاجلة».